ارتفعت جرائم الاعتداء على المال العام في الآونة الأخيرة بصورة مخيفة الأمر الذي عزاه بعض المراقبين لضعف المعايير الخاصة بضبط الأداء المؤسسي والإداري في مؤسسات الدولة الخاصة والعامة، ويزداد في الأحوال التي تسيطر فيها الدولة على مجريات الحياة الاقتصادية ومن أجل المحاربة المؤسسية لهذه الجرائم تم تكوين لجنة علمية رفيعة لإعداد إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وفي يناير (2012م) أصدر رئيس الجمهورية قراراً بتكوين آلية لمكافحة الفساد تتبع لرئاسة الجمهورية تختص بتنسيق جهود أجهزة الدولة نحو محاربة مؤسسية للفساد، كما تختص برصد ومتابعة كل المعلومات التي ترد في المصادر المفتوحة حول الفساد للتحقق من مصداقيتها ومن ثم تحويلها للجهات المختصة للتحقيق فيها، في الوقت الذي رفعت فيه الدولة سيفها لمحاربة الفساد نجد أن رئيس لجنة العمل والإدارة والمظالم العامة بالبرلمان د. الفاتح عز الدين أقر أمس الأول بأن حجم قضايا الاعتداء على المال العام التي تذهب إلى القضاء حوالى (40 50) قضية سنويًا مشيرًا إلى أن جزءًا منها يتم التحلل فيها من المال، وأكد أن حجم الاعتداء على مستوى الجهاز التنفيذي ليس كبيرًا وأن أكثر مخالفات اللوائح والقوانين.. وقال إن مستوى المخالفات في بعض القضايا قد لا يرتقي لمستوى التجريم.. مبينًا قيام المراجع العام برصد أي مخالفة، مؤكدًا استمرار التعاون بين البرلمان والمراجع القومي وكل الوحدات الحكومية لمعالجة الخلل الإداري، مبينًا أن تكامل الأدوار من شأنه رفع الأداء وقال الفاتح إن الرئيس عمر البشير وجه في الاجتماع المشترك للجنة العمل والمراجع العام باتباع منهج الشفافية والانضباط المالي والصرف الرشيد للمال العام، ويعد الاعتداء على المال العام من أخطر وأصعب الجرائم التي يتعرض لها كيان الدولة ويمثل أحد الأركان الأساسية للفساد السياسي والإداري والمالي الذي تعاني منه الدولة ومن المؤكد أن جرائم الاعتداء على المال العام هي جرائم كسب غير مشروع لها آثار سلبية وخيمة على الاقتصاد القومي وأن حجم الضرر الناتج عنها يقع بصفة مباشرة على المال العام مما يؤدي إلى إضعاف كيان ومقومات الاقتصاد القومي.. وفي السياق ذاته أوضح مراقبون للشأن الاقتصادي أن فلسفة الدولة التي تتبناها بكامل سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ومؤسسات الرقابة ينبغي أن تقوم بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فالموظفون على دين رؤسائهم فيما يتعلق بالفساد والنزاهة، ولا يمكن أن يقبل من السلطة التنفيذية أن تأتي برؤساء فاسدين ومفسدين ثم تطلب من الجهات الرقابية والمعنية بمكافحة الفساد محاسبتهم ومنعهم من القيام بأعمال الفساد وتحقيق مكاسب غير مشروعة باستغلال سلطاتهم العامة لذا لا بد من توفير شروط النزاهة قبل مطالبة الموظف بها والقصد منها تهيئة الظروف المناسبة للعيش الكريم، وضمان راتب مجزي، وحل أزمة السكن، وتوفير ضمان صحي واجتماعي، فلا يمكن أن تدعو الموظف لأن يكون نزيهاً وهو لا يتلقى راتباً يكفيه وعائلته. فيما يرى الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي بروفيسور عصام الدين بوب أن استغلال النفوذ انحرف عن مساره الصحيح مؤكدًا فشل عمل آليات مكافحة الفساد التي تم تكوينها مسبقًا، وأرجع الأمر إلى عدم تكوينها من داخل وزارة العدل باعتبار أنها الجهة المكلفة بمثل هذه القضايا وليس البرلمان أو أي مؤسسة حكومية أخرى داعيًا إلى عودة القضايا إلى نصابها بوضعها تحت إشراف وزارة العدل وإعطائها كل السلطات لتنفيذ الخطوات الصحيحة واعتبر عدم تحقيق ذلك بالحديث الاستهلاكي والدعائي فقط لافتًا إلى ضرورة وجود هيئة رقابية للحد من التجاوزات ووقف الاعتداء على أموال الشعب للقضاء على جرائم الاعتداء على المال العام ووجود عقوبات رادعة إذ أن مجرد إبعاد الفاسد من المؤسسة لايعد كافيًا كما أن الشفافية من أهم وأنجح الطرق للقضاء على الفساد باعتباره عملية تنمو وتزدهر في الظلام تحت مبررات سرية ومصالح عليا في غاية التكتم وحجب المعلومات لذا خير وسيلة لمكافحتها هي إجبار الفاسد على العمل في الضوء.