إلى روح المجاهد الكبير الشيخ ماء العينين ابن الطالب الخيار ابن المجاهد الأكبر الشيخ ماء العينين الحسني شعر: إبراهيم الدلاّل تقديم وشرح وتعليق: خالد محمد فرح بعث إلي صديقي الشاعر المُفلِق، وبقية السلف الصالح من شعراء العربية في هذا الزمان، الأستاذ إبراهيم محمد محمود الدلاّل، بهذه القصيدة الخريدة الرائعة، التي نظمها في تمجيد روح المجاهد الشيخ ماء العينين، وهو جد صديقنا المشترك سعادة السفير محمد ماء العينين، سفير المملكة المغربية الشقيقة الحالي بالخرطوم، وفيها إشادة بمناقب آل ماء العينين قاطبة بأرض السوس بالمغرب الأقصى، وتنويهٌ بصلاحهم، وببسالتهم، وبجميع خصالهم الحميدة. وهذه القصيدة، هي من الناحية الفنية، كأنها نسجٌ على منوال قصيدة امرئ القيس التي نظمها عشية ارتحاله إلى بلاد الروم مستنصراً بملكها قيصر، على بني أسد الذين قتلوا أباه حُجراً آكل المرار ملك كندة. تلك القصيدة التي مطلعها: سما بك شوقٌ بعدَ ما كان أقصرا وحلّتْ سُليمى بطنَ قوٍّ فعرْعرا هذا، والشعر العربي الأصيل، كأنه قصيدة واحدة ممتدة من لدن امرئ القيس فمن قبله، كابن حزام وغيره، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. سمعتُ أو قرأت ذلك لعبد الله الطيب، فالزمه. وكذلك الفكر العربي الأصيل، كأنه خاطرة واحدة. وبذلك لعمري تكون مقتضيات الشهادة على الناس..» لتكونوا شهداء على الناس» .. الآية. وهكذا أنشد الدلاّل في مدح آل الشيخ ماء العينين: دعِ العاذلَ اللوّامَ بالسرِّ ما دَرَى فإنّ رسيسَ الحُبِّ في القلبِ لا يُرى وقدْ زعزعتْ ذكرى الأحبة موْهناً جناحاً من الشوقِ المُسافرِ أخضرا لهونا زماناً والشبابُ مُساعفٌ بذكرى حبيبٍ أخضرِ العودِ أسمرا «1» فمن لي بأيام الشبابِ وقد مضتْ ومن لي إذا عاد الزمانُ لأسمرا «2» وقفنا وكان النيلُ محضَ سحابةٍ تُفتِّش عن وادٍ سعيدٍ لتُمطرا «3» تقاصرَ ليلٌ كان فوق رؤوسنا أتاهُ صباحُ الشّيبِ حتى ليُسفرا تمايلَ نخلُ الشوقِ تذرو شعافَهُ رياحٌ إذا بالليل آدمُ «طنبرا» «4» «ضحكنا وكان الضحكُ منا سفاهةً» سكرنا إذا «الدّابيُّ» بالشِّعرِ أسكرا «5» إذا ما بوابيرُ «القُريرِ» تناوحتْ جرى من أحاديثِ الصّبابةِ ما جرى «6» وكم دونَ أرضِ السّوسِ سارتْ قصائدٌ «وحلّتْ سُليمى بطنَ شثٍّ وعرعرا » «7» وقد سافرَ الكنديُّ يطوي فلاتَهُ وخلّفَ شِعْراً ما يزالُ مُسطّرا «بكى صاحبي لما رأى الدّربَ دونهُ وأيقنَ أنّا لاحقان بقيصرا » «8» على آل مامين الكرام تحيّةٌ تلوحُ على أفْقِ السماوات والذُّرى نخُصُّ بها «ماءَ العيونِ» إمامَهُمْ لقدْ كان يومَ الرَّوعِ ليثاً غضنفرا وقد جاهدَ الكُفّارَ عشرينَ حِجَّةً على مثلها يبكي الزمانُ تحسُّرا ولاحتْ على الآفاق راياتُ نصْرهِ فتىً لا تراهُ الدَّهرَ إلاّ مُشمِّرا فتىً لا تُزدْهُ النارُ إلاّ صلابةً يشابهُ معناهُ النُّضارَ المُجَمَّرا «9» وقد أنفقَ الأيامَ ما بينَ كُتْبِهِ أو الخيل يوطيها الوشيجَ المُكسّرا «10» وأوقدَ في قلبِ الرجال عزيمةً وقد أوقد النيران للعلم والقِرى فمَنْ مثْلهُ قاد الجهادَ كتائباً ومن مثله يوم الكريهة بربرا «11» ومن مثله يجلو العلوم حقائقاً ومن مثله يتلو الكتابَ المُطهَّرا يُثبّتُ أقدام الرجال بعزمهِ إذا المدفعُ العملاقُ بالموتِ زمجرا وكم خاضَ نيرانَ الحروبِ تقودهُ إلى الموتِ نفسُ لا تُحبُّ التقهقُرا ويبسمُ مبسوطَ الجبينِ أمامَهُمْ إذا الموتُ عن أنيابهِ العُصْلِ كشّرا «12» إمامُ إذا قامتْ صلاةُ جماعةٍ إمامٌ إذا في ساحة الحربِ كبّرا حدونا نياقَ الشِّعْرِ نطلبُ أرضَهُ تركنا لجرَّاها الأحبّةَ والكَرَى «فجاءتْ بنا إنسانَ عينِ زمانهِ » إماماً إلى معنى الحقيقةِ قد سرى «13» على قبره يذرو السحابُ دموعَهُ وترجو الثُّريا أن تكونَ على الثّرى وصاهلتُ أفراس البيانِ بجاحةً وإنْ كنتُ قبلَ اليومِ فَدْماً مُقصِّرا «14» الحواشي: «1» في البيت «سودانوية» واضحة، وانحياز وانتصار محمود للون «الأخضر»، الذي جعلت فتيات السودان مع الأسف كأنهن يخجلن منه، ويهربن منه ويطلبن بكل الوسائل تغييره إلى البياض. وكأن في البيت أيضاً، تناصاً مع قول خليل فرح في أغنية «في الضواحي» ، وقد كان يعني فتاة سمراء اللون أو «خضراء» عندما قال: غرّد العصفور فوق عودك .. الخ بحسب رأي الدكتور جعفر ميرغني. «2» أسمرا عاصمة اريتريا. «3» البيت للشاعر الكبير: عبد الله الشيخ البشير مع بعض التحريف. «4» آدم المقصود هو الفنان الكبير وعازف الطنبور الحاذق الراحل النعام آدم. «5» صدر البيت للمعري، والدابي هو الشاعر الفحل: حسن الدابي، وهو واحد من كبار شعراء الطنبور بديار الشايقية بشمال السودان. «6» القُرير: أرض الشعر والطنابير وفي البيت إشارة إلى أغنية «الليلة القرير نبحن بوابيره».. وكأني بالشاعر يتطلع هذه الأيام إلى نخلة صبية ممشوقة على حافة جدول رقراق بمنحنى النيل، وذلك بآية ما أنه قد ركّز بل «علّق» في رموز تلك المنطقة ومرائيها. واعلم أنّ الصبابة لن تفارق الشعراء حتى يكفّ الماء عن الخرير، والبلبل عن الصفير يا هذا. وقد فشا التعدد، ورُفع الحرج عن مبتغيه اجتماعياً منذ حين في السودان، وخصوصاً عن «الفقرا» والأشراف مثل الشيخ الدلال. «7» عجز البيت لامرئ القيس الكندي، وهكذا أثبته الشاعر، والذي أحفظه أنا » وحلّت سُليمى بطن قَوِّ فعرعرا». ومهما يكن ، فإن القو والشث والعرعر كلها نباتات وأشجار. والقو معروف باسمه هذا في السودان وخصوصاً في بادية كردفان. وهو نوع من القش تحشى به الوسائد. ومنه قولهم في معرض الشتيمة والدعاء: «يحشاك قو». «8» الصاحب الذي يعنيه امرؤ القيس في هذا البيت هو صديقه الشاعر «عمرو بن قميئة» الذي رافقه في رحلته المشؤومة تلك التي هلك دونها غريباً في أرض الروم. قالوا: فانتشر خبر موت امرئ القيس في بلاد الروم بعد أن سمّه القيصر لتحرشه بابنته في سائر بلاد العرب، ولكن أحداً لم يهتم أو يحرص على معرفة مصير عمرو بن قميئة المسكين، واكتفت العرب بتلقيبه بعد ذلك ب «عمرو الضائع». «9» النُّضار المجمّر هو من فصيح العامية السودانية ، لأن الذهب يوضع على الجمر لإزالة الشوائب عنه. «10» في البيت نظر إلى قول أبي الطيب المتنبئ: أرجان أيتها الجياد فإنها عزمي الذي يذر الوشيج مكسّرا والوشيج هي قنا الرماح وأعوادها. «11» بربر السبع: غمغم وزمجر دون فريسته، فكأنه مشتق من صوت «البربرة». «12» أنيابه العصل: يعني أنيابه القويات الحادات. ومن قول أبي تمّام في الرثاء: كان الذي يُتّقى ريبُ الزمان به إذا الزمان بدتْ أنيابهُ العُصْلُ «13» صدر البيت للمتنبئ في مدح كافور الإخشيدي: فجاءت به إنسان عين زمانه وخلّتْ بياضاً خلفها ومآقيا «14» الفَدْم: بفتح الفاء وسكون الدال ، هو: الإنسان الغبي، العييّ، القليل الفهم، والضعيف الحجة.