الاغتيالات السياسية ظاهرة قديمة وشائعة جداً ولا تكاد أية فترة تاريخية أو بقعة جغرافية تخلو من هذه الظاهرة، وهناك حوادث اغتيال سياسي سلطت عليها الأضواء، وهناك حوادث أخرى لم تلق اهتماماً كبيراً من قبل الإعلام. وفي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مثلاً نجده يغص بعمليات اغتيال واسعة نفذتها إسرائيل ضد خصومها لعل من أشهرها عمليات الاغتيال التي أعقبت عملية ميونيخ. ويقول الدكتور ياسر حسن في كتاب له، إن الاغتيال السياسي يعد أحد أفرع الإرهاب، ويعد الإرهاب بدوره أعلى صور العنف السياسى. وقد عرفت الدنيا عمليات الاغتيالات منذ أن بدأت الخليقة، فتطورت بتطور الزمن حتى أصبحت تأخذ أبعاداً ونواحي أخرى منها السياسية والاجتماعية والجنائية وغيرها. وتسببت عمليات الاغتيالات فى الدخول فى دوامة عنف مستمرة، فمثلاً كان السبب المباشر في قيام الحرب العالمية الأولى هو اغتيال دوق النمسا الأمير «فرديناند» الذى تم اغتياله على يد اثنين من الطلبة فى صربيا احتجاجاً على تدخل النمسا فى شؤون بلادهم رغم رفضهم ذلك، الشيء الذي حسبه الكثير من الناس أنه بداية لأزمة قد تكون آثارها مفزعة بمرور الايام. والمتتبع لشأننا الداخلي خلال هجوم الجبهة الثورية على مناطق ابو كرشولا وأم روابة يجد أن التخطيط لهذه الخروقات والانتهاكات كان موجوداً لأن القطاع أعد العدة لمباغتة المنطقة وتصفية بعض حساباته السياسية بها إبان أحداث الانتخابات الاخيرة وما صاحبها من ردود أفعال أدت إلى مغادرة حكومة الحلو وذهاب سلطان القطاع. وبالتالي يقول البعض إن الاغتيالات التي نفذت بالمنطقة لا تخلو من عوامل الإصرار والتربص للاقتصاص من خصماء الأمس بحسب بعض المحللين السياسيين الذين أكدوا لي أن أول عملية اغتيال سياسي في السودان في العصر الحديث هي ما شهدته ولاية جنوب كردفان عندما تم اغتيال القيادي النوبي وأحد قادة جنوب كردفان بالاضافة لكونه رئيس المجلس التشريعي، وهو إبراهيم بلندية ورفاقه أثناء قيامهم بواجب في بعض مشروعات الولاية. وربما أشارت أيضاً أصابع الاتهام للحركة الشعبية قطاع الشمال في ذلك الحادث. لتلج عملية الاغتيال السياسي مرة أخرى إلى الساحة السودانية من خلال جبال النوبة أيضاً. ولكن المتتبع لعملية الاغتيال السياسي يجد أن السودان لم يألف هذا النوع من العمليات العدائية، وربما أن النسيج المجتمعي القوي الذي يمتاز به الشعب السوادني من جانب وإجماع الشعب على على حرمة الدماء مهما كانت الخصومة السياسية بحسب عمليات التدين الواسعة وسط قطاعات الشعب وحدهما جعلا السودان بمأمن من أن تنزل بأراضيه هذه العملية الكبيرة، في الوقت الذي شهد فيه العالم أجمع بالاضافة إلى بعض دول الجوار من العالم العربي والافريقي شهد العديد من مثل هذه الوقائع التي جعلت استدامة الأمن في وقت من الأوقات من الصعوبة بمكان. ورغم أن المحاضر التأريخية حملت إلينا مبادئ نقل هذه الصراعات في وقت ما من ثلاثينيات القرن الماضي إلى داخل السودان إلا أن الواقع السوداني المختلف والنسيج المجتمعي المختلف بالإضافة إلى اختلاف الاعراق خلقت عوامل ربط مجتمعي قوي، ووقفت حائط صد قوي أمام كل العادات الضارة والموروثات السياسية البغيضة، فصار الشعب السودان بمعزل تام عما يعرف بالاغتيال السياسي. وتأتي الاتهامات للجبهة الثورية المتمردة وقطاع الشمال بقتل المواطنين في اعتدائها الأخير على أم روابة وأبو كرشولا على أساس عرقي وسياسي، بحسب تصريحات بعض قادة المؤتمر الوطني الذين طالبوا بتقديم مرتكبي الاعتداءات للمحاكمة في الوقت الذي أكدوا فيه أن الأولوية الآن ليست للتفاوض مع قطاع الشمال وإنما لتحرير كل شبر من الأراضي السودانية من دنس المتمردين. وأشار الوطني إلى أن الهجوم كان إشارة من قطاع الشمال للتنصل عن المفاوضات مع الحكومة، وجدد الوطني أن مهمتهم تحرير كل شبر من أرض الوطن وطرد المتمردين من أي شبر دنسوه، وقال إن الاستهداف يعبر عن العقلية الإجرامية للمتمردين، وإن الأولوية اليوم متروكة للقوات المسلحة لتقوم بتحرير تراب الوطن. وفي الوقت نفسه أقرت وزارة العدل بأنها تعتزم تحريك إجراءات قانونية رسمية وبلاغات في مواجهة متمردي الجبهة الثورية بسبب ارتكابهم جرائم بشعة في حق المدنيين في مناطق بشمال وجنوب كردفان. ويضيف الأمين محمد الحسن الخبير الأمني في حديثه ل «الإنتباهة» أن عملية التصفية السياسية ربما جاءت نتاجاً لما بدر من مواقف أثناء الانتخابات الأخيرة بالولاية لاختيار الوالي، وقال إن طبيعة المنطقة كما هو معروف قبلية ولم تستطع الحكومة طيلة الفترة الماضية تذويب الطابع القبلي، ولكنه رجع وقال إنها الحرب. فيما أبدى بعض المتابعين تخوفهم من انتشار هذه العمليات في الوقت الذي شهدت فيه البلاد هجمات واسعة استهدفت نسيجه الاجتماعي من خلال الحرب في دارفور وفي الجنوب والشرق وغيره من الأماكن التي تشهد صراعاً ضارياً اليوم، ويأتي تخوف هؤلاء من أن هذه الظاهرة ربما أخذت منحى آخر في ظل انتشار السلاح وسط المواطنين بمعظم ربوع السودان، فيما تواجه عمليات صعاباً جمة جعلت الأمر يبدو كأنه مستحيل. إلا أن آخرين قالوا لي إن المجتمع مازال بخير، وإنه محصن ضد هذه العمليات غير الأخلاقية، وذلك بعد أن وجدت هجمات قطاع الشمال على الولايتين أخيراً استهجاناً ورفضاً كبيراً من المواطنين الذين مازالوا على اتصال بي لمعرفة ما يدور بتلك الديار.