الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مؤخرًا بين الخرطوموجوبا لتنفيذ مصفوفة البروتكولات الأمنية، دفع عددًا من الأطراف الدولية اللصيقة بمجريات ومنعطفات المفاوضات إلى أعلى مراتب التفاؤل بتطبيع الاتفاق للعلاقات بين البلدين واحتواء الاحتقانات الأمنية على الحدود بينهما وفتح المسار أمام تنفيذ بقية الاتفاقات الثمانية الموقعة بين الطرفين، وفي الوقت الذي أكدت فيه المفوضية الإفريقية التابعة للاتحاد الإفريقي أنها على ثقة تامة بأن حكومتي البلدين ستطبقان ما وقعتاه بصورة ناجزة وصادقة، قال مكتب المتحدِّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في بيان له إن «الأمين العام يرحب بالاتفاق المبرم وينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح على الحدود وإرسال آلية التحقق والمراقبة وتفعيل آليات أمنية أخرى»، وأوضح أنه عقب التوقيع على الاتفاقية «لا يتعيّن وجود شروط تعيق التطبيق الفوري لباقي الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين في سبتمبر الماضي». وأضاف أن الأممالمتحدة مستعدة لتقديم الدعم لتطبيق الاتفاق ومساعدة طرفي النزاع على تطبيق باقي الاتفاقيات المبرمة بينهما. إلا أن وزير الدفاع السوداني رئيس اللجنة السياسية الأمنية عبد الرحيم محمد حسين أشار في تصريحات من مقر المفاوضات بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا إلى أن تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع يتطلب «الإصرار والعزيمة» وهو الأمر الذي افتقده الطرفان عقب الاتفاقات والتفاهمات على الترتيبات الأمنية التي وقعت بينهما في شهري فبراير وسبتمبر من العام الماضي، لضمان تنفيذ ذات البنود الأمنية التي تم الاتفاق عليها عشية الجمعة الماضية، مما يفتح الباب واسعًا أمام العديد من التساؤلات حول التزام الطرفين بالتطبيق الفعلي لتحقيق مرامي وأهداف الاتفاق الذي يضع الأمن في سلم أولوياته بالنظر إلى انهيار جدار الثقة في تعاملات الأطراف المتفقة مع عدد من الملفات الشائكة بينهما ويأتي على رأسها حسم المعارضة المسلحة على الحدود بين البلدين والتي تشكل بدورها «المحك» وكلمة السر التي تختزلها جوبا في تصريحات صحفية تحاول بها التبرير لدعمها المستمر للحركات المسلحة «الجبهة الثورية» التي ولدت من الضلع «الشمالي» للحركة الشعبية لتحرير السودان في ظل اتهامات متكررة تضعها دولة الجنوب على طاولة الحكومة السودانية بإيوائها العسكريين المناوئين لحكم الحركة في جوبا. ومع استمرار الطرفين في وضع النقاط على حروف الاتفاق بغرض الوصول به إلى محطة التنفيذ الذي قطع له العاشر من الشهر الجاري، يظل الرهان قائمًا على حدوث اختراق حقيقي ليس في الاتفاق على البنود الأخرى فحسب وإنما في الالتزام بما سيتم التواضع عليه على أرض الواقع حول مسألة الحدود والمنطقة منزوعة السلاح بحسب ما نصت عليه المصفوفة الأمنية بالانسحاب الفوري لقوات البلدين مسافة (10) كيلو مترات جنوب وشمال خط الصفر المتفق عليه لإنشاء المنطقة العازلة منزوعة السلاح بين البلدين، على أن يتطلب ذلك إجراء خطوات أبرزها سحب قوات البلدين من المنطقة بإصدار أوامر فورية للقوات في البلدين الموجودة بالمنطقة بالانسحاب في الفترة بين (14 21) مارس الجاري، وجرى أيضًا اتفاق الطرفين على تولي قائد البعثة الأممية بأبيي «يونسفا» مراجعة ومراقبة عملية انسحاب الجيشين بعد «33» يوماً من بداية صدور الأوامر الأولية المحددة في «10» مارس، وكان الوسيط الإفريقي في المفاوضات بين دولتين السودان وجنوب السودان، ثامبو أمبيكي، أكد أن الاتفاق حدد السابع عشر من الشهر المقبل موعداً لاجتماع الآلية السياسية والعسكرية دون تحديد منطقة محددة للمفاوضات، وأضاف أمبيكي أن مقترح وفد الحكومة السودانية حدد كادوقلي بجنوب كردفان مكانًا للمفاوضات، وتشير العديد من المصادر إلى التوقيع على جداول زمنية لتنفيذ اتفاق النفط وفتح المعابر الحدودية بين البلدين وفيما تبحث الاجتماعات بين لجان المفاوضات في شقها السياسي الاتفاق على المصفوفة الخاصة بالجداول الأمنية لتنفيذ اتفاقيات التعاون التسع الممهورة بين الدولتين في سبتمبر الماضي والتي توقفت للتعثر في البرتوكول الأمني، تردد أن تواثقاً كبيراً جرى بين الجانبين في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية.. وبالنظر إلى التقدم الذي أحرزه الملف التفاوضي بين الدولتين يبدو أن العامل الخارجي أثر كثيرًا في الوصول إلى تلك التفاهمات التي أنجبت الاتفاق الأخير إلا أن قبوله من الأطراف المتفاوضة يظل مرهونًا بعدم الكشف عن أجندة دولية من شأنها تحويل بنوده إلى الأرشيف التفاوضي الحافل بالاتفاقات المتعثرة، بحكم العلاقة المتحيزة إلى دولة الجنوب في كثير من المواقف على حساب الخرطوم. وبالعودة إلى تصريحات وزير البترول والتعدين بجنوب السودان، ستيفن ديو داو، عقب الاتفاق عن أمله في التزام السودان بتعهداته التي قطعها خلال اجتماعات أديس أبابا بحضور الوسيط الإفريقي، حيث أقرّ بأن استمرار وقف تصدير النفط يؤثر بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية بجنوب السودان، وأنه عطل مشروعات تنموية مهمة، فإن جوبا لن تكون قادرة على دعم تلك المشروعات لجهة اعتماد اقتصادها الأساسي على النفط، ولن تكون الخرطوم بأحسن حال منها لتخطي أزمة الغلاء التي أدت بدورها إلى هزة اقتصادية أثرت بشكل غير مسبوق على الأوضاع المعيشية في البلدين طالما أن النفط بين البلدين لا يزال عند حدودهما.