لم يعد سرًا أن تتداول مجالس المدينة أيًا كانت الطريقة التي دخلت بها قوات الجبهة الثورية وفلول الحركة الشعبية إلى مناطق لم تكن تحلم بها الحركة الشعبية وهي في أوج شبابها وعنفوانها حين كانت تتلقى الدعم والمساندة من بعض دول الجوار طيلة العقدين الأخيرين والنقاش يدور في ذات المجالس بين مجموعة وأخرى حول مجريات الأحداث ومسبباتها، لكنها مهما اختلفت يبقى الواقع يشير إلى استمرار مسلسل الغدر والخيانة من أجنحة الحركة الشعبية مروراً بالاعتداء على هيجليج واحتلالها وما صاحبها من ثورة عارمة عجلت بخروج المعتدين وهم يجرجرون أذيال الهزيمة ويمكن أن نطلق عليه مسلسل الغدر والخيانة من قبل الحركة الشعبية، وهكذا تدور الأحاديث وعلى ذات الشاكلة تتفاعل المجالس مع الحدث متناسين قضايا ارتفاع الأسعار وأزمة المواصلات ورحلة البحث عن لقمة العيش... وأم روابة تلك المدينة الهادئة التي تنام على رمال كردفان وتتحتضن كل أطياف الشعب السوداني كانت لقمة سائغة وهدفًا سهل المنال لأولئك الأوباش الذين استباحوا دم الأبرياء ونهبوا الممتلكات ودمروا بعض المؤسسات قبل أن تتصدى لهم القوات المسلحة وتسيطر على الأوضاع وتعيدها الى نصابها، حسب ما جاء في بيان القوات المسلحة، ويرى مراقبون أن الهجوم على أم روابة وأبو كرشولا والله كريم كانت محاولة تصب في اتجاه الكسب السياسي وتقوية موقف وفد القطاع في مفاوضات أديس أبابا والتي انفضَّت دون تحقيق أية نتيجة، بيد أن موقف الحكومة جاء حاسمًا على لسان د. الحاج آدم نائب رئيس الجمهورية والذي طالب القوات المسلحة بأخذ زمام المبادرة ومهاجمة الجبهة الثورية بفصائلها الأربعة في مواقعها ومع اختلاف القراءات حول تداعيات الاعتداء على أم روابة تبقى حقيقة يجمع عليها كثيرون بأن خطوة الجبهة الثورية قد تقودها إلى الانتحار السياسي والميداني ويشير اللواء م. عبد العزيز الأمين عضو المجلس العسكري الانتقالي السابق، والخبير الإستراتيجي عبر قراءة تحليلية صحفية في العام «2010» إلى أن الملفات العالقة بين طرفي نيفاشا في ذلك الوقت قد تقود إلى نزاعات ستؤدي إلى عدم الاستقرار وأن مسألة حسمها أمر مهم حتى لا تؤدي إلى صراعات بين الشمال والجنوب وهو ما بدأ يظهر للعيان بحسب اللواء عبد العزيز الذي طالب بدعم القوات المسلحة وتدريبها تدريبًا عاليًا منوهًا بأنها تمثل صمام الأمان لحراسة السلام مناشدًا رئيس الجمهورية إلى إحداث وحدة وطنية حقيقية تستوعب كل ألوانها السياسية إضافة لعمل رؤية وطنية متفق عليها من الجميع بيد أن الحدث يحمل بين طياته دلالات مختلفة وجدَّد ما ذهب إليه اللواء عبد العزيز، وأن الإشارات الصادرة عن مختلف الأطراف تشير بوضح إلى أن أحداث أم روابة سيكون لها ما بعدها عسكريًا وسياسيًا مع تأكيد أن هناك عوامل ساهمت في استهداف المنطقة تحديدًا، ومنها الطريق السهل وعدم وجود موانع جبيلة كتلك الموجودة بجنوب كردفان إضافة لوجود عوامل إستراتيجية أخرى عجَّلت بالهجوم في هذا التوقيت ومنها توصيل رسائل ذات صبغة تهديدية للحكومة لتصل متزامنة مع المفاوضات في أديس أبابا وإذا كان نهج نيفاشا قد رسخ لمفهوم تحقيق الأهداف السياسية عبر فوهة البندقية فهل تهدف الجبهة إلى إيصال رسالة إلى المفاوضين كتكتيك سياسي يمكن أن يرفع من سقف التفاوض مابينها وبين الحكومة في الجولة القادمة بأديس أبابا أم أن الأمر لا يعدو كونه فرقعة إعلامية بحسب مسؤولين حكوميين.. كل هذه التساؤلات باتت مطروحة في الساحة السياسية بعد الهجوم الذي شنته الجبهة الثورية على مدينة أم روابة بشمال كردفان السبت الماضي، وما بين تحليلات السياسيين والعسكريين وأحاديث المدينة تتمدد الأشواق والأمنيات لتحرير المناطق التي تم الاعتداء عليها خاصة أبو كرشولا وردع المعتدين إلى جانب الاستفادة من الدروس وليكن الأخير.