ظل السفير الأمريكي بالخرطوم في الفترة الأخيرة مواظباً على إطلاق (زخَّات) من التصريحات. زخَّات ذات طبيعة إحتفالية، لا تختلف عن زخَّات الألعاب النارية، فقد أعلن في 4/ فبراير 2013م أن بلاده بصدد (رفع جزئي للعقوبات)، لإتاحة الفرصة للمؤسسات التعليمية للتعامل مباشرة. وبعد زيارته (أم ضوَّاً بان) و(البرهانية)، وقبل زيارته (الكباشي)، زار السفير الأمريكي (أبو حراز) في 10/ فبراير 2013م، حيث أعلن اهتمامه بالطرق الصوفية. وزار ضريحي الشيخ يوسف أبو شرا والشيخ دفع الله المصوبن، وأهدى مكتبتين لمدرستي مرحلة أساس. لكن بعد أحد عشر يوماً فقط من تلك الزيارة، أى في 15/ فبراير2013م، وفي إطار استراتيجية الحرب الشرسة ضد السودان، عرقلت الولاياتالمتحدة ترشيح السودان لرئاسة الجلسة القادمة للمجلس الإقتصادي للأمم المتحدة، والتي كان من المزمع أن تناقش (5) قضايا، من بينها العون الإنساني. لكن برغم حرب واشنطن الدبلوماسية الكثيفة المعلنة التي تحرص على عزل السودان وحصاره وتصويره بصورة المنبوذ دوليّاً، إلا أن السفير الأمريكي بالخرطوم أعلن بصورة لا تخلو من مخادعة، أن نهاية 2013م ستشهد استئناف التعاون في المجال العلمي وتوفير منح دراسية للطلاب السودانيين ورفع الحظر التعليمي. ورد ذلك في محاضرة السفير بقاعة (الشارقة) بجامعة الخرطوم في 19/ فبراير 2013م. المحاضرة التي قدّمها السفير قام بتنظيمها معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، بمناسبة إحياء ذكرى الشهداء السود في أمريكا!. بل في يوم عرقلة الولاياتالمتحدة ترشيح السودان أي 15/ فبراير2013م، في نفس ذلك اليوم أصدرت السفارة الأمريكيةبالخرطوم، في سياق ضغوط واشنطن الديبلوماسية، بياناً أعربت فيه عن (قلق واشنطن العميق) من إجراءات السودان لحماية أرضه في النيل الأزرق ضد احتلال الجيش الشعبي. وفي سياق الإستباحة الأمريكية المنهجية لسيادة السودان وحُرمة استقلاله، دعا المبعوث (ليمان) في 11/ فبراير 2013م إلى إشراك منظمات المجتمع المدني بالسودان في عضوية آليات إنفاذ التعاون المشترك بين السودان وجنوب السودان، التي تمّ توقيعها في سبتمبر 2012م. حيث استند (ليمان) في مبادرته إلى تقرير أصدره معهد السلم الأمريكي في يناير 2013م حول إشراك المرأة في صنع السلام في السودان. ذلك يعني أن واشنطن بعد أن أنجزت مشروع اختراق القوى السياسية السودانية، أصبحت بصدد تنفيذ مشروع (اختراق أمريكي متكامل متزامن لمنظمات المجتمع المدني السوداني). في ذلك السياق تأتي سباحة السفير الأمريكي بالخرطوم في فضاء مدرسة (الصالحة) بأم درمان والمدارس القرآنية وفضاء جامعة الخرطوم وفضاء الطرق الصوفية في (ام ضوّاً بان) و(البرهانية) و(أبوحراز) و(الكباشي). وهناك محطات أخرى على الطريق. فالسودان عبارة عن جمهورية من (المدن الفاضلة) الدّينية. حيث هناك عدد كبير من المدن السودانية التي قامت في تكوينها على أساس القرآن، هناك (كدباس) و(الدامر) و(الأبيض) و(أم مرَّحي) و(ودمدني) و(المكنيَّة) و(الشيخ مصطفى الفادني) و(طابت الشيخ عبد المحمود) و(طيبة الشيخ عبد الباقي) و(أربجي) و(المحميّة) و(أبوحراز) و(المنارة) و(الزريبة) و(سُمْتُه بار) و(العيلفون) و(الشكينيبة) (قوز