أحالني الحديث وهو شجون يأخذ بعضه برقاب بعض إلى تلك السواقي أمام حلة فضيل ومنها ساقية النّقراب وهي ترسل وجدها الصادح الذي كان في شأن ارتباطها بالحياة والبذل والنجاح وصقل القدرات، موحى لشيخنا العلامة عبد الله الشيخ البشير شيخ شعراء السودان إلى إشعار آخر حين حدّث عن منابع شعره ومقوِّمات شاعريَّته الفذَّة حين قال: «إن تسألوني عن شعري أقُل لكمو يحكي انفعالي طوراً بعد أطوار ترنُّ في كل حرف منه ساقية جِرَارها الخُضر تغرفُ من أغوار أغواري «والجرار» التي عناها شيخ الشعراء هنا هي إشارة «للقواديس» أداة المناولة من «الأقنين» موضع تحضير الماء من «النيل إلى الساقية» فأضحت تلك الجرار «جمع جرة» خضراء لطول ما غرفت من أقنين نهر الحياة فاكتست بلون الطحالب المعروف. على تلكم الحالة كانت تجارب الحياة في صقلها لمهارة عميّ الزين ود النقر في كل شؤون الحياة التي أسلك على دروبها بأدقّ خصائص البيئة، كل أبنائه والبرّة الوهابة السيدة بت الزين قد تخرجت بتلك المدرسة فكانت في محيط القرية أمومة فيّاضة بالعطف والحنان في أخوّة وبنوّة وهي ترحم الصغير وتوقِّر الكبير ولا تمشي فوق العوج وبهدوء لا يعرف الصّخب إليه سبيلا في زهادة مدركة لما قال به حاج العاقب «الدنيا زايلة.. والله العظيم: يا اخواني مايلة».. حيث كان حراكها الدؤوب في دروب الحياة بين تلك المرابع، ملؤه بالفطرة والطّبع والتطبُّع «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي وممتاي لله ربّ العالمين» فكان التّداعي لوداعها وللعزاء فيها من كل مناطق السودان مع شهادة الناس لها بأنها قد كانت راعية لذمام السلف الواهب الصالح حيث كانت تقاليد العشيرة مرعيّة لديها. فكان التّداعي والوداع بسعة مساحات العشم في رحمة الله تعالى من أبواب «وجبتْ» بإذنه تعالى.. لم لا وقد كانت بين هاتيك المرابع وتلكم السواقي بمثابة امتداد مودود وممدود يبلغ عمر معناه مئات السنين بالاسم والمسمّى والسّمات باسم «الرازقية» وفرعيتهم الواهبة «النقراب» نسبة إلى جدهم الشيخ النقر الشهير بكنية «نقر الشول» ابن الشيخ بانقا بن الشيخ عبد الرازق أبوقرون حديد. ومنهم الشيخ صالح ودبانقا وباسمه المحطة المعروفة بالسكة حديد وطريق التحدي الخرطوم شندي فكانت السيدة بت الزين «موفورة النَّفل» النّقرابي وهي «تطعم الجمع ما أقاموا» في بيت الضيفان وتواصل الأرحام ونحسبها في ذلك العطاء الكاسب وفي ذّياك التميّز الواهب، نحسبها، على حال «هي بتدْرُشْ وقالت قضا»!! فلكم أطعمت من أهل نفير بساقية النقّراب وساقية فضيل. لكأنما كانت مثل «نخلة على الجدول» خلّدها ووثق لها عمنا الكاتب العالمي الطيب صالح في روايته المعروفة. تماماً مثلما كانت تجارب الزين ود النقر ومخاشنات دعابة عمنا. علي محمد النقر «الكنقار» وهي تشاجن ظلال النخيل في محضنه الأول بدار الأبواب وأصداء صمد الساقية العم أحمد أبو عَوّة وهو يحكي وبصوت روائي لكأنه يناغم صوت الطيب صالح وهو رجل قارئ امتزج حكيه مع مهارة