الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    البرهان : " لايمكن أن نرهن سيادتنا لأي دولة مهما كانت علاقتنا معها "    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسؤولية الجنائية للطبيب (2)..لواء حقوقي ميرغني عبد الله البيلي
نشر في الانتباهة يوم 22 - 03 - 2013

وقد وضعت الجامعة شروطًا لممارسة الطب. وعرف هذا العصر مسؤولية الأطباء والجراحين وقد اشترط القانون لممارسة مهنة الطب أن يدرس الطلبة الذين يحصلون على شهادة طبية أربعة مناهج لمدة سبع سنوات وأن يختاروا الامتحان الذي تضعه الكلية. وصدور قرار بمعاقبة من يزاول المهنة بغير الحصول على درجة دكتور أو ترخيص من السلطات.
وفي عام «1556م» قرر هنري الثاني مسؤولية الطبيب عن الخطأ ولم يطبقه القضاء وفي عام «1699م» صدرت لائحة قصرت مزاولة مهنة الجراحة على أعضاء جمعية الجراحين. كما صدرت لوائح أخرى تحرم الجراحات في الأقاليم دون ترخيص. وفي بداية القرن التاسع عشر صدر قانون قتنوز وكان أول قانون ينظم مهنة الطب والجراحة ونص على الأحكام العامة بصدد الممارسة غير المشروعة للمهن الطبية وخاصة للأطباء الذين يمارسون مهنة الطب بالأجر. أما بالنسبة للمسؤولية الأطباء فلم تكن نصوص خاصة لهم وكانت تطبق عليهم نصوص خاصة بهم وكانت تطبق نصوص القانون العام مثلما كان الأمر في القانون الروماني وذهب دوما إلى أن مسؤولية الطبيب هو عدم الاحتياط أو الخفة أو الجهل فيجب على الطبيب تعويض ما سببه بخطئه أو جهله إلا أن بربيون اشترط لمسؤولية الطبيب أن يكون الضرر الواقع منه نتيجة لسوء نية أو تدليسه فالغش أو التدليس من وجهة نظره شرط رفع الدعوى للمسؤولية ضد الطبيب أما الاهمال فلا يكفي في رأيه إلى رفع الدعوى كما ذهب فريق من الفقهاء إلى اشتراط وقوع خطأ جسيم من الطبيب لكي يسأل عن خطئه. وقضت غالبية المحاكم الفرنسية بمسؤولية الجراح عن خطئه نتيجة جهله بقواعد وأصول المهنة.
ومن هذه الأحكام حكم برلمان بردو في «1569م» حيث قضى على ورثة جراح متوفي بأن يدفعوا من تركت مورثهم تعويضاً مقداره «450» جنيهاً لأن مورثهم تسبب في فتح الشريان تركه لمريض أثناء عملية جرح الدم. وخلافاً لما جرى عليه القضاء في هذه الحقبة نجد حكماً لبرلمان باريس يقرر أن الجراحين لا يكونوا ضامنين ولا مسؤولين عن علاجاتهم ما دام لم يثبت من عملهم ما يدل على جهلهم أو رعونتهم إلا إذا كان هنالك تدليس أو غش من ناحيتهم.
من الملاحظ أن العلوم الطبية كانت دائماً تسبق العلوم القانونية مما ترتب عليه قدر من الصراع بين القيم والمبادئ التي يعتنقها المجتمع وكان من أثر تقدم العلوم الطبية زيادة المخاطرة واقتراب هذه الأجهزة من جسد الإنسان للتشخيص مما قضى بضرورة وجوب تغيير وتطوير التشريعات حماية للإنسان من الآثار الضارة للتقدم الطبي وتشجيعاً للأطباء على الإبتكار والتقدم. فصدر قانون ين ينظم مهنة الطب في فرنسا في مارس «1803م» وهو المعروف باسم قانون «19» فنتوز ونص على أحكام هامة بعدد الممارسة غير المشروعة للطب وجمع بين الطب والجراحة كما صدر أول قانون ينظم الصيدلة قانون جمينال «1803م» كما خلق قانون نتوز وظائف معاوني الصحة والمولدات (الدايات) إلى جانب الأطباء.
