لقد عُين بعد تكوين الجمعية التشريعية في عام 1948م ثلاثة وزراء سوادنيون هم الأميرلاي عبد الله بك خليل وزير الزراعة والأستاذ عبد الرحمن علي طه وزير المعارف ودكتور علي بدري وزير الصحة في عهد الحكم الثنائي وثلاثتهم كانوا أعضاء بمجلس الحاكم العام. وبعد ظهور نتائج انتخابات أول برلمان سوداني واُنتُخبت أول حكومة وطنية في عام 1954م قبل عامين من إعلان الاستقلال في غرة يناير عام 1956م قبل عامين من إعلان الاستقلال أي قبل سبعة وخمسين عاماً ولو اتجهت كل العقول والسواعد والطاقات للتخطيط السليم الذي يتبعه عمل جاد وبناء ونماء وتعمير لتغيَّر وجه السودان ولأصبح مارداً اقتصادياً جباراً ورقماً لا يستهان به، ولكن المؤسف أن كثيراً من طاقاته وموارده قد أهدرت في الحروب والصراعات والمنافسات السقيمة العقيمة بين قلة ظل كل منهم يدور حول نفسه ويختصر الوطن في ذاته وأسرف البعض في الثرثرة وكان حصاد مساهمتهم في التنمية كحصاد الهشيم ومع ذلك هناك إشراقات وإنجازات في بعض المجالات وبعض العهود لا ينكرها أحد ونأمل أن نفتح ملفات التنمية لأخذ الدروس والعبر استشرافاً لغد أفضل ومستقبل زاهر. وإن عقولاً وسواعد سودانية استطاعت بحسن التدبير والتخطيط والتنفيذ أن تقدم إنجازات وطنية باهرة نأمل أن تكون حافزاً ودافعاً للآخرين ليقدموا الأفعال على الأقوال. ومن تلك الإنجازات أذكر على سبيل المثال قيام امتداد المناقل في وقت قياسي بسواعد سودانية وخبرات وطنية خالصة. لقد كانت المساحة الشاسعة الواسعة التي قام فيها امتداد المناقل أرضاً خلوية تكاد تكون جرداء بعد انتهاء الخريف وقد توجد فيها شجيرات أو أشجار هنا وهناك مع غطاء نباتي أخضر في فصل الخريف وكان قاطنوها يعملون بالزراعة المطرية الموسمية مع تربية المواشي ويذهب الكثيرون منهم لجني القطن في مشروع الجزيرة وحياتهم بسيطة وجلهم كانوا فقراء ويعيش الكثيرون منهم تحت خط الفقر مع قلة الخدمات التعليمية والصحية المتمثلة في بعض المدارس المحلية والخلاوي ونقاط الغيار والشفخانات بنسبة أقل ومع ذلك شهدت المنطقة حالات نادرة كوجود معلم هنا وآخر هناك ممن تخرجوا في مدرسة العرفاء وعملوا معلمين في المدارس الاولية منذ الثلاثينيات أو بعدها وهناك متعلمون من أبناء المنطقة نالوا تعليمهم خارجها. أما بالنسبة للمياه فقد كان المواطنون يعانون ويكابدون في الحصول عليها ويعتمدون على الحفائر التي تختزن المياه في موسم الخريف وكانوا يعتمدون أيضاً على الآبار التي ينشلون منها المياه بالدلاء وبعض الآبار كانت عميقة ولذلك كانوا يرمون الدلاء وتجرها الدواب التي تمشي لمسافات بعيدة حتى ترتفع الدلاء وهى ممتلئة لسطح البئر ويأخذها السقاة لصب المياه في آنيتهم أما الكهرباء فلم يكن لها أي وجود وليس هناك أندية مع قلة المساجد. وقصة الامتداد هي ملحمة إذ نبعت الفكرة في عهد المهندس ميرغني حمزة وزير الري في عهد حكومة عبد الله خليل الائتلافية بين حزبي الأمة والشعب الديمقراطي وشهد ذاك العهد تنفيذ بعض مراحل العمل الذي تم في عهد نوفمبر بقيادة الفريق إبراهيم عبود. وعهدت الجوانب الفنية والهندسية لوزارة الري وكانت تقوم بالحفريات شركة ألمانية مزدوجة مكوَّنة من يوليوس بيرجر وفيليب هولزمان وكانت رئاستها بودمدني وتصرف استحقاقاتها من وزارة المالية بالخرطوم. وأصدر مجلس الوزراء برئاسة الفريق إبراهيم عبود قراراً بتعيين السيد حسن النور سوار الدهب معتمداً لتأسيس المناقل. وقيام امتداد المناقل يُعتبر ملحمة وطنية تضافرت فيها جهود الكثيرين وكان معتمد المناقل يرأس اجتماعات اللجان التي يحضرها رؤساء المصالح الحكومية ذات الاختصاص، وقد ساهم كلٌّ منهم في التنفيذ في الذي يعمل فيه، وأذكر من هؤلاء السيد إبراهيم محمد إبراهيم كبير ضباط الإنشاء والتعمير والمستر جيبنز كبير ضباط الإنشاء والتعمير بمشروع الجزيرة والسيد طه الجاك مساعد كبير ضباط الإنشاء والتعمير والسيد محمد عمر ضابط الخدمات الاجتماعية والسيد سليمان بخيت