الخبير الفلكي خاله وعديله الشاطر ود العوض الذي كان في تلك المرابع مثل د. صديق شداد الذي سبقه الشاطر ود العوض بزمان طويل في ذلك وصوته يجلجل بالمنازل والمواسم وهو على خبرة بمواقيت الزراعة، بزَّتْ خبراء الزراعة من الاكاديميين!! فظلّت السيدة بت الزين، عوناً لمن حملوا رايات هذا الكفاح المثمر وهم يسمِّدون قرير تلك السواقي بعرق الجبين تماماً مثلما ظل شقيقها الأكبر عبد الرازق الزين النقر بانقا متعهداً بالسّقاية والعناية والأُنس الرفيع. متعهداً لغرس والده وأجداده. ويقولون: «النَّخل يهلّل بالدعاء لغارسه» فيا «بخت ويا سعد بشير محمد أحمد إبراهيم وعميّ الزين وعمي أبو عوّة وعمي الحاج عجبان وهم يغرسون هذا النخيل بنيّة للغاشي وللماشي والناس عند النخيل والطير من فوقه ومن تحته في ترجمة حقيقية لما قال به إسماعيل حسن في بلادي أنا «حتى الطّير يجيها جعان من أطراف تقيها شبع» «والنخلة على الجدول» يماثلها حال السيدة «ونور المشارق» وهما بين الجروف تؤكدان إسهام المرأة في التنمية المستدامة وتحيلان مستقرئ حسن صنيعهما إلى قول محمد المهدي المجذوب في مقدمة «نار المجاذيب» وتُطعمنا الخلوة مغرب كل أربعاء. كرامة من بليلة اللُّوبياء المبارك وعيش الريف الحلال» أما قومها الذين توزّعوا السودان بالعلم والقرآن والقرى والتميُّز فهم في التفاني في حراسة مصارف الزكاة بحزم محمد الزين النقر الأمين الوقاف عليها وهم وهمو لا نزكيهم على الله الرّازقية والنقراب وهمو الذين ما ذكروا إلا وذكر «حوش بانقا» مسقط رأس ومنطلق حكيم الأمة السودانية الشيخ العبيد ود ريّا مع انتقال جذوات النار التي أوقدها من قبله بقرون، الجد الشيخ عبد الرازق أبوقرون حديد. والشيخ صغيرون ووالدته فاطمة بت جابر وسلمان ود العوضية وبدر وعبد الرازق النحلان ومن هنا كانت تلك الأسماء مثل نقر الشول وذلك الاسم والوسم البادرابي الذي امتد امتداد هؤلاء القوم إلى شرق النيل ألا وهو الشلخ «المدقاق أو ال T» الذي يسمونه ال «تي» ويقابله عند النساء مصدر التغني في أغنيات الطنابرة القديمة وحقيبة الفن فقد ورد في غناء الطنابرة في «الرَّميات التقيلة» «النّية مهيرة النّقا نظيرة قط ما اتلقى حواك الشيخ «بانقا» وعن فصْد «النّقرابي» وصدوره الأرجح عن منطقة «النقراب» قال ود الرّضي» شفنا الشلوخ واقفات غفرْ نقرابي من بينُنْ طفرْ قال لينا في عينكُن ضَفرْ والنقرابي لدى ابن ابنتهم عتيق المعتق آمنة بت عبد الرازق هو «الرشيم الأخضر في الخديد الأنضر» وعند صالح عبدالسيد «الرشيم والرّشمة الخدّرة: زي فريع في موية منضره» حيّا الله الرازقية والنقراب في أم ضبان. في صالح تاج الدين وابن البان وعشيرته وصالح الدكتور في الذهب واللواء طبيب البروف أبو القاسم النقر وعلي وأمير الترابلة بساقية النقراب وخريج وادي سيدنا الثانوية النقر عبد الرازق الزين النقر وكبيرهم الشيخ عبد الله النقر وإخوانهم وكل أهلنا الرازقية والنقراب في كل مكان ويرحم الله امرأة أوفر من نخلة.