أما عن المسؤولية الجنائية للأطباء نجد من أشهر قضايا مسؤولية الأطباء في تاريخ فرنسا الذي قررت المسؤولية المدنية والجنائية للأطباء قضية nory وإن كانت الهيئة الطبية قد عملت على طلب حصانات للأطباء في ممارستهم لمهنتهم بقصد اغفائهم من المسؤولية. وبالإضافة لذلك فقد عرف التشريع الفرنسي المسؤولية الإدارية والأخلاقية التي قررها قانون أخلاقيات الطب في فرنسا «1945م» ونظم هذا القانون التزامات وواجبات هذا الطبيب نحو المهنة وزملائه وتضمن التزامات وواجبات الطبيب نحو مريضه والتزامه بمساعدته في الحالات الخطرة وإعلام المريض بمرضه والحصول على رضا المريض والمحافظة على سر المهنة وأسرار المرض. كما نظم شروط ممارسة المهنة ومسؤولية الطبيب عن اعمال المهنة فجاء هذا القانون مؤكداً لما جاء به قسم ابقراط منذ أكثر من «2000» سنة قبل الميلاد من مبادئ تأكيداً لإحترام الإنسان والمحافظة على حياته كما نظمتها القواعد العامة وأكدتها مبادئ حقوق الإنسان.
أما عن المسؤولية الجنائية في القانون المصري الحديث:
لم ترد نصوص خاصة تنص على مسؤولية الطبيب سواء الجنائية أو المدنية ولكن جاءت النصوص عامة تنطبق على الأطباء وغيرهم فنص في المادة «161» من قانون المنتجات على أنه إذا كان أحد يقتل شخصاً أو يتسبب في قتله بغير قصد منه دائماً كان ذلك ناشئاً عن غشومية الفاعل أو من قلة احتياطه أو من عدم دقته ورعايته للقوانين فإنه يحكم عليه بإعطاء الدية أما إذا لم يحصل القتل وبقيت آثار أو جروح فيجازى عن التسبب في ذلك إما بحبسه لمدة «8» أيام إلى ثلاثة أشهر أو بضربه خمسين كرباجاً إلى ثلاثمائة. وخلص الدكتور أسامة عبد الله قائد إلى أن النصوص الخاصة بجرائم القتل والجرح الخطأ تطبق على الأطباء مثلما كانت تطبق على غيرهم فيسألون عما يرتكبونه من الجرائم أثناء مزاولة مهنتهم كما يسألون عن أخطائهم التي تقع بسبب إهمالهم وعدم احتياطهم أو عدم مراعاة القوانين واللوائح. أما من ناحية المسؤولية التأديبية فقد جمعت لائحة آداب وميثاق شرف مهنة الطب البشري ومشروع لائحة سلوكيات الطبيب. الجزاءات في حالة الخروج على أحكام هذه اللائحة. ولقد جمع قسم الأطباء المستمد من قسم ابقراط هذه الالتزامات الأخلاقية، كما أوجبت نقابة الأطباء ضرورة قسمة قبل مزاولة المهنة وجاء نصه على النحو التالي:
(أقسم بالله العظيم أن أودي عملي كطبيب بصدق وأمانة وإخلاص وأن أحافظ على سر المهنة واحترام قوانينها، وأن تظل علاقتي بمرضاي وزملائي الأطباء وبالمجتمع وفقاً لما نصت عليه لائحة آداب وميثاق شرف المهنة والله على ما أقول شهيد). وخلاصة لما تقدم وكما أورد الدكتور أسامة عبد الله قايد فإن في مؤلفة المسؤولية الجنائية للأطباء نجد أن المسؤولية الطبية قد وجدت منذ وجد الطب وتقررت في جميع المراحل التي مر بها الطب سواء في العصر الذي كان فيه الطب جزءا من الدين أو في العهد الذي كان الطب فيه سحراً وشعوذة وكان العلاج مقصوراً على التعاويذ أو حين كان رجال الكنيسة يمارسون تطبيب المرضى بالدعوات الصالحات في كل هذه المراحل التي مرت بها صناعة الطب كأن من يتعاطاها في أي شكل أو صورة وبأي طريقة يتحمل مسؤولية عمله فيها. فوجدنا في شريعة حمورابي نصوصاً على عقاب الطبيب إذا تسبب في قتل رجل أو إيذائه وفي ما نقل عن ديودور الصقلي من أن المصريين القدماء عرفوا الطب ودونوا قواعده في كتاب أسموه (الكتاب المقدس) ولم تكن على الطبيب مسؤولية إذا التزم هذه القواعد حتى ولو مات المريض أما إذا خالف هذه القواعد فإن جزاؤه يكون الموت مهما كانت النتيجة.
