الطرفة تقول إن واعظاً قابل ذئباً فحدثته نفسه أن يعظه عسى الله أن يهديه فيتوب عن أكل البهائم المسكينة، فاستوقفه وبدأ فعلياً في شرح العواقب الوخيمة لجريمته الشنعاء أسلوب لطيف، ولما أسهب في الحديث تململ الذئب وقال له باستياء: «اهديني سريع وخليني أمشي عشان أحصل القطيع داك»!! وحال الواعظ مع الذئب يبدو قريب الشبه من حال حكومتنا مع حكومة الجنوب وما يسمى قطاع الشمال الذي حتى وإن أعلنت الأولى فك ارتباطها به إلا أننا فعلياً لا نستطيع فصله عنها، في الوقت الذي تعلق حكومتنا آمالاً عراضاً على مفاوضاتها مع حكومة الجنوب، وقد فرحت بما تم من اتفاق بخصوص النفط دفعها للتفاؤل بالوصول لاتفاق مع قطاع الشمال. وفي هذا الوقت تتعرض مناطق في ولاية شمال كردفان لهجوم غادر مما تسمى قوات الجبهة الثوية راح ضحيته «16» من الشرطة وعدد من المواطنين، وقطع الطريق بين كوستي والأبيض، كما اعتدت القوات على مدينة «أبو كرشولا» وكذلك منطقة السميح والله كريم ومدينة أم روابة، ولم تسلم ممتلكات المواطنين من النهب. إذن هل تعتبر المفاوضات التي تجرى الآن سواء مع حكومة الجنوب او قطاع الشمال مجرد تمثيلية لشغل الحكومة عما يدور خلف الكواليس من أعمال تخريبية كما حدث في أم روابة وشقيقاتها؟ وقد عزز رأينا الخبير أمن العميد حسن بيومي الذي أكد أن التفاوض مجرد حركة لشغل الناس بعد أن حققت دولة الجنوب نجاحاً على المستوى الخارجي والداخلي، وكشفت للعالم أن لديها استخبارات تستطيع تقييم الأمور، مستهجناً حديث الناطق الرسمي باسم الجيش الذي قال إن الأوضاع الأمنية تحت السيطرة، متسائلاً:«إذا «90» عربية ما معروف جات من وين وتصل أم روابة وتضرب وإنت تتعامل برد الفعل وما مسكت منها واحدة تكون سيطرت على شنو؟ على الشجر الواقف ده؟ ثم هل انت ضربتهم ولا رجعوا؟» وبين بيومي أن تعامل الحكومة بردة الفعل يثبت للعالم أن الطرف المعتدي هو الأقوى أمنياً، فلماذا لا تبادر قواتنا النظامية شرطة وجيش وأمن بالهجوم كحركة استباقية؟ بيومي يرى أن الحكومة وضعت نفسها في موقف سيئ أمام النظام الأوربي عندما رفضت تقديم العامل الإنساني، وأصرت على تقديم الترتيبات الأمنية. وأردف قائلاً: «ده شغل استخبارات وهم عارفين بعملوا في شنو؟! فإذا رفضت الحكومة تقديم الجانب الإنساني فالنظام الأوربي سيجلب المعونات لمنسوبيه ومن خلالها يمكنه أن يدخل أسلحة أو مواد شبه عسكرية، وهم الآن رجعوا ممولين بنقود، وأي مستثمر سيفكر مليون مرة قبل أن يقبل على الاستثمار في السودان». واقترح بيومي إنشاء آلية للتوقع والاستطلاع تعمل وفق خرائط المناطق التي يتم التفاوض حولها بواسطة خبراء، وتكون مهمتها تحديد المناطق التي يمكن أن تكون هدفاً للعدو، وتكون لديها على الأقل القدرة على الاحتواء إذا دخل العدو في المنطقة المعينة، فإذا حدث الهجوم من بوابة أخرى تكون الحكومة «معذورة» ولديها فرصة للمخارجة. والمثل المصري يقول :«اللي ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى» و«حركة» الحركة الشعبية أو حكومة الجنوب حتى وإن تم الهجوم باسم الجبهة الثورية ليست جديدة، ففي نيفاشا كان نائب الرئيس الأستاذ علي عثمان محمد طه يفاوض عراب الحركة وقتها الراحل جون قرنق، وفي هذه الأثناء قامت الحركة باحتلال توريت!! وأيضاً بينما كان الرئيس البشير في زيارة لجوبا تعرضت مدينة كادوقلي للضرب بصواريخ الكاتيوشا، وبينما لم يجف المداد الذي وقعت به حكومتنا على اتفاق في الدوحة مع حركة العدل والمساواة هوجمت «لبدو» وقرية أخرى.