عندما كنت في غرب إفريقيا في العام 2000م كنت ألاحظ مشكلة في لغة تدريس العلوم الإسلامية لأبناء المسلمين في تلك البلاد، ولقد تمنى بعض المسؤولين حينها ولمزيد من التوسع في المناهج أن يتم تدريس العلوم الإسلامية باللهجات الإفريقية وبالحرف العربي، وما كان حلماً بالأمس أصبح واقعاً معيشاً اليوم بفضل الله تعالى ثم بجهود ومثابرة البروفيسور / يوسف الخليفة أبوبكر رائد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وفريقه المعاون. قمت بزيارة البروف الخليفة في مكتبه بمركز يوسف الخليفة بجامعة إفريقيا العالمية للوقوف على آخر المستجدات في هذا الملف الإستراتيجي المهم فإلى إفاداته: ٭ متى بدأ اهتمام المسلمين بكتابة لغاتهم بالحرف القرآني؟ - منذ القرون الأولى للإسلام استخدم المسلمون الحرف العربي في كتابة لغاتهم حتى وصل عدد اللغات المكتوبة بهذا الحرف حتى الربع الأول من القرن العشرين، أكثر من مائة لغة في آسيا وإفريقيا وأوروبا. وبهذا الحرف كتبت الشعوب المسلمة تاريخها وتراثها وآدابها، وبه تمت تنمية المجتمعات في بلادهم وبه قرأوا القرآن وتعلموا مبادئ العربية، وعن طريقه نشروا الإسلام وحافظوا على لغاتهم من الانقراض، كما أسهموا في ترقية الخط العربي وتفننوا في استخدامه. ٭ لماذا انحسر استخدام الحرف العربي في كتابة لغات المسلمين؟ - حتى أواخر العشرينات من القرن العشرين كان الحرف العربي هو الأكثر انتشاراً في العالم إلا أن الاستعمار كان من سياساته إحلال الحرف اللاتيني محل الحرف العربي، ومع ذلك حافظت معظم الشعوب الإسلامية على كتابة لغاتها بالحرف العربي في مجالات محددة كالتعليم الديني وبعضها صمدت لغاتها ضد التغيير مثل اللغات الفارسية والأردية والأشتو. ظل الحرف العربي مستخدماً في كثير من المجالات الدينية والشعبية وأحيانا في العملات الورقية حتى الصين حافظت على الحرف العربي الذي كتبت به بعض لغاتها، ولا تزال عملة الصين الورقية مكتوبة بالحرف العربي إلى جانب الحرف الصيني واللاتيني حتى اليوم. ولقد زاد اهتمام المسلمين بكتابة لغاتهم بالحرف العربي بعد استقلال بلادهم من الاستعمار الذي أحل الحرف اللاتيني محل الحرف العربي. ٭ لقد عهد للسودان ممثلاً في مركزكم بمشروع كتابة لغات المسلمين بالحرف العربي، ما هي مميزات السودان التي جعلته حاضناً لهذا المشروع؟ - السودان بحكم انتمائه وتجربته في كتابة لغاته منذ القدم كان له إسهامه وتجربته في كتابة لغاته بالحرف العربي، فضلاً عن وجود جامعة إفريقيا العالمية ومعهد الخرطوم الدولي للغة العربية وقد بدأت جامعة إفريقيا، هذا العمل منذ فترة ليست بالقصيرة متعاونة مع المؤسسات المعنية بهذا المشروع مثل المنظمة الإسلامية للعلوم والتربية والثقافة «آيسيسكو» والبنك الإسلامي بجدة. وبادرت الجامعة بنقل كتابة اللغات الإفريقية من مرحلة خط اليد وآلات الكاتبة اليدوية إلى التقنيات المعاصرة وأنشأت وحدة متخصصة أمدتها بالفنيين واللغويين والتربويين، كما أمدتها بمختبر حاسوبي بدأ منذ العام 2005م وفي العام 2011 تطورت إلى مركز كما أشرت سابقاً. ٭ تم الإعلان عن إنشاء اتحاد جامعات العالم الإسلامي لكرسي الحرف القرآني بجامعة إفريقيا العالمية بم يُعنى هذا الكرسي؟ - يعنى هذا الكرسي باقتراح وتنفيذ أنشطة تخدم نشر الحرف القرآني على النطاقين المحلي والإقليمي في إفريقيا وآسيا وقد استهل الكرسي نشاطه بدورة «حوسبة الحرف القرآني وإعداد المواد التعليمية» والتي استمرت لفترة شهرين وشارك فيها «15» متدرباً من عدة دول إفريقية معظمهم من أساتذة الجامعات. ٭ ما الذي تحقق حتى الآن؟ - كونت لجنة فنية في عام 2003م ضمت عدداً من المختصين، كان منهم مدير جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، وعميد كلية دراسات الحاسوب في جامعة إفريقيا العالمية، ومهندس حاسوب من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا وآخرون من الفنيين لحوسبة الحرف القرآني وقد مر بعدة مراحل وهي: = الإعداد وقد تقرر اختيار خط واحد من الخطوط المعمول بها في الحواسيب وهو خط النسخ «عربي مبسط» بأنماطه الثلاثة «منتظم وعريض ومائل». وبعد نجاح الحوسبة تقرر إضافة خطوط أخرى هي الكوفي، والثلث والرقعة. = تصميم الخطوط ولقد استعانت الجامعة بخبير الخطوط الذي صمم الخطوط العربية لبعض الشركات العالمية كشركة مايكروسوفت وشركة آبل Apple فصمم «الحرف القرآني المنمط» بالأشكال التي قررتها المنظمة «آيسيسكو». وأعطى هذا الخط اسم «أفريكا Africa »ليميزه عن الخطوط الأخرى وتشمل الخطوط كل الحروف المنمطة والحركات الثماني. وبذلك صارت الخطوط ملكاً لمشروع الحرف القرآني، وتسجل له ملكيتها، وتم كل ذلك على نفقة الجامعة. = إدخال الحروف في الحاسوب وتصميم لوحة المفاتيح وتطلبت هذه المرحلة شراء برمجيات من الولاياتالمتحدة لتشغيل الحروف على نظام Windows وهي برنامج Font Lab 4.0، وبرنامج Key Man Developer 5.0 وبرنامج Fontographer وذلك لتصميم لوحة المفاتيح. وبذلك أمكن معالجة الحروف وتثبيت الخطوط في الحاسوب وتصميم لوحة المفاتيح. ولقد بدأنا في تدريب الطلاب على كتابة لغاتهم بالحاسوب منذ العام 2005م كما قدمت عدداً من الإصدارات والأنشطة بالتعاون مع الآيسيسكو في مجال تدريب القيادات التربوية في إفريقيا على كتابة لغاتها بالحرف العربي باستخدام الحاسوب. وقد ترجمت عدد من الكتب وبعض التفاسير للغات الأخرى بالحرف العربي. وقد شرعنا في كتابة التراث الإفريقي بالحاسوب وشمل ذلك الحكم والأمثال والقصص وبدأ الطلاب يتواصلون مع دولهم عن طريق بطاقات المعايدة بعبارات التهنئة بلغاتهم مكتوبة بالحرف العربي المحوسب. ٭ ما هي خططكم المستقبيلة؟ = إكمال مبنى المركز والاستمرار في إعادة كتابة المخطوطات المكتوبة بالحرف العربي وحفظها الكترونياً وتحقيقها وإعداد دورة مدربين لكل عشر دول إفريقية في كل سنة وترجمة كتب مختارة في الثقافة الإسلامية إلى اللغات الإفريقية والآسيوية وطباعة معاجم بلغات المسلمين بالحرف العربي وطباعة كتب تعليمية باللغات الإفريقية والآسيوية بالحرف العربي وإنشاء الدبلوم العالي في حوسبة الحرف العربي وإعداد المواد التعليمية. ٭ يبدو أن الإعلام ضعيف حول هذا المشروع رغم أهميته؟ لدينا موقع على شبكة الإنترنت، ولقد بثت قناة الجزيرة القطرية برنامجاً عن المركز وإنجازاته في نشر كتابة اللغات الإفريقية بالحرف العربي، كما عرضت نماذج من إصدارات كتب الثقافة الإسلامية التي ترجمت إلى اللغات الإفريقية، وحديث مختصر لشخصي وعدد من المهتمين، وهناك مطويات وملصقات حول المشروع والمركز ونرجو مزيداً من التعاون مع المؤسسات الإعلامية والصحفية للتعريف بهذا المشروع لدى كل الناس.