زيارة مرسي للخرطوم أقل ما توصف به أنها تاريخية، لاسيما أن مصر تمر بحالة احتقان سياسي وتحديات جمة، ويمكن القول إنها تمر بأزمة حقيقية، فجاءت زيارة الخرطوم وما حققته من نجاحات متوقعة برداً وسلاماً على القاهرة التي تجلس الآن على أتون مشتعل، ومن ثم تبدو الحاجة ماسة لصديق مخلص كالخرطوم، وليس بعيداً عن الذاكرة لاءاتها الثلاث التي نصرت مصر في حربها ضد إسرائيل، وما حققته من منجزات نصرتها في بيئة إقليمية ودولية معقدة. وفي حديث سابق مع الخبير في الشأن السوداني هاني رسلان تنبأ لي بأن ما وجده السودان من دعم من نظام مبارك لن يجد مثله من النظام الحالي، ولكن يمكن القول أن شهادة هاني لنظام مبارك مجروحة باعتباره من فلوله، وسواء أكانت الزيارة بضغوط شديدة من الدوحة كما بضغوط من الدوحة كما شاع في الفيس بوك أو ب «إلحاح» من الخرطوم كما صرح هاني بذلك لقناة الجزيرة، وإن كان ذلك مستبعداً، إلا أن معطيات المؤتمر الصحفي الختامي للزيارة تبشر بأن واقعاً جديداً ستشهده العلاقة بين الدولتين الشقيقتين اللتين لولا إرادة الله لكانتا جسماً واحداً، إذا لم يتم الالتفاف على مخرجات المؤتمر خاصة في ما يتعلق بإنزال اتفاق الحريات الأربع من قبل الجانب المصري الذي مازال متحفظا عليها بينما يعتبر المصرييون «البيت بيتهم»، أما الحدود فقد تجاوز الطرفان أزمتها، فهي بحسب البشير ستظل على الخرائط فقط ولا مكان لها على أرض الواقع، ولا شك أن مصر هي المستفيدة من هذا الاتفاق، الغريب في الأمر أن مصر لم تتحدث نهائياً عن كون «حلايب» منطقة تكامل، بينما ظل السودان يردد تلك العبارة، وبخصوص قضية مياه النيل فقد تلاقت الرؤى حولها، وبما أن المخزون الاستراتيجي لمصر من القمح يعاني مشكلة حقيقية خاصة مع حجم سكانها والظروف التي تعيشها، فإن عبارة « تحقيق الأمن الغذائي» ستكون ملفتة للآذان، اضافة لبروز رؤية استراتيجية للمشروعات المشتركة مثل اقامة محطة تجارب نموذجية ومجمع للصناعات الغذائية وتطوير صناعة الجلود والصناعات والبيتروكيميائية بمنطقة الجيلي، إضافة لمجمعات مشروعات الثروة الحيوانية بالنيل الابيض، واحياء مشروعات التكامل الزراعي بمنطقة النيل الازرق، وانزال بروتكول النقل الذي تم توقيعه في 2004م، وتلك الطرق ستدفع التجارة والاستثمار إلى الأمام، وقد كانت تكلفة طن النقل «1200» دولار، وبعد افتتاح الطرق البرية ستنخفض إلى «200» دولار بنسبة 16.6% من التكلفة السابقة، وستنخفض قيمة البضائع والمنتجات بين البلدين، وسترفع الميزان التجاري المتبادل، وأهمية الخطوة للاقتصاد السوداني تتمثل في الانفتاح. وأخيراً من الواضح أن الخرطوم كانت حريصة على إنجاح الزيارة والبعد عن كل ما يكدر صفوها، مثل النزاع التقليدي بين البلدين في منطقة حلايب، كما أن الخرطوم لم تناقش قضية المنقبين السودانيين الذين اعتقلوا في مصر قبل أيام قليلة من زيارة مرسي، علاوة على ذلك فقد امتد الكرم السوداني أو ما تسميه مصر عادة «الطيبة السودانية» إلى منح مصر مساحة شاسعة في شمال الخرطوم لإقامة منطقة صناعية ربما قبل أن تدرس الخرطوم فوائدها الاقتصادية وكيفية أسس المنفعة المتبادلة في هذا الاستثمار، وهو أمر دائماً ما يجعل الواقعيين يطالبون بالبحث عن تشكيل علاقة تعتمد على العقلانية وتبتعد عن العواطف، وذلك من أجل تأسيس علاقة ثابتة تقاوم العواصف والمطبات الطارئة.