وفي روما عرفوا مسؤولية الأطباء ونص قانون اكويليا على عقاب الطبيب الذي يتسبب في موت المريض نتيجة خطأ في العلاج أو العمل الجراحي بالإعدام أو النفي.
كما عرف القانون الفرنسي القديم مسؤولية الأطباء من حيث المبدأ وإن كانت قصرت على المسؤولية التقصيرية فعلى الرغم من آراء المشرعين القدامى فإن المسؤولية التي تعرض لها الأطباء في معظم الأحوال قد انتهت إلى أن تكون مسؤولية مدنية.
كما قرر القانون المصري القديم مسؤولية الأطباء سواء عن الممارسة غير المشروعة لمهنتهم أو مسؤوليتهم عن أخطائهم.
هذا العرض التاريخي من شأنه أن يعطينا فكرة صحيحة عن تقدير الجماعات البشرية منذ نشأتها الأولى لمسؤولية الأطباء فمن الخطأ إذا أن نتصور أن مسؤولية الأطباء ثمرة من ثمار التفكير الحديث أو أنها أثر من آثار التشريع الحديث.
كما أن من الخطأ أيضاً أن يتجه رأي الأطباء إلى طلب الحصانة لأنفسهم من كل مسؤولية جنائية أو مدنية في أدائهم لمهنتهم فهذه الحصانة فضلاً عن منافاتها للقواعد العامة في القانون فهي تتعارض مع الحقائق التاريخية الثابتة ومع العرف الراسخ والتقال المستقرة.
حقاً إن الطبيب يجب أن يتمتع بقدر من الإطمئنان والاستقلال في وظيفته وفي حاجة إلى أن تتوافر فيه الثقة التامة بسبب ما يغلب على علم الطب من الظن والتغلغل وعدم الاستقرار ولكن إلى جانب ذلك يجب ألا نغفل أن مغتضيات الحياة العصرية والتقدم الصناعي وما صاحبه من المخترعات الحديثة واقترانها بأشد الأخطار إذا أهمل استخدامها كل هذا خلق وجوهاً للمسؤولية لم تكن معروفة من قبل في الأذمنة القديمة. وإن كثيراً من الحوادث التي كان أجدادنا يذعنون لها بحكم القضاء والقدر ولا يرون فيها أثر لخطأ أو مثار للمسؤولية قد أصبحت الآن من الأمور التي تقررت فيها المسؤولية بصفة مؤكدة وتغيرت نظرة المجتمع للطبيب فقد اختفت الشخصية القديمة للطبيب التي كانوا يعبرون عنها باللاتينية meducafamiliri (طبيب العائلة) والتي كان يقوم صاحبها في نفس الوقت بدور الأب الروحي والصديق والمرشد الأمين وأصبح الجمهور ينظر إلى الطبيب باعتباره رجلاً محترفاً لصناعة معينة يدفع له أجره وينتظر منه مقابل هذا الأجر خدمة صحيحة مثل أي مهنة أخرى.
كما ترتب على تقدم الطب وظهور التخصصات المختلفة أن تحددت العلاقة بين الأطباء ومرضاهم عن طريق اختصاص كل طبيب بمرض معين فإذا كانت هذه العوامل المختلفة خلقت وما زالت تخلق وجوهاً متعددة من المسؤوليات.
(المدنية والجنائية والأخلاقية). وإذا كان الناس قد اعتادوا أن يبحثوا في كل حادث عن المسؤولية فيه. فمن الطبيعي والأجدر أن يتجه تفكيرهم إذا مات المريض إلى الطبيب المعالج أو الجراح يبحثون عما إذا كان هو المتسبب في هذه النتيجة أو لا.
وإن كنا قد لاحظنا زيادة عدد القضايا التي ترفع على الأطباء في قرننا إلا أنه مع ذلك قد استطاعت المحاكم دائماً أن توفق بين مصلحة المرضى ومقتضيات العلم الطبي فلم نلاحظ في أحكام القضاء ما يوحي بتعنته مع طبيب حريص كما أنه لم يقصر في ردع كل مخطئ أو سيء النية وهو بذلك يخدم صناعة الطب ويحفظ لها مستواها ويحافظ على حياة الإنسان ويحميها.
