توفيت المسز تاتشر الرئيس الاسبق لوزراء بريطانيا، وقد كتبت مرة في جريدة «البلاد» السعودية عندما «ترجلت» عن سدة الحكم أقول: «في الأسبوع الماضي عادت المسز مارجريت تاتشر للأضواء بعد أن نقلت للمستشفى إثر علة قد لا تمهلها طويلاً وهي في تلك السن المتأخرة من العمر. والمسز تاتشر كانت رجل بريطانيا القوي على مدى «11» عاماً امتطت خلالها صهوة الأحداث في بلدها. ولم تختلط عندها الأوراق فكل أمر عندها أبيض أو أسود.. ولا تقع أية أمور في المنطقة الرمادية.. والكثير من الصراحة المؤلمة أو الوقحة في بعض الأحيان إلا إن ما اعتادت أن تقوله ليس فيه أي خداع أو التواء.. وما على لسانها هو الذي تقصده. أيام حكم المستر هارولد ويلسون الزعيم العمالي كان هناك المستر إيان ماكلاوود وزير الظل في حكومة المحافظين المعارضة، ووقف ليتكلم لمدة ساعة عن الميزانية التي تقدم بها المستر هارولد ويلسون لمجلس العموم البريطاني في مرحلة القراءة الثانية منتقداً ومعدداً مساوئها. كان المستر ويلسون يصغي باهتمام وهو يرى ميزانيته وقد تحولت الى أشلاء وأرقام متناثرة على يد خصم عنيد لا يرحم. وسنحت الفرصة للمستر ويلسون ليرد فقال موجهاً حديثه للمستر إيان ماكلاوود : «بالطبع نحن كلنا نعلم انك تقصد ما تقول .. ولكن لماذا لا تقول ما تقصده؟» مثل هذه الملاحظة لا تنطبق على المسز تاتشر فهي قد تعرف أي شيء في دنيا السياسة، الا أنها لا تعرف المراوغة والاختباء خلف العبارات الإنجليزية المطاطة، ولهذا عندما رأت إن المستر إدوارد هيث رئيس الحكومة البريطانية المحافظة السابق أخذ يتخبط في سياسته لم تترد في الوقوف ضده عام 1975م والفوز برئاسة المحافظين والحكومة في آن واحد. إلا أن الزمن البريطاني قد استدار دورته، وها هو أحد وزرائها السابقين المستر مايكل هيزالتاين يتمرد عليها ويسرق منها أضواء أكثر من «154» نائباً، ويتركها لشتاء كتابة المذكرات والانضمام الى تلك السلسلة التي لا تنتهي من الرؤساء السابقين. وعلى عكس ما كان عليه المستر هيث من ضعف أمام النقابات العمالية، فقد واجهت النقابات بحسم تام وإجراءات لا مثيل لها، مما أدى الى اختلال في الترابط النقابي، وقد كانت البعبع الذي يخيف أية حكومة بريطانية. وقد اتخذت بعض الإجراءات في مجال الاستثمار مما أدى الى ازدياد عدد حاملي الأسهم من اثنين ونصف مليون الى عشرة ملايين شخص على حساب القاعدة النقابية. ولكن مشكلة ماجي تاتشر هي أن الشعب البريطاني لو أحبها فإنه يحب الجنيه الإسترليني أكثر، لعلمه أن رئيس الوزراء مهما كان فهو شخص زائل ولكن تبقى المصالح البريطانية وعلى رأسها الجنيه الإسترليني ابن الجيوب البريطانية المدلل، فهم يتهمونها بأنها بمواقفها المعادية لأوروبا وامتناعها عن إدخال الجنيه الإسترليني في سوق الصرف الأوربي زمناً طويلاً قد أدى ذلك الى اغتراب الجنيه الإسترليني في سوق العملات الأوربية، ولم يتبوأ سعره الحقيقي للآن.. وهم يشعرون بأن المسز تاتشر سكسونية اكثر من أنها أوروبية.. وهم قد يغفرون لها كل شيء إلا أنهم لا يستطيعون أن يغفروا لها أي تضعضع يحدث للجنيه الإسترليني روح الشعب البريطاني، وعليه فإنها تترجل الآن وقد تركت بصماتها واضحة على جميع جوانب الحياة في بريطانيا. ولكن المناوئين لها يثيرون أحقادهم حولها، لدرجة أن الفضائيات نقلت أن مبيعات أغنية عمرها «47» عاماً بعنوان «ماتت الساحرة» قد فاقت كل المبيعات، وأنا هنا أنقل عن النت: «أظهرت إحصاءات يوم الأربعاء أن وفاة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر جعلت أغنية عمرها «74» عاماً تتصدر قوائم الاغاني الأكثر طلباً في بريطانيا. وجاءت أغنية «دينج دونج! ماتت الساحرة» من الفيلم الشهير «ساحر أوز» الذي انتج عام 1939م في المرتبة الأولى لقائمة «أمازون» للأغاني الأكثر تنزيلاً على الانترنت يوم الاربعاء، بعد حملة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك للترويج للأغنية بوصفها وسيلة لمنتقدي تاتشر «للاحتفال» بوفاة زعيمة بريطانيا الاكثر اثارة للجدل. وقالت متحدثة باسم شركة «اوفيشيال تشارتز» إن الاغنية «التي غنتها شخصيات في الفيلم بعدما ماتت ساحرة الغرب الشريرة» احتلت المركز العاشر في قائمة الاغاني المنفردة يوم الاربعاء. واضافت المتحدثة: «الارتفاع الحاد في المبيعات يعقب حملة لدفع الاغنية إلى المركز الأول في قائمة الاغاني المنفردة بعد وفاة مارجريت تاتشر». وقالت إن الاغنية بيع منها أكثر من «10600» نسخة حتى وقت متأخر يوم الثلاثاء. وحث مراجعون لقوائم أمازون آخرين على شراء الأغنية لإظهار رفضهم لتاتشر التي دفعت سياسات السوق الحر التي تبنتها الكثير من البريطانيين إلى اظهارها في صورة المدمر للوظائف والصناعات التقليدية. واجتذبت حملة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لحث الناس على تنزيل الاغنية كي تحتل المرتبة الأولى، أكثر من خمسة آلاف عضو حتى يوم الأربعاء الماضي». وتوفيت تاتشر بفندق ريتز في لندن يوم الإثنين بعد إصابتها بجلطة في المخ عن «87» عاماً.