مساعد ضابط الخدمات الاجتماعية والسيد بشرى الفاضل مساعد ضابط الخدمات الاجتماعية والسيد عثمان أحمد عمر كبير ضباط انتقال السلطات والسيد يوسف محمد عبد الله ضابط انتقال «عفان» السلطات والسيد محمد علي إلياس مساعد ضابط انتقال السلطات والسيد محمود جادين باشمهندس قسم المنشآت بوزارة الري والسيد محمد صابر سليمان باشمفتش قسم المنشآت بوزارة الري والسيد إلياس دفع الله باشمهندس قسم المنشآت بوزارة الري والسيد محمد علي كوباوي باشمهندس المشروعات في وزارة الري والسيد توفيق إدريس محجوب باشمهندس المشروعات بوزارة الري والسيد مزمل عبد الرسول المهندس بوزارة الري والسيد عبد الحي محمود كبير ضباط المساحة والسيد عز الدين حسن مهندس المساحة والدكتور خليل عبد الرحمن رمضان حكيمباشى صحة الجزيرة والدكتور محمد حمزة باشمفتش صحة الجزيرة والدكتور الهادي النقر باشمفتش صحة المديرية المنطقة المروية ودكتور أحمد التجاني مساعد باشمفتش صحة المنطقة المروية والأستاذ أبوبكر عثمان مفتش تعليم مديرية النيل الأزرق والأستاذ دهب عبد الجابر نائب مفتش تعليم مديرية النيل الأزرق والدكتور سعد مهنا الباشمفتش البيطري والسيد كامل منصور باشمفتش الزراعة بالنيل الأزرق والسيد حامد الفيل قمندان بوليس مديرية النيل الأزرق والسيد عبد الرازق عوض الكريم حكمدار بوليس مديرية النيل الأزرق والسيد عبد السلام محمد ضابط مجلس ريفي المناقل والسيد ابراهيم يس ضابط مجلس ريفي شمال النيل الابيض والسيد عثمان عبد الله مساعد معتمد المناقل وسكرتير اللجنة والسيد أحمد عبدالباقي ناظر خط المناقل. ومما يجدر ذكره أن مدير مديرية النيل الازرق وقتئذٍ كان هو السيد عبدالعزيز عمر الأمين وكان محافظ مشروع الجزيرة هو السيد مكي عباس الذي خلفه في موقعه السيد مكاوي سليمان أكرت وكانت الحكومة الاتحادية تولي قيام امتداد المناقل اهتماماً كبيراً ولذلك اختارت معتمد المناقل بمواصفات خاصة ليكون قدر التحدي الكبير. وإن قيام امتداد المناقل أحدث طفرة هائلة منذ أواخر الخمسينيات حتى الآن إذ طبق نظام الخدمات الاجتماعية الذي كان مطبقاً في الجزيرة والمخصصة له «2%» تخصص للتعليم والصحة والأندية والمساجد والمياه والكهرباء ومحو الامية والدعم الاجتماعي والإنساني للحالات الخاصة...الخ وقد جذب امتداد المناقل مواطنين من مناطق مختلفة وينتمون لقبائل وإثنيات شتى وبيئات متباينة وقد عاشوا معاً واندمجوا وحدثت بينهم مصاهرات كثيرة واختلطت بينهم الدماء وتبعاً لذلك حدث تحول ديمغرافي في المنطقة. وكانت المناقل قبل قيام المشروع قرية صغيرة تُعرف بالمنقلة وبعض بيوتها كانت عبارة عن قطاطي ويتوسطها حفير وبئر إرتوازية ثم حدثت فيها نهضة عمرانية وخدمية وصناعية هائلة بعد قيام المشروع وفي مرحلة من المراحل صارت المناقل من أهم المراكز التجارية على مستوى السودان وفي مرحلة من المراحل كانت منطقتها الصناعية تضم عدداً كبيراً من مصانع الزيوت والطحنية والصابون والحلويات والشعيرية وغيرها وشهدت نهضة عمرانية وتنموية «والمؤسف أنها تدهورت تجارياً وصناعياً واقتصادياً وخدمياً في السنوات الأخيرة وأخذت تتقهقر للخلف بدلاً من أن تتقدم للأمام». ونهضت بعد قيام امتداد المناقل قرى عديدة وأصبحت بالمقاييس المحلية بمثابة مدن ريفية بالنسبة لما حولها من قرى صغيرة ازدهرت هي الأخرى وكبرت وينطبق ما ذكرته على العزازي وأربعة وعشرين عبود التي أضحت فيما بعد أربعة وعشرين القرشي وفيها رئاسة الري ورئاسة أحد الأقسام الزراعية وجمعت عدداً من التجار مع وجود حي العمال. ومن القرى الكبيرة التي ازدهرت أيضاً الهدى ومعتوق والبعاشيم والكريمت والماطوري والهشابة وكمِّل نومك الملاصقة لرأس الفيل وسرحان و... إلخ . وبرغم ما حدث من تدهور في المشروع الكبير «الجزيرة وامتداد المناقل» إلا أن الأمل يراود الجميع في إعادة بعثه من جديد ليكون أقوى مما كان ومهما يكن فإن قيام امتداد المناقل قبل حوالى نصف قرن يعتبر إنجازاً وطنياً باهراً.