تحديات أمنية واقتصادية وسياسية تواجه الأمة بعد الربيع العربي..دلالات نحو ظهور نظام عالمي جديد والجامعة العربية لا تملك رؤية إستراتيجية بيروت: فريق ركن/ إبراهيم الرشيد واقع جديد أفرزه الربيع العربي على الأمة ومحيطها الإقليمي الذي ما زال ولعامين يواجه حزمة من التحديات والمتغيِّرات تمت قراءتها وتحليلها خلال المؤتمر الإقليمي الثالث ببيروت حول «العالم العربي 2013 ديناميات التغيير، التحديات في الأمن والاقتصاد والإدارة السياسية»، والذي نظمه مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني حيث جمع المؤتمر نخبة من علماء وخبراء الأمن والاقتصاد والثقافة وكان للسودان مشاركة فاعلة في المؤتمر الذي دفع بجملة من التوصيات المهمة.. «الإنتباهة» شاركت في المؤتمر ورصدت أهم الوقائع وأدق التفاصيل ويبدو أن «اتكاءة محارب» المتخصصة في الشأن العسكري وطبيعة تحريرها كان وراء هذه المشاركة التي كنا وبحمد الله جزءاً منها. ولقرائنا الكرام أن يصطحبونا لعاصمة لبنان ومعرفة التفاصيل. استقبال الوفود تم استقبال المشاركين في أوتيل مونرو وحضر ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وزير الدفاع فايز غصن، وممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب غازي زعيتر، وسفراء عدد من الدول مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا وأوكرانيا، سفيرة باكستان، وإيران وسفير السودان أحمد حسن أحمد محمد، وحشد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية والعسكرية. رئيس اللجنة استُهل اللقاء بكلمة لرئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر العميد الركن خالد حمادة قال فيها: «في قلب بيروت، المدينة التي لم تتخلَّ يومًا عن دورها الريادي في تشكيل مساحة لقاء وحوار لقضايا العالم العربي بشكل خاص ولكل أوجه الثقافة بشكل عام. أرحب بكم وأشكر حضوركم لنضيف سويًا إلى ما بدأناه منذ العام «2011» في مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية في الجيش اللبناني مع نخب من العالم العربي ومن أوربا والولاياتالمتحدة جولة حوار جديدة حول المتغيِّرات والقضايا المتفاعلة في الساحات العربية بكل مظاهرها الاحتجاجية، أو التي تعبِّر عنها ساحات القتال الدامي في سوريا حيث يتعذر الحوار.. وقال: لقد أعطينا لمؤتمرنا عنوان «العالم العربي 2013:التحديات في الاقتصاد والأمن والإدارة السياسية» بعدما أصبح من المسلم به ربط مصير التغيرات في العالم العربي بالتردي الاقتصادي وبصعود الحركات الأصولية وبالعجز الإقليمي والدولي عن إطلاق عملية سياسية في سوريا. ربما بانتظار أن تفضي الاصطفافات السياسية والعسكرية إلى تغيير في موازين القوى، لاتخاذ القرارات المناسبة. قائد الجيش اللبناني ألقى قائد الجيش العماد جان قهوجي كلمة قال فيها: «نلتقي وإياكم اليوم، ونحن على أبواب استحقاقات محلية، وفي خضم متغيرات إقليمية كبيرة يشهدها الشرق الأوسط يحاول لبنان بكل جهده أن يتعامل معها بواقعية وحكمة كي لا ترتد نتائجها السلبية عليه. لقد عاش لبنان والجيش تحديات كبيرة خلال الأشهر الماضية، ما جعل هذا الوطن يصل أكثر من مرة إلى حافة الهاوية، قبل أن يلتقط أنفاسه ويستعيد أمنه واستقراره ولو بالحد الأدنى. ممثل الرئيس ألقى السيد فائز غصن وزير الدفاع كلمة عن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وقال: شرفني فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان فكلفني في مؤتمركم الهام الذي تحتضنه عاصمتنا بيروت وقال: ديناميات التغيير التحديات في الأمن والاقتصاد والإدارة السياسية عنوان اخترتموه لهذا المؤتمر الذي ينعقد على وقع تغييرات كبيرة يشهدها العالم العربي وضمنه لبنان. تغييرات وضعت العالم العربي على سكة طويلة تستدعي استنفارًا عربيًا على أعلى المستويات لمواكبتها استجابة للتحديات الراهنة. وهذه التحديات لا تقتصر على الأمن والسياسة، بل على مستوى الاقتصاد والاستثمار والتربية والتعليم والصحة وغيرها من مفاصل الحياة اليومية لكل بلد. ومن هنا فإننا اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى. بالتعاون والتعاضد وشبك الأيدي للسير بأمتنا نحو شاطئ الأمان الذي ينشده كل مؤمن بقدرة العرب على تشيكل قوة سياسية واقتصادية كبيرة. إذ لا يختلف اثنان في حقيقة أن عالمنا العربي يمتلك من الطاقات البشرية والعلمية والنخبوية والإمكانات المادية ما يؤهله للقيام بأدوار ريادية في العالم. ولعل نقطة الارتكاز الأساسية في ديناميات التغيير يجب أن تتركز على عنصر الشباب القادر وحده على الإبداع والتميز انطلاقًا من تطلعه إلى الحرية بكل درجاتها. ديناميات التغيير ثلاث مجموعات تشكلت لبحث الموضوع المطروح وقد دارت جلسات مغلقة حيث كانت هناك جلسة عامة بعنوان الأحادية القطبية إلى أين؟ الدلالات نحو ظهور نظام عالمي جديد في ضو التحولات التي يشهدها العالم العربي.. الإستراتيجيات والتوازنات الجديدة وتناولت المجموعة الأولى العالم العربي 2013: ديناميكيات التغيير، التحديات في الأمن، الاقتصاد والإدارة السياسية» وقد ضمت المجموعة نخبة من علماء السياسة والأمن والثقافة مثل الدكتور جورج قرم وزير مالية سابق خبير اقتصادي ومالي، مستشار لدى مؤسسات دولية وشركات خاصة وعامة، السيد حسن مظفر يونس، مستشار محافظ نينوى لشؤون التخطيط الإستراتيجي، العراق والسيد سيف رحمان- نائب مدير جامعة في باكستان والسيد غالب أبو مصلح، متقاعد، مستشار سابق لوزير الاقتصاد، ومستشار سابق لحاكم مصرف لبنان والسيد شمس الدين الأمين ضو البيت السودان وهو مدير برنامج الفكر الديمقراطي في المجموعة السودانية. والسيدة جنان خوري رئيسة قسم الحقوق في الجامعة اللبنانية وقد أشارت إلى جملة من المخاطر لأن الثورات لم تفرز قيادات. المجموعة الثانية والثالثة تناولت المجموعة الثانية الأبعاد الدولية والإقليمية للصراع السياسي العسكري في سوريا وآفاق التسوية المرتقبة في ظل إشكالية الأمن الإقليمي ورأسها السفير عبد الله بو حبيب، مدير عام مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية وتحدث فيها السفير فريدرك هوف، المستشار الخاص السابق للرئيس الأمريكي للفترة الانتقالية في سوريا، كبير باحثي مركز رفيق الحريري لشؤون الشرق الأوسط والدكتور بيار رازو، مدير البحوث المسؤول عن دراسات الأمن الإقليمي في المعهد الفرنسي للبحوث الإستراتيجية والدكتور دايفيد شاتر، كبير باحثي مركز إدارة القطاع الأمني في جامعة كرانفيلد، والدكتور عبدالامير موسوي من ايران. خطأ الجامعة العربية بينما تناولت المجموعة الثالثة تجربة الجمهورية كنظام سياسي في العالم العربي في خلال أكثر من خمسين عاماً وتناولت فرص الربيع العربي في إنتاج أنظمة ديمقراطية وإشكالية تطبيق قيم الجمهورية، كما تطرقت المجموعة إلى أن هناك خطأ بجامعة الدول العربية لأنها لا تملك إستراتيجية أو رؤية. في هذا السياق، يجب إنشاء مركز للبحوث العربية تابع