ولقد أصدرت محكمة النقض الفرنسية «1835» حكمها الخالد الذي قرر لأول مرة قواعد ثابتة للمسؤولية الطبية ما برحت حتى الآن دستوراً مقرراً أمام المحاكم الفرنسية وقد صدر هذا الحكم بعد سماع النائب العام العالم (دوبان) الذي لا يخلو كتاب من كتب الفقه حتى الآن من الإشارة إليه لما تضمنه من مبادئ قيمة في تقرير مسؤولية الأطباء.
ومما تقدم نخلص إلى أن القانون قد عرف أنواع مسؤولية الأطباء الجنائية والمدنية والتأديبية وسنتناول في هذا البحث كما أسلفنا المسؤولية الجنائية لنسلط عليها الضوء ومعرفة موقف التشريعات الحديثة والتشريعة الإسلامية وموقف المشروع السوداني منها لنخلص بتوصيات نحسب أنها تسهم في المعالجة القانونية التي تحفظ الحق القانوني لكل الأطراف.
مفهوم العمل الطبي في العصر الحديث:
مما لا شك أن مفهوم العمل الطبي قد اتسع نطاقه فقد كان في السابق يشمل التشخيص والعلاج ولكنه الآن يشمل التشخيص والعلاج وإجراء العمليات الجراحية ووصف الأدوية وإعطاء الاستشارات الطبية والعقاقير وما زال هناك لبس وغموض يكتنف وسائل العمل الطبي نتيجة لتقدم العلم والاكتشافات المتجددة في عالم الطب وهو أمر يقع تحت مسؤولية القائمين على وزارة الصحة من أطباء أو نقابة أطباء أو مجلس طبي.. إلخ كما ظهر عنصر جديد وهو الوقاية التي تعدت العلاقة المباشرة بين المريض وطبيبه فقد كشف العلم الحديث عن وسائل علمية وطبية يمكن عن طريقها تفادي الأمراض مثل التطعيم ضد بعض الأمراض كما ظهرت فكرة الفن الصحي المتمثلة في طلب المريض من الطبيب أن ينظم له حياته وحالته الصحية والنفسية بوصف الهرمونات والفيتمينات اللازمة والغذاء المناسب لحالته الصحية أو استقبال أحد أجزاء الجسم لنقلها إلى شخص آخر مريض أو بنقل الدم من شخص إلى آخر لهذا فإن العمل الطبي يعد موضوعه وجوهره شفاء المريض بحسب يتصل رويداً بسيطرة العمل على جسم الإنسان.
مما تقدم يمكننا أن نخلص إلى مراحل العمل الطبي ونقسمها إلى مرحلة الفحص والتشخيص والعلاج وتحرير التذكرة الطبية (الروشتة) والرقابة العلاجية وأخيراً الوقاية.
ما هو المقصود بالعمل الطبي:
جاء في تعريف العمل الطبي في رأي أستاذنا الدكتور محمود نجيب حسني هو (ذلك النشاط الذي يتفق في كيفيته وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطب ويتفق في ذاته أي وفق المجرى العادي للأمور إلى شفاء المريض والأصل في العمل الطبي أن يكون علاجاً أي يستهدف التخلص من المرض أو تخفيف حدته أو مجرد تخفيف آلامه ولكن بعد كل ذلك من قبيل الأعمال الطبية ما يستهدف الكشف عن أسباب سوء الصحة أو مجرد الوقاية من المرض).
أما الدكتور أسامة عبد الله فقد خلص إلى تعريف جامع مانع يخلص فيه إلى أن (العمل الطبي هو كل نشاط يرد على جسم الإنسان أو نفقه ويتفق في طبيعته وكيفيته مع الأصول العالمية والقواعد المتعارف عليها نظرياً وعملياً في علم الطب ويقوم به طبيب مصرح له قانوناً به، بقصد الكشف عن المرض وتشخيصه وعلاجه لتحقيق الشفاء أو تخفيف آلام المرض أو الحد منها أو منع المرض أو بهدف إلى المحافظة على صحة الأفراد وتحقيق مصلحة اجتماعية شريطة توافر من يجري عليه هذا العمل.
