يتزايد الاهتمام الروسي بالعالم العربي ولذلك عدة مسبِّبات، أولها قرب روسيا من المنطقة العربية والتواصل بين المنطقتين منذ قديم الزمان حيث ازدهرت التجارة بين المنطقتين!!. ومن أهم ما يربط بين روسيا والعالم العربي هي الرابطة الروحية، فإن جاء ذكر المسيحية فإن الكنيسة الروسية هي ذاتها الارثوذوكسية الشرقية، أما إذا ذُكر الإسلام فإن عدد المسلمين الروس و«أقصد المواطنين الذين يحملون الجنسية الروسية» يفوق عدد المسلمين في كل أوروبا وأمريكا، ففي داخل روسيا ست جمهوريات سكانها مسلمون!!. والمسلمون في روسيا سكان أصليون ليسوا وافدين كما هو الحال في أوربا وأمريكا، وهذه الحقيقة تصب في صالح العلاقات بين روسيا والعالم العربي وتقوِّيها إذا تم استغلالها من الطرفين. المستشرقون الروس هم الأكثر دراية بالشؤون العربية والإسلامية ودائماً ما يعكسون في دراساتهم الحقائق العلمية والتاريخية عن المنطقة العربية والإسلامية ولا يعمدون في دراساتهم إلى عكس تفوق حضارتهم على تلك التي يدرسون، إنما تعتمد دراساتهم على طرح الحضارة العربية الإسلامية على حقيقتها، الأمر الذي يجعل من دراستها أمراً ميسوراً!! أما الغالبية العظمى من المستشرقين في الغرب فتنظر إلى العالم العربي والإسلامي بنظرة فوقية، ولا يدرسون الحضارة الشرقية إلا من خلال النظرة الغربية للحضارة، إضافة إلى ذلك يسيطر عليهم مفهوم أن حضارتهم هي الرائدة، لذا حملت دراساتهم الكثير من التشوهات!! كما ذكرت فإن روسيا عرفت الشرق العربي منذ قديم الزمان عن طريق التجارة والتواصل الاجتماعي، بعكس أوربا الغربية التي ما عرفت الشرق العربي إلا عن طريق الحروب منذ قديم الزمان منذ عهد الاسكندر الأكبر ومرورًا بالحروب الصليبية وانتهاءً بدحر الاستعمار الحديث! وهذا عكس النظرة الاستشراقية في كل من روسيا وأوربا، فالاستشراق الروسي اعتمد على تواصل روحي واقتصادي واجتماعي، بينما اعتمد الاستشراق الغربي على تاريخ استعماري استغل طاقات المنطقة ومواردها اعتماداً على القوة والهيمنة العسكرية منذ قديم الزمان!!كتابان صدرا في روسيا الأول بعنوان «الشرق الأوسط واليقظةة العربية وروسيا: ماذا بعد؟!» والثاني «الطائفية المارونية.. التقاليد والتاريخ والسياسة». ولمناقشة هذين الكتابين تم لقاء ضم عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية والدبلوماسية الروسية والعربية، كان من بينها وزير الخارجية الروسية الأسبق إيقور ايفانوف وميخائيل بقدانوف نائب وزير الخارجية الحالي وڤيتالي ناؤمكن مدير معهد الاستشراق وكان ذلك في الثاني عاشر من مارس الحالي!!. ظاهرة الربيع العربي كانت مركز الاهتمام وقد وُصفت بأنها جزء من عملية تاريخية ذات ابعاد داخلية وخارجية للتحولات في المجتمع العربي، لكن وللأسف فإن تداعياتها مؤلمة بالنسبة للشعوب العربية، وقد أعرب أحد المشاركين عن قناعته بأن شعوب المنطقة قد تشهد «فتنة كبرى» أخرى وأكد وزير الخارجية الأسبق ايڤانوف أن روسيا واجهت دوماً عراقيل ودسائس تستهدف إبعادها عن المنطقة، لكن سياسة روسيا الخارجية تتوجه دوماً نحو التقارب مع بلدان العالم العربي!! كتاب «الشرق الأوسط واليقظة العربية وروسيا: ماذا بعد؟ يعد من أهم الكتب التي صدرت باللغة الروسية التي تناولت موضوع روسيا والعالم العربي!! الدكتور ناؤمكن في مقدمة الكتاب وعنوانه. «بدلاً من المقدمة» دوامة اليقظة العربية» يقول إن مغزى الكتاب هو استكناه مغزى الأحداث التي بدأت بصورة مفاجئة وتتواصل حتى الآن باسم الربيع العربي، علمًا بأن الباحثين يطرحون وجهات نظر متباينة مصدرها الأحداث الثورية في بلدان العالم العربي وعلاقاتها مع روسيا، فبعد أن اجتازت الشعوب مرحلة حركات التحرر واجهت لاحقاً حركات ثورية هدفها تعزيز العامل القومي في الستينيات والسبعينيات أما في في الثمانينيات فكانت انتفاضات الجياع لتحسين الأوضاع المعيشية كما جرى في الأردن ومصر والجزائر، واليوم بدأت حركات ثورية تستخدم فيها وسائل جديدة تستخدم فيها تقنيات التواصل والمساجد تطالب بتغيير الأنظمة وتكريس الحريات وظهر بدور بارز دور الشارع في تغيير الانظمة، وهذه الحركات موجهة بصفة رئيسية ضد الحكام المستبدين وليس ضد الامبريالية!! والسياسي المخضرم بريماكوف في مقال «نهج روسيا في الشرق الأوسط: المراحل التاريخية» يقول: إن الشرق الأوسط كان وسيبقى تاريخياً ضمن مصالح روسيا الخاصة. فالمنطقة تاريخياً كانت بمثابة الخاصرة لروسيا، ولهذا لا معنى لاستغراب بعض السياسيين الأمريكيين وكذلك الروس من الموقف الروسي النشط في الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، فاهتمام روسيا بالشرق الأوسط تماماً كاهتمام الولاياتالمتحدة بأمريكا اللاتينية!! ويتابع بريماكوف قائلاً، إن دوافع سياسة روسيا تتغير مع التغيرات الجارية في المنطقة والتحولات الداخلية في روسيا ذاتها، ويشير إلى دعم الاتحاد السوڤيتي للحركات التحررية وقيام إسرائيل والدعم الذي قُدِّم في الحروب العربية الإسرائيلية!!. واستعرض بريمكاوف دعم أمريكا للإسلاميين فيما يُعرف بالقاعدة التي انقلبت عليهم، وقال إننا ندعم حركات التحرر، وقد أختلف معه في هذا الرأي فدعم أمريكا للتنظيمات الإسلامية كان أساساً لمحاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وقد كان هذا الدعم موجهًا ضد الاتحاد السوڤيتي وليس لتقوية المنظمات الإسلامية، وكانت أمريكا ستضرب هذه المنظمات حال تفوقها في أفغانستان على الاتحاد السوڤيتي، ولما لم تجد أمريكا السبب المقنع لضربها، تم إخراج مسرحية مركز التجارة، فأمريكا تدرك جيداً أن الخطر عليها بعد زوال الاتحاد السوڤيتي هو الإسلام!!. وركز بريماكوف على ضرورة التجاوب مع متطلبات الشعوب في التحرير السياسي وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالوضع في الشرق الأوسط يتطلب أكثر من أي وقت مضى توحيد جهود كل البلدان المعنية في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ولا بد أن يكون ذلك عاملاً هاماً يحدِّد سياسة روسيا الشرق أوسطية في المرحلة الراهنة!!