للجامعة ويجمع أهل الفكر والباحثين مع موقع إلكتروني قوي، وقد أدار الجلسة الوزير إبراهيم شمس الدين وزير التنمية الإدارية السابق في لبنان والدكتور حسن نافعة عضو مجلس إدارة المجلس المصري للشؤون الخارجية، رئيس قسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة الموقف السوري وكان الموقف السوري حاضراً حيث اعتمد المؤتمرون أنه إذا سقط النظام في سوريا، يدخل لبنان في دائرة الخطر. إذاً، الحل السياسي يصب في مصلحة لبنان ومستقبله الأمر الذي يوجب تشكيل حكومة مؤقتة في سوريا تخدم المناطق المحررة. هذا حق الشعب السوري. لا بد من أن تكون هناك سلطة لضبط الأمن فيها يكون لها شرعية الواقع لتوحيد المعارضة. عقبات التنمية المستدامة وتوصلوا إلى أن مرور سنتين على بروز ظاهرة الربيع العربي لا يمكن أن تعد كافية للحكم على مستوى بشاعة التغيرات التي أحدثتها على أرض الواقع العربي أو تحديد فرص نجاحها في تغيير الواقع إلى جزء من المشهد الذي نادت به الجماهير في ساحات الاعتصام ومستوى توافقها وقدرتها على تلبية إصلاح اقتصادي رشيد. وأكدوا أنه ينبغي إدراك أن الطريق إلى بلوغ تنمية اقتصادية مستدامة سيكون طويلاً ومحفوفًا بعقبات متعددة وبحاجة إلى التوجيه صوب ترسيخ الوعي الشعبي للمسؤولية الوطنية والاجتماعية تجاه المجتمع والبلاد بما يعني إضفاء سمة التناغم والتوافق بين جميع مكونات الشعب بعيدًا عن التجاذبات السياسية. خلاصات مهمة توصل المشاركون إلى خلاصات يمكن إجمالها في الآتي: تصويب مسار الحراك الشعبي العربي بغية إنتاج أنظمة ديموقراطية على مستويات ثلاثة: سياسي، اجتماعي، اقتصادي. على المستوى السياسي: بناء دساتير تعاقدية ديمقراطية، تقر بالمواطنة الكاملة وتكرس احترام الحريات الفردية والعامة في حدود القانون والمساواة بين المواطنين، حرية الإعلام، وحرية الاجتماع، والتعددية السياسية، وحرية المعتقد، وحرية التعليم والمساواة الاجتماعية والاقتصادية، وتداول السلطة... نبذ العنف والتطرف والإرهاب من خلال مكافحة الأسباب المؤدية إلى نشوبه. بذل الجهود كلها لوقف النزاعات المسلحة والدعوة إلى المصالحة الوطنية، والسلم الأهلي وتطبيق العدالة الانتقالية. مشاركة مختلف الأطياف في السلطة، من خلال اعتماد الديمقراطية التوافقية في المجتمعات المتعددة القوميات والإثنيات والطوائف. المستوى الاجتماعي والاقتصادي: تكريس سياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال توفير الرعاية الصحية، ومكافحة الفقر، وتأمين التعليم للجميع، وتعميم مبادئ المواطنة في مناهج التعليم، ومكافحة البطالة من خلال توفير عمل للشباب، وتمكين دور المرأة، ورفع مستوى المعيشة والتوزيع العادل للثروات الوطنية. توصيات بشأن سوريا لقد بدأ الصراع في سوريا في شكل حركات احتجاج شعبية لكنها تحولت إلى صراع مسلح وعنيف اكتسب أشكالاً مذهبية وطائفية، تتصارع فيه القوى الإقليمية بدعم من قوى دولية متعددة، ويسعى فيه كل طرف من أجل تعزيز مواقعه على خريطة المصالح الإستراتيجية، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع وتيرة الصراع وتعقده بما يطيل أمد النزاع ويعيق التوصل إلى تسوية سلمية. وبعد المداولات خلص المجتمعون إلى ما يلي: *التحذير من مخاطر الاستمرار في تدفق السلاح والفئات المسلحة الخارجية إلى الأراضي السورية، والطلب من الدول المعنية ضبط حدودها والحيلولة دون استمرار ذلك. * انطلاقاً من عدم قدرة أي من أطراف النزاع على حسم