بدر) و(أم ضواً بان) و(العمارة الشيخ هجو) و(الفكي الأمين) و(أبوقرون) و (ود الفادني) و(همشكوريب) و(ود حسونة) و(أبودليق) (والنِّخيرة) و(كسلا اب جلابية) و(طيبة الشيخ القرشي) و(عِفِينا) و(مسيد الشيخ قريب الله أبا صالح بأم درمان) و(مسيد ود عبد الماجد في أبوروف) و(فريق الشيخ الجعلي في القلعة) و(حيّ السيد إسماعيل ابن إسماعيل الولي)، وغيرها من منازل الأطهار والذاكرين، العابدين والقائمين، الراكعين والساجدين، المنفقين والمستغفرين بالأسحار، قال (كانط) شيئاً يملآن نفسي إعجاباً السماء المزيَّنة بالنجوم والقانون الخلقي في قلبي. كذلك تملأ النفس إعجاباً تلك البقاع المباركة وقد زانت السودان عقداً من اللؤلؤ المنثور، من مدن القرآن وملاذات العرفان ومهابط ملائكة الرحمن. لذلك ما كان ينبغي لها أن يطأها دنس السياسة الباغية المراوِغة، ورجس المؤامرات، ونجس أئمة الكفر. ما كان ينبغى لها، وقد كتب الراحل محمد جلال كشك كتابه الرائع (ودخلت الخيل الأزهر). حيث تناول بالدراسة حملة نابليون واحتلال مصر. في ذلك اليوم (تمخطرت) في (القاهرة) جيوش الصليبيين الجدد، وعربدت خيول (نابليون) في صحن الجامع الأزهر، بطريقة لم تخطر ببال (المعز لدين الله). لكن كما قال أبو البقاء الرّندي... لكلِّ شئٍ إذا ما تمَّ نقصانُ... فلا يقرُّ بطيب العيش إنسانُ... هي الأمورُ... كما شاهدتها دُولٌ... مَن سرَّه زمنٌ ساءته أزمانُ. لقد رأي أبو البقاء بعينيه كيف يتم تداول الأيّام بين الناس، فتضمّنت مشاهدات أبي البقاء (الأندلسي) التفاصيل المأساوية لذلك التَّداول. قال الشاعر محمد علي أحمد في (هل أنت معي)... عربدت بيَ هاجسات الشوق إذ طال النَّوى. وعربدت خيول (نابليون) في صحن الجامع الأزهر مفخرة العالم والنضال. وقد صعد الرئيس جمال عبد الناصر (37 عاماً) على منبر الأزهر يعبِّئ الجماهير لمقاومة العدوان الثلاثي... فانفجرت براكين (الله أكبر)... فوق كيد المعتدي. عربدت خيول نابليون... مثلما عربد (شارون) في بيروت... مثلما عربد (بوش) في بغداد. دخل (نابليون)... قاهرة المعز... على قرع الطبول وأصوات النفير... وخرج السُّكَّان يتفرَّسونه يتبتخر في طرقات المدينة على صهوة جواده... وكان قد أُعِدّ له قصر (الألفي بك) الباذج لإقامته. كان (قصر الألفي بك) يتوسّط القاهرة، ويطلّ على ميدان الأزبكيَّة (فيما بعد شيِّد فندق شيبارد في نفس المكان)... دخل نابليون (قصر الألفي)... كما دخل قبله (قصر مراد)... دخل نابليون في هدوء الظافر ونشوة المنتصر... يتفقَّده حجرةً حجرة... وظهر (الشيخ) نابليون في صباح الغد... يرتدي الزَّي المصري وعلي رأسه عمامة بيضاء ضخمة... وألقى خطاباً (أفيونيَّاً) يتهرطق عن المساواة والإخاء ... وأن المسيحية وعيد والإسلام وعد!. وجلس نابليون على الأرض يأكل بيده مع المشايخ ويزعم احترام القرآن... لن ينسى التاريخ (إسلام نابليون) الذي كان يتقرَّب به (شيخ نابليون) إلى شعب مصر!. قال عبدالرحمن الجبرتي (كانت أشأم ليلة في تاريخ القاهرة). زيارات السفير الأمريكي بالخرطوم (جوزيف ستانفورد) إلى (الصالحة) بأمدرمان و(أم ضوَّاً بان) و (البرهانية) و(أبوحراز) و(الكبَّاشي)، طبعة جديدة منقَّحة من (إسلام نابليون)!.