في أيام شبيهة بالتي تمر علينا اليوم من العام الماضي، فشلت وساطات عديدة في إثناء والي جنوب دارفور السابق عبد الحميد كاشا عن رفضه تولي منصب والي ولاية شرق دارفور. بالرغم من أن برلمانيين وسياسيين من الولاية الوليدة حينها استقبلوا كاشا لدى وصوله مطار الخرطوم في رحلة البحث عن حلول رئاسية لأزمته مع الاختيار المعلن، لكن الرجل أبلغهم رفضه للمنصب الجديد وامتناعه عن أداء القسم أمام الرئيس عمر البشير والياً على شرق دارفور. وكان كاشا يرى أنه والٍ منتخب، وأن غالبية الذين صوتوا له يتمركزون في جنوب دارفور وليس في الولاية الجديدة التي عُين فيها، واعتبر الخطوة أنها «تمت بخساسة وبإخراج سيء» وقتها، وفيما بذل نائب رئيس المؤتمر الوطني نافع علي نافع جهوداً جبارة مع كاشا لإثنائه عن قراره إلا أن كاشا تمسك بموقفه قافلاً الباب أمام كل المبادرات لقبوله بالولاية الجديدة. في الوقت نفسه كان آخرون يرون أن لكاشا شروطاً إذا توفرت فإنه سيُعلن موافقته بالولاية الجديدة، والشروط بحسب مصادر متابعة للحدث هو توفير المركز لمبلغ «8 10» ملايين جنيه بجانب «30» عربة للمحليات وتوفير بنيات تحتية وإزالة أية عوائق من المالية لانسياب التمويل، في ذلك الوقت. وكان لأمانة دارفور بالمؤتمر الوطني رأي مختلف فندت من خلاله المعايير التي تم بها اختيار ولاة دارفور الجدد، موضحة أن اختيار كاشا لولاية شرق دارفور جاء للتحديات التي تواجه الحدود مع دولة الجنوب الوليدة. وقال مقرر أمانة دارفور بالمؤتمر الوطني أحمد جاه النبي، إن اختيار الولاة الجدد من المؤتمر الوطني خضع لمعايير دقيقة لتلبي أهداف المرحلة القادمة المتمثلة في إنزال اتفاقية الدوحة لأرض الواقع، إضافة إلى الاستعدادات المبكرة للانتخابات، بجانب العمل على تحقيق التنمية بدارفور.. وبالأمس أصدرت رئاسة الجمهورية مراسيم جمهورية بتعيين كاشا والياً لشرق دارفور، بجانب مشاعر الدولب للرعاية الاجتماعية، وحسين ياسين خلفاً للواء الهادي بشرى والي النيل الأزرق. ويرى متابعون أن أمر التعيين كان بمثابة الإحلال والإبدال وسط رجال الحكومة وقياداتها، حيث أن مشاعر الدولب كانت تشغل وزير الشؤون الاجتماعية بولاية الخرطوم، فيما رفعت لتشغل منصب وزير اتحادي وهو الرعاية والضمان الاجتماعي بعد استقالة الوزيرة السابقة أميرة الفاضل وقبول استقالتها. أما والي النيل الأزرق الجديد حسين ياسين فإنه كان أيضاً وزيراً للرعاية والشؤون الإنسانية بالنيل الأزرق ليتم ترفيعه أيضاً لمنصب والي الولاية التي شغلها اللواء أمن الهادي بشرى، واستطاع أن يخرج بها من أزمتها إبان خروقات الحركة الشعبية وقطاع الشمال بالولاية بزعامة رئيسها والي الولاية الأسبق مالك عقار إير. ولكن كاشا ربما يكون الشخص الوحيد من بين القادمين الجدد معه في القرار الرئاسي تفسر عودته لولاية شرق دارفور برهان التحديات الراهنة التي تواجهها شرق دارفور، رغم أن الولاية استطاعت أن تعبر في حضرة واليها اللواء محمد فضل الله الأوقات الصعبة التي مرت بها كولاية وليدة محاطة بما هو محاط بها من عدم الأمان كولاية تجاور دولة الجنوب، في الوقت الذي تنشط فيها تحركات واسعة للحركات المسلحة بدارفور بحكم موقعها أيضاً وقربها للشريط الحدودي التي تمارس هي فيها نشاطها باستمرار. وكان للخلفية العسكرية للوالي المعفي محمد فضل الله أثر في المرور بالولاية بالمحاولات التي قام بها في إغلاق المنافذ لكل تلك الحركات المتعددة عقب علاقات المد والجزر بين الحكومة وحكومة جوبا في أوقات سابقة من تنزيل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين لأرض الواقع، والذي يحتم طرد الحركات المسلحة والمتمردين خارج أراضي كل دولة، فكانت الخبرة العسكرية بحسب متابعين للملف الأمني هي من رجحت كفة اللواء فضل الله لتولي زمام الأمور في تلك الولاية الوليدة. بينما فضَّل مصدر ضليع فضل حجب اسمه أن أختيار كاشا لتولي أمور هذه الولاية في هذا التوقيت، جاء بعد أن وقع الطرفان الخرطوموجوبا اتفاقاً أمنياً واقتصادياً وسياسياً قضى بتمرير بترول الجنوب المتوقف منذ إعلان الجنوب حكومته الوليدة، وإغلاق أنابيب الشمال كواحدة من المكونات التي أزمت من الأوضاع السياسية والاقتصادية بين البلدين، وألقت بظلالها السالبة على الجوانب الاجتماعية وغيرها هنا وهناك، مؤكداً أن المرحلة الآتية من العلاقات تقتضي وجود شخصية سياسية مرنة تحكم التعامل بين البلدين في تلك الاتجاهات وتحسنه، وفي نفس اللحظة تجد الدعم الشعبي في الولاية، مضيفاً بقوله: ونتاجاً لذلك فإن كاشا هو الرجل الوحيد والشخصية الأكثر قبولاً وسط المواطنين وسكان الولاية بمختلف تكويناتهم العرقية وميولهم السياسية. ويرى الدكتور أبو بكر آدم المحلل السياسي والأكاديمي والملم بشأن المنطقة، أن عملية إقصاء كاشا من منصبه كوالٍ لجنوب دارفور سابقاً أسهمت في مفارقة الرجل لحزبه المؤتمر الوطني، وذهب عنه مغاضباً خاصة بعد إصرار حزبه اعتلاء الأمور بالولاية الجديدة شرق دارفور، مؤكداً أن كاشا كان يرى أن هذه الولاية غير مؤهلة البتة وأنه قد أرسى دعائم في جنوب دارفور يرى ضرورة المضي قدماً فيها خاصة وأنها وجدت قبولاً وسط أهل المنطقة، واستبعاده كان بمثابة الضربة القاضية له، وفي البال أن الولايات جاءت لخلق التوازنات السياسية بالمنطقة. ويقول د. أبوبكر إن قبول كاشا بالمنصب الجديد يأتي في إطار التصالح الذي يقوده المؤتمر الوطني مع قياداته المغاضبين كأمثال كاشا، بيد أن أبو بكر أشار إلى أن المهمة التي ارتضاها كاشا ستكون مهمة صعبة عليه للكثير من العمل ومعالجة آثار الحروب مع الحركات المسلحة والحروب بين القبائل بالمنطقة وغيرها، ولكنه أشار إلى أن الوالي المنتخب يملك من القدرات والمؤهلات لاجتيازها، مؤكداً بأنه رجل مرحلة.