المعركة لصالحه ولتجنب تكبيد المدنيين خسائر باهظة، ينبغي تنفيذ وقف شامل لإطلاق النار والشروع في عملية تفاوضية سلمية تُفضي إلى إنهاء النزاع عبر استلهام روح اتفاق جنيف ووثائق مؤتمر القاهرة، وانتهاج سلوك سياسي يؤدي إلى قيام دولة تصون وحدة البلاد وتؤمن الحرية والديمقراطية وتحفظ التعددية والمساواة التامة في المواطنة. * التأكيد على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وفي طليعتها الجيش، لأن انهيارها أو حلها قد يؤدي إلى نتائج كارثية على وحدة سوريا واستقرارها ونسيجها الاجتماعي. * توصية الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، للعمل على تفعيل دور الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، لتسوية الأزمة السورية «الأخضر الإبراهيمي». * الطلب من المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية وكل مؤسسات الأممالمتحدة، إيلاء ملف اللاجئين السوريين الاهتمام والجدية اللازمين، وتأمين الموارد المالية للتخفيف من محنة اللاجئين وتقاسم الأعباء بين كل الدول العربية، والعمل على إعادة اللاجئين إلى سوريا فور انتهاء الأزمة. * التحذير من مخاطر الحركات المتطرفة والتكفيرية، والشحن المذهبي والطائفي واستخدام وسائل الإعلام كأداة لذلك. * إن تداعيات الأزمة السورية تلقي بثقلها على لبنان وتهدد استقراره، لذا ينبغي التشديد على تطبيق إعلان بعبدا الذي نص على سياسة النأي بالنفس وعلى عدم تدخل أي طرف لبناني في الصراع في سوريا. * الطلب إلى جامعة الدول العربية تفعيل وإقامة مراكز دراسات عربية إستراتيجية، تعنى بالشؤون الإقليمية والدولية. ختام المؤتمر اختتم المؤتمر وخاطبه العميد حمادة قائلاً: إضافة جديدة ننجزها اليوم مع اختتام أعمال المؤتمر الإقليمي الثالث، تتوّج سابقتيها في العامين المنصرمين. ربما ثلاثة أيام عادية في حياة أي منا لا تشكل قيمة مضافة ولكن لقاءً يلامس أقصى درجات الغنى الفكري وأقصى درجات التنوع سمته الحوار المفتوح دون قوالب قديمة على مدى ثلاثة أيام يشكل حكماً إضافة نوعية.لا يستطيعن أحد إيقاف دينامية التغيير ولا حتى إبطاءها، إن مجرد وجود هذا التنوع في مؤتمر ذي طابع إستراتيجي ينظمه جيش في العالم العربي، هو إثبات ساطع لا يقبل الشك أننا في زمن آخر وأن المجتمع العربي برمته ذاهب إلى مكان آخر. إن سلوك سبيل التحديث للخروج من التخلف الاقتصادي وإدخال التقانة على أوسع نطاق وإعادة تنظيم الإدارة والتعليم وفرض منطق الدولة على كل المؤسسات حتى الدينية منها وإشراك عناصر النخبة العازمة على التحديث هي المسار الوحيد لإكساب المجتمعات بنية تحتية قادرة على مواكبة التحديات إذ لم يعد التسليم بنظرية المؤامرة والمخططات الغربية المسبقة الصنع حجة مقبولة يمكن تحميلها كل التراجعات التي عرفها العالم العربي منذ خمسينات القرن الماضي. إن ما أردناه من مؤتمرنا بعنوانه وموضوعاته: «العالم العربي 2013: ديناميات التغيير في الأمن والاقتصاد والإدارة السياسية»، هو التأكيد على السعي لمستقبل يمتلك المناعة في وجه الانزلاقات نحو فكر الهوية، وعالمٍ عربي يمتلك القدرة على بناء مجتمع ديمقراطي سليم. إن توقعات الناس من البلدان التي لا تسيطر فيها ذهنية الدولة ولا يتشارك فيها السكان مفهوم الهوية الوطنية أو المواطنة، تكاد تكون معدومة ولا يعقل أن ندّعي الحداثة أو نتذوّقها بكل اطمئنان ما لم نكن واثقين أن الأجيال القادمة ستتذوّقها وتعيشها بالاطمئنان «إياه».