وقد اشتمل هذا التعريف على العناصر الأساسية الآتية:
1/ حدد هذا التعريف طبيعة النشاط بأن يكون متفق مع الأصول العلمية في الطب والقواعد العلمية المتعارف عليها نظرياً وعملياً بين الأطباء.
2/ حدد صفة من يقوم بهذا العمل فاشترط الطبيب من يحمل إجازة الطب.
3/ لم يقتصر على نشاط تحقيق الشفاء أو تخفيف آلام المرض بل تجاوز ذلك هل إلى كل عمل يهدف إلى المحافظة على صحة الفرد أو حياته أو تحقيق مصلحة اجتماعية يقرها المجتمع من قبيل الأعمال الطبية.
4/ أوضح هذا التعريف ضرورة رضاء من يجري هذا العمل بمعنى أن يتوافق الرضاء الصريح والحر للمريض.
مراحل العمل الطبي:
لقد كان للتطور العلمي والاجتماعي أثر كبير على العمل الطبي فقد اتسع نطاق العمل الطبي فشمل البحث الطبي والتشخيص العلاج كما ظهر إلى جانب ذلك عنصر جديد فهو الوقاية التي تعددت العلاقة المباشرة بين المريض وطبيبه والحيلولة دون الإصابة بالمرض.
الفحص الطبي:
هو بداية العمل الطبي الذي يقوم به الطبيب بفحص الحالة الصحية للمريض بفحصه ظاهرياً لملاحظة العلامات والدلائل الاكلنيكية كمظهر المريض وجسمه وقد يستعين الطبيب في الفحص ببعض الأجهزة البسيطة مثل السماعة وجهاز قياس الضغط وقد يلجأ الطبيب لاستخدام يده أو أذنه أو عينه في إجراء الفحص والغاية من هذا الفحص هو التحقق من وجود دلائل أو ظواهر معينة تساعده في وضع التشخيص للمرض.
أما المرحلة الثانية في الفحص فهي المرحلة التكميلية وهي التي يقوم فيها الطبيب بإجراء فحوص أكثر دقة لبيان حالة المريض بالتحديد كالتحاليل الطبية والأشعة ورسم القلب أو استخدام المناظير أو الموجات فوق الصوتية والتي تساعده في الوصول للتشخيص السليم.
ولما كان التشخيص هو البحث والتحقق من نوع المرض الذي يعاني منه المريض ويقوم بتشخيصه الطبيب سواء ممارساً عاماً أو متخصص ويتطلب لإجراء التشخيص أن يتوفر لدى الطبيب شرطان هما المعرفة العلمية للطبيب والبحث لتحديد المرض.
وقد ورد في شرط الأبحاث والأعمال التي يقوم بها الطبيب في هذه المرحلة بالإضافة للملاحظة التشخيصية واستخدام الأجهزة العلمية في التشخيص إجراء التشاور الطبي بشأن التحديد الدقيق. وقد أكد القضاء الفرنسي في أحكامه على وجوب ضرورة إجراء الطبيب للتشاور مع زملاءه والأخصائيين في الحالات المستعصية وخاصة إذا كان يقوم بالعلاج ممارساً عاماً. ولقد اثرة الاكتشافات العلمية الحديثة في العلاقة بين الطبيب والمريض وقد يكون من الصعب التنبؤ بما تصل إليه هذه العلاقة مع التطور الهائل والسريع للوسائل التشخيصية لذلك اقترح الدكتور العالم/ أسامة عبد الله قايد وضع ضوابط لعلاج هذه المشكلة ومساعدة الطبيب للوصول للتشخيص السليم وتتمثل هذه الضوابط في:
1/ وضع قائمة بأنواع الأمراض المختلفة والمحتملة.
2/ توضيح الفوارق الدقيقة بين الأمراض المتشابهة.
3/ وضع قائمة بالتشخيصات الممكنة لكل مرض.
4/ حرية الاختيار بين التشخيصات المختلفة لتحديد نوع المرض وفقاً للأصول العلمية.
وسنتناول في المرة القادمة أساس شروط مشروعية العمل الطبي في أحكام الشريعة الإسلامية لنخلص إلى مدى المسؤولية الجنائية التي تقع على الطبيب من جراء ممارسة هذا العمل ومن ثم ننتقل لمناقشة المسؤولية الجنائية للطبيب في ظل العصر الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.