يحمد للرئيس الليبي المخلوع أنه أضاف لأدبيات الثقافة الشعبية في السودان عبارة «زنقة زنقة» عندما توعّد الثوار في بلاده بمطاردتهم في البيوت والطرق و«زنقة زنقة» فقد أضاف للقاموس الشعبي اسماً جديدًا للزقاق في السودان، والمعروف أن الزقاق دائماً يتسم بالضيق والتعرُّج، وفي الحارات الشعبية يصبح عبور الزقاق خاصة في الظلام مشكلة حيث الكلاب التي تنام في وسطه والحفر والمطبات ومياه البالوعات القذرة، لكن يبدو أن الوضع الآن في دولة جنوب السودان يعتبر «زنقة زنقة» لكن من طراز مختلف أكثر خطورة، فالزقاق هناك مليء بالألغام والأشواك والدماء والجوع والموت غيلة، زقاق استعصى على الحاكم الجديد للدولة الوليدة سلفا كير، فهو لن يفلح في عبوره مستعيناً بإجراء سياسات مسكنة أو بالاستغاثة بدول الجوار الإفريقي التي تحتاج هي نفسها إلى إعانة ولا إلى إعادة تسمية وزراء حكومته من جديد، إنها زنقة لا يمكن تجاوزها إلا بسواعد الشمال السوداني وهو ما أدركه أخيرًا بعد أن جرّب كل الحلول بما فيها كارت الجوكر، بيد أنه لم يزده إلا تعثرًا أكثر في خطاه داخل الزقاق أو «الزقنة» فلنطالع جزءًا يسيرًا من سيناريو الزنقة في دولة الجنوب حسبما أوردته بعض الصحف « قال رئيس كتلة المعارضة بالمجلس أنرو أكونج في تصريح صحفي إن نواب المعارضة داخل البرلمان قاموا باستدعاء الوزيرين للتقصي حول الأوضاع الإنسانية والأمنية المتردية، مشيراً إلى أن الاستدعاء جاء عقب استفحال المجاعة وتدهور الأوضاع الإنسانية نتيجة للصراعات القبلية بولاية جونقلي، الأمر الذي أدى لارتفاع نسبة أعداد اللاجئين، وقال إن دولة الجنوب تشهد ارتفاعاً وغلاءً حاداً في الأسعار بالولايات الجنوبية العشر، مشيراً إلى أن تورطها في دعم الحرب الدائرة بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ساهم في حدوث حالات المجاعة التي تفتك بمواطني الجنوب ، و أقرَّ وزير الشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث بجمهورية جنوب السودان جوزيف لوال، بوجود مجاعة تضرب الدولة، فيما أعلن حاكم ولاية غرب بحر الغزال إغلاق المدارس بمقاطعة واو لمدة أسبوع، وتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث الدامية التي راح ضحيتها عدد من الطلاب في اشتباكات مع الجيش الشعبي والشرطة العسكرية أمس الأول. وقال الوزير لوال في تصريحات صحفية بمدينة جوبا إن أكثر من مليون ونصف المليون شخص تضربهم المجاعة، بينما وصفت المعارضة الجنوبية الأمر ب «المزري»، ودمغت في الاتجاه نفسه الأوضاع الغذائية والصحية بالكارثية، واتهمت حكومة جوبا بالتقصير في واجبها ناحية المواطن، وفي المقابل ذكر نشطاء سياسيون جنوبيون أن زيارة الرئيس سلفا كير للخرطوم تأتي لطلب استغاثة عاجلة لدولة الجنوب، وقالوا ل «الإنتباهة» إن الزيارة تتزامن مع مجاعة طاحنة تضرب الدولة، وحذروا من مغبة ازدياد الوضع سوءاً، فيما قالت لجنة التأهيل والإغاثة بجنوب السودان إن حوالى «2000» شخص وصلوا إلى جوبا في حالة إنسانية صعبة. وفي سياق ذلك قررت حكومة بحر الغزال تكوين لجنة للتحقيق في مقتل طلاب وإصابة آخرين بنيران الجيش الشعبي في تظاهرة سلمية، احتجاجاً على المنهج التعليمي وارتفاع معدلات التضخم وتفشي الفساد وانعدام الأمن، وكشفت برقية سرية رسمية بعث بها منسق الأممالمتحدة في جوبا ديفيد قريسلي إلى رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت تحذِّر من حدوث مجاعة بالولايات العشر بجمهورية جنوب السودان، وكان مبعوث الرئيس الأمريكي أسكود غرايشن قد عبّر «أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي، عن قلق بلاده الشديد من أن الجديد في جنوب السودان سيكون سفك الدماء الجماعي في الأعوام القليلة القادمة، مستدلاً بما أعلنه الآدميرال دينيس بلير مدير الاستخبارات القومي الذي قال فيه «إن من بين كل البلدان التي ستشهد مجازر واسعة النطاق في الأعوام الخمسة القادمة جنوب السودان الذي من المرجح أن تحدث فيه مذبحة جماعية جديدة أو إبادة جماعية» ولا شك أن هذه النماذج الصحفية التي تصور الأوضاع المأساوية في دولة الجنوب قطرة من بحر، ومن المتوقع أن تكون هذه التداعيات حاضرة في لقاء سلفا كير مع الرئيس البشير اليوم ويتوقع المراقبون أن تلقي بظلالها أيضاً على الأوضاع في كل من النيل الأزرق وجنوب كردفان وربما أبيي إذا أحسنت حكومة السودان استخدام أوراقها المؤثرة ببراعة ودون عواطف، وعندها فإن حكومة الجنوب ستخرج من الزنقة لكن ليس بيد عقار أو الحلو بل بيد حكومة الخرطوم ومزاجها وإلا فإن «زنقة زنقة» ستكون حاضرة وهو أمر لن تتحمله حكومة الجنوب وحدها لكن الملايين من الأبرياء هناك أيضاً.