بالرغم من أن البرلمان السوداني وعلى لسان رئيس لجنة العدل والتشريع الفاضل حاج سليمان اعتبر أن ما تقوم به قوات (قطاع الشمال بالحركة الشعبية) من عمليات تستهدف الأبرياء بجنوب كردفان جرائم وطنية ودولية في آنٍ واحد، ونبّه أيضاً على أن الإجراءات القانونية التي حركتها وزارة العدل ما زالت سارية المفعول والنفاذ، بالرغم من ذلك إلا أنه قال إن أي اتفاق سياسي ربما يفضي إلى إيقاف الملاحقة. مثل هذه التصريحات على طريقة (لبن سمك تمرهندي) تبقى غريبة جداً؛ لأن الاتفاق السياسي إذا كان من أجل وقف المزيد من ارتكاب الجرائم ضد المواطنين الأبرياء في جبال النوبة، فهو لا يعني سقوط الحقوق الخاصة لضحايا أبرياء قتلتهم نيران قوات قطاع الشمال بعد إعلان انفصال جنوب السودان الذي تزامن معه إعلان استئناف الحركة الشعبية للحرب ضد الدولة السودانية من خلال قوات قطاع الشمال. إذا افترضنا أن بروفيسور إبراهيم غندور (صاحب دموع الحنين إلى جنوب السودان الذي انفصل بنسبة مئوية كادت تكون كاملة)، إذا افترضنا أنه توصل مع ياسر عرمان رئيس وفد تمرد (الجنوب الجديد) إلى اتفاق سياسي، فأية عدالة تسمح بأن تضرب الدولة بحقوق المواطنين الخاصة عرض الحائط؟! لكن السؤال هنا أيضاً هو هل المقصود من أن أي اتفاق سياسي مع عقار والحلو يلغي الملاحقة القانونية هو إغراء للمتمردين لكي يضعوا السلاح ويجلسوا للتسوية و(الفدية)؟! نعم معلوم أن صاحب الحق الخاص هو الذي يذهب بنفسه إلى مؤسسات النظام العدلي، لكن الدولة هي التي تمكّنه من أن يسترد الحق أو يجد التعويض أو القصاص، وهذا لا علاقة له بالتسوية السياسية أو الاتفاق السياسي أو الفدية التي تريد الحكومة دفعها لمتمردي قطاع الشمال في شكل محاصصة وامتيازات مقابل إرجاع المناطق المحتلة بالجيش الشعبي إلى سيادة الحكومة السودانية. ثم إن الأسوأ هو أن يحفِّز ما قاله البرلمان عن إمكانية إيقاف ملاحقة عقار والحلو وعرمان أن يحفِّز المتمردين لارتكاب مزيد من الجرائم قبل الوصول إلى اتفاق سياسي. وها هم المتمردون في جنوب كردفان لا يتورَّعون من قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ. ورئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان يقول إن (المعالجة تكون هنا بالحوار أو التسوية السياسية).. انتهى. لكن السؤال هنا هل هناك ما يدعو إلى استئناف التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق بواسطة قوات الحركة الشعبية بعد الوصول في عام (2005م) إلى اتفاقية نيفاشا؟! وهل أوفت الحركة الشعبية ممثلة برئيسها سلفا كير بما وعدت به أبناء المنطقتين؟! وهل أبناء المنطقتين يلقون باللوم على الحكومة في الخرطوم أم الحكومة في جوبا قبل انفصال جنوب السودان؟!. إن الحركة الشعبية تحمّست لإشعال التمرد من جديد في المنطقتين حتى تغطي على قصورها ونقضها للعهود فيهما. فهي قد كانت تحاول جذب أبنائهما إلى التمرّد بشعارات برّاقة لكن وضح أنها كانت جوفاء، ولذلك أرادت الاحتفاظ في سجونها باللواء تلفون كوكو أبو جلحة الذي أطلقت سراحه مؤخراً بضغط من منظمة الأممالمتحدة حتى لا تستمر في كشف زيفها وخداعها لأبناء النوبة والنيل الأزرق. لقد سقطت الأقنعة. لكن البرلمان السوداني يتحدَّث عن احتمال إيقاف ملاحقة عقار والحلو وعرمان في حال توصلت معهم الحكومة إلى اتفاق سياسي. وكان حريّ به أن يقول إن على قطاع الشمال أن يمهّد لتقديم مرتكبي الجرائم من منسوبيه إلى المحاكمات حتى لا يشوّه صورته وإلا كان كل القطاع مليشيا عصابات ضد الإنسانية وبهذا لا يجوز التفاوض معهم.