بهذه العبارة المطلبية المهذبة كانت بداية حديث الخليفة الطيب الجد إبان زيارتنا له في مسيده العامر، وذلك حينما استدعى أحد (ملازميه) عباس أحمد ليقوم إنابة عنه بواجب ضيافتنا أنا ومرافقي، وعندما اعتذرنا ابتدرني بالعبارة تلك التي في صدر هذا المقال. جال في خاطري والعربة تعبر المسافات في طريقنا إلى مسيد ود بدر في أم ضواً بان كثير من الخواطر منها كيف لنا أن نقابل الخليفة الطيب الجد وهو أحد أركان شرق النيل إن لم يكن السودان. فكانت الدهشة أن وجدنا شيخاً وقوراً جالساً على (فروته) وحوله زواره ومريدوه وحلق هنا وهناك وبأطراف المسيد من يتناولون الإفطار والشاي يقوم بخدمتهم طلاب المسيد والأحباب والمريدين وبعض من آل ود بدر يشرفون ويوجهون وتكتمل مسرتهم حينما يكرم الجميع. المهم أن الخليفة ذلك الشيخ الورع المهاب الجانب والجناب لا توجد صعوبة في مقابلته وكم من وضيع ليس له سوى شيء من التملق لمسؤول ومحسوبية من كبير تكابد وتعاني أياماً وأسابيع لمقابلته وإن كان ذلك من صميم عمله وواجبه أن يقابل الناس لحل مشكلاتهم. ما يجدر ذكره أنني قبل الزيارة قرأت المقال الذي خطه يراع الباشمهندس الطيب مصطفى إبان زيارة السفير الأمريكي لأم ضواً بان وكيف أن الخليفة قد أراه كيف يكون معنى العزة والشموخ فعجبت لإشادة الباشمهندس بالخليفة لأن الشيء لا يستغرب من معدنه كما لا يستغرب الكرم من الكريم والشهامة من الشجاع الصنديد. حدثني خالي فضل الله أحمد عبد الله أنه يروي في زمن الاستعمار أن خليفة السجادة البدوية حينما علم بزيارة المأمور الإنجليزي له خرج مسرعاً من دار ضيافته إلى داخل داره وأمر من معه أن يدخلوه إلى دار الضيافة. وبعد قليل دخل عليه فقام المأمور من مقعده يسلم على الخليفة مضيفه، وبعد أن خرج المأمور، سأله أحد حيرانه عن سبب خروجه ومجيئه بعد دخول المأمور إلى دار الضيافة. فقال الخليفة لحواره لا يجوز لي أن أقف لأسلم على كافر ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام. هؤلاء القوم قدروا الله حق قدره فرفع قدرهم الله جل في علاه وأعزهم، فهم أرفع من الملوك قدراً وأعظم من الساسة مكاناً وأكبر من أصحاب المال والصولجان إذ كل من يلتفون حولهم لا ينافقونهم بل ويحبونهم ويودون لو يفتدونهم بأنفسهم إذا أصابهم أي مكروه أو نازلة. إن المدرسة التي نهل منها هؤلاء القوم هي مدرسة التربية المحمدية والأدب المحمدي السامي «أدبني ربي فأحسن تأديبي». لا يستعلون ولا يستكبرون فالكبرياء والعظمة لله الواحد القهار. فكيف لمن يخرج في سبيل الله من غير إعلام ولا صولجان ولا مَنّ ولا أذى في قافلة صحية سنوية من مسيده العامر إلى قوز رجب بالقرب من نهر عطبرة حيث مرقد الوالدة الطاهرة الشريفة (ريا أم الشيخ/ العبيد ود بدر) التي توفيت في طريقها إلى الحج وهذه الرحلة التي تستغرق (4) أيام تستهدف جميع القرى الواقعة في هذا المسار بالخدمة الصحية المجانية، الجدير بالذكر أن رحلة هذا العام قادها النطاس البارع عبد الله التوم اختصاصي القلب المشهور و«ثلة» من الاختصاصيين البارزين محملين بأدوية فاقت قيمتها الشرائية (100) ألف جنيه. استوقفني هذا العمل الجليل ونحن في منبر السلام العادل في إدارة المناشط الاجتماعية نعلم حجم المعاناة والجهد الذي يبذل في سبيل تقديم هذه الخدمة لأهلنا البسطاء في بقاع ولايات وطننا الحبيب إذ ينتظرون هذا العمل الخيري الطوعي كل عام، كما أخبرني أخي الحبيب/ عباس أحمد. والجدير بالذكر أننا قد نفذنا أكثر من (18) يومًا علاجيًا خارج ولاية الخرطوم في أقصى أطراف ولايات السودان كالجبلين بالنيل الأبيض وأطراف النيل الأزرق وسنار وما زال البرنامج مستمرًا حيث وجهتنا القادمة إن شاء الله جنوب وشمال كردفان. أخي الكريم باشمهندس الطيب مصطفى، الخليفة الطيب الجد خليفة الشيخ ود بدر صاحب المقولة الشهيرة (لو ما عجيني منو البيجيني) سيد (القدح البجر) وكريم وريث كرام ويعلم ما هو الجائز في حضرة الوطن وما هو المحظور فحري به أنه يرفع رأسنا ورأس كل عزيز في هذا الوطن وهذه الأمة العصية على كل من يعبث بمقدراتها وهويتها وثقافتها ودينها.