انفضَّ مساء الثلاثاء أول من أمس، في يوم انعقاد واحد، سامر القمَّة العربيَّة بالدوحة، واختتمت أعمالها التي كان مقررًا لها الامتداد ليومين، لكن القادة العرب أنجزوا ما بين أيديهم وقرروا الإسراع في إنهاء القمَّة واختتامها في يوم افتتاحها، وصدر إعلان الدوحة كبيان ختامي من بضع وخمسين نقطة وقراراً، في ساعة متأخرة من ليل يوم القمة الطويل الثلاثاء «26» مارس «2013»، تفرَّق القادة العرب وقد وضعوا أمتهم كلها عند واقع جديد وتوقُّعات غير معلومة النتائج والعواقب.. وأمل ربما في الإصلاح الشامل وإنقاذ ما يمكن إنقاذُه وإصلاح ما يمكن إصلاحُه... وكانت قضايا السودان حاضرة بقدر ضئيل نوعًا ما في بيان القمَّة الختامي، فقد رحَّبت القمَّة فقط بالاتفاق مع دولة جنوب السودان ودعت الصناديق العربيَّة والدول للمشاركة في مؤتمر المانحين حول دارفور في الأسبوع الأول من أبريل المقبل.. وكان خطاب الرئيس البشير شاملاً ومعبِّراً عن مواقف السودان وشارحاً لأوضاعه بدقَّة.. انطلقت أول قمة عربيَّة عام «1946» دعا إليها ملك مصر فاروق الأول، وعقدت في قصر أنشاص بالإسكندريَّة، ومرَّت بالأمة العربية منذ ذلك التاريخ حتى اليوم الكثير من الأحداث والتطورات ضاعت فيها فلسطين في النكبة 1948 ثم النكسة في 1967م والكثير من الوقائع المدمِّرة والمؤلمة، تكلَّست فيها الجامعة العربية وسُلب دورها، وجسَّدت القمم العربية ما بعد السنوات السبعين من القرن الماضي، كل طبائع وشهوات الخلاف العربي العربي والمحاور والمفترقات والتحيُّزات السياسيَّة والأيدولوجيَّة وتعارُض المصالح بين الدول العربيَّة.. مع توالي القمم العربية حتى قمة الدوحة مارس 2013 لم يتغير شيء في القمم سوى الشكل والتجهيزات والتحضيرات ومكان الانعقاد.. بعد الربيع العربي الذي اقتلع أنظمة عربية عريقة وقوية ومؤثرة في القرار العربي، وتقدم الشعوب العربية بتطلعاتها ورغبتها في الإصلاح والتنمية والحرية والانعتاق من ربقة القهر وتسلط الأنظمة والعودة للمساهمة في صناعة التاريخ كما كانت الأمة من قبل في حقب ودورات تاريخية سابقة... وجد النظام الرسمي العربي نفسه في مواجهة حقائق موضوعية لا بد من الالتفات لها ومعالجتها والتعاطي مع وجودها كمعطى لا يمكن تجاوزُه أو نسيانُه.. ألفت الدول العربية نفسها غارقة في ملفات صعبة وساخنة تشكِّل التحدي الأساسي أمامها، فالقضية الفلسطينية كقضية محورية لم تتقدم في أي اتجاه من اتجاهات أي حلول وُضعت لها، وواصل العدو الإسرائيلي نهجه وصلفه في محاولة تصفية وتقتيل وتدمير الشعب الفلسطيني وسفك دمه وتجييره وسلبه كل حقوقه المشروعة.. وحتى حل الدولتين الذي وافقت عليه الأممالمتحدة والقوى الكبرى في العالم والعالم العربي نفسه رغم مراراته، لم يتقدَّم قيد أنملة، فكل شيء في القضية الفلسطينية لم يتحقق ووقفت كثير من الدول العربية تتفرج على ذبح وقتل الشعب الفلسطيني، وتهويد القدس الشريف والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية وحصار قطاع غزة والتضييق على الضفة الغربية ومأساة الأسرى الفلسطيين وأصحاب الأمعاء الخاوية من المُضربين عن الطعام في السجون الإسرائيليَّة.. ووجدت الجامعة العربية نفسها في حالة من الترهُّل والعجز وضمور العظام والأطراف، بما لا يمكِّنها من أداء دورها، فاختارت الدرب الصحيح بالعمل من أجل ترقية وتطوير وتقوية آلياتها وأجهزتها ومؤسساتها ومواكبة التطورات التي حدثت في غيرها من المنظَّمات الدولية.. وفي الملف السوري وجد العالم العربي نفسَه أمام محنة جديدة فالشعب السوري يتعرض لأبشع أنواع القتل والتدمير على يد النظام السوري الذي لم يتورَّع في استخدام كل الأسلحة حتى المحرَّمة دولياً ضد المدنيين والثوار وتدمَّرت سوريا في بنيتها التحتية وعمرانها من بعد أن تمزَّق الاستقرار والسلام.. ولم تعُد الأزمة السورية تحتمل الصمت الدولي والعربي، خاصةً أن اللعبة الدولية اقتضت أن يُترك هذا الشعب يواجه السلاح المدمِّر ودُويّ المدافع.. ما فعلته قمَّة الدوحة وهو أمرٌ يُحمد لها ومن أكبر إنجازاتها أنها أذلَّت النظام السوري الذي فقد شرعيَّته السياسيَّة وسلبته مقعده في منبر الجامعة العربيَّة وجرَّدته من أي مسوِّغ لبقائه في البيت العربي ولسخته من لحمته القومية، وانتصرت هذه القمة لشعب سوريا وجلس ممثله أحمد معاذ الخطيب في مقعد بلاده الذي ذهب للشعب.. وستكون لهذه الخطوة ما بعدها..