المرأة موضوع الكتابة الذي لا ينتهي أبدًا، وهو باقٍ ما بقي في الزمان حياة ورجال! كتب الرجل عن المرأة وسيكتب.. عاشقا ناقدًا، منصفًا، متطرفًا، أمينًا، هوائيًا، واعيًا بما تشكله هذه الأنثى في حياته. ويكتب الرجل ودونما تردد ما يعتريه وما يراه وما تفجِّره المرأة في دواخله.. يكتب إحساس اللحظة ويكتب التأني ويكتب الواقع والخيال ويكتب حتى تئن الكتابة؛ ثم تأتي المرأة الهوينى وتوثق تلك العلائق مع القلم وتبدأ من أول السطر؛ ولا تجد قوة وامتلاء إلا من ذاتها وتتردد ثم تكتب وتمزق وتعود وتحرر تلك الأسطر والإحساس نصف محرر؛ وتجاهد لانتزاع نفسها وأوراقها الخاصة من النص.. وحتى حين اقتناع المرأة بذاتها الكاتبة عليها أن تقنع الرجل الذي استمرأ اعتلاء عرش الكلمة والبوح أن هناك صوتًا يعلو. ويقولون إن المرأة تكتب لتتمكن من الخروج عن دائرة العجز والجهل.. ومن البوح الخاص جدًا إلى الكتابة والتعبير عن نفسها وغيرها إلى الاستغراق في عوالم القصة والكتابة.. وبين مجتمع عربي وآخر تفاوتت التجارب القصصية عمقًا وجرأة وشفافية وخيالاً.. ويأتي العمق مع قوة التجربة في واقع مشرع خال من التحفظات أو قوة داخلية تتحدى الواقع وتخترقه.. كبير هو التحدي الذي تواجهه المرأة السودانية القاصة.. أن تكتب خطوة وأن تقتحم عوالم جديدة خطوة أخرى أن تدرك سر الإبداع، أن تقتحم دنيا الإبداع بلا تردد، أن تكتب دون نظرة أخرى وثالثة.. أن تبرمج فكرها وخيالها وواقعها لأجل سطور غير مسبوقة.. سطور أنثوية تضج إبداعًا طبيعيًا محكمًا دون صنعة أو تكلف.. ولا أحسب أن أدوات الإبداع جرأة أو تمردًا هائجًا!! إن الذكاء والمعرفة ودقة الالتقاط والخيال واللغة السلسة الذكية وحياة تعددت فيها التجارب والمواقف مع تلك الوصفة السحرية في نفس الكتابة تجعلنا نغرق في عوالم كاتبة ما ونترك أخرى.. وفي الكتابة نتحيز لكل ما هو مبدع يفتح فينا مسام التلقي فلا ندري من أين دخل إلينا ذلك الإبداع عبر قلوبنا أم عقولنا أم احتوانا بالكامل.. وتأخذنا عوالم أحلام مستغانمي الجزائرية ابنة المناضل الثوري الذى لجأ لتونس وعاش فيها وأسرته. ومنها انتقلت أحلام لباريس ونالت الدكتوراه من السوربون وإضافة إلى باريس كانت لبنان والارتباط والزواج بصحفي من هناك. وغادة السمان المتمردة دومًا ابنة سوريا التي انتقلت للبنان وعاشت فيها وهي ابنة دكتور ورئيس جامعة ووزير سابق وتمتّ بصلة قرابة للشاعر نزار قباني مما يترك انطباع الأثر الجيني في التمرد والإبداع، وغادة أيضًا من حملة الماجستير في مسرح اللامعقول وعملت كمراسلة صحفية وبروايتيها كوابيس بيروت وليلة المليار وضعها النقاد كأهم روائية في الوطن العربي. لا شك أنه يختلف كثيرًا واقع أولئك عن واقع كاتباتنا وليس بمقدورنا أن نجزم بأن الإبداع بحاجة إلى قدر من فعل التمرد بقدر ما هو بحاجة الى المزيد من الثقة الراكزة ومازلنا بانتظار إبداع يجتاحنا.. يفتق بدواخلنا أماكن جديدة..