أنا أعترف بأن هذا الموضوع شائك.. وأنا أتناوله لأول مرة.. ولسوف أكون حذراً جداً في تناولي له.. أولاً لحساسيته وثانياً لأن الخطأ فيه ضار ويؤثر على قطاعات كبيرة من الناس من الوطن العربي ومن العالم الإسلامي.. وثالثاً لأن التعميم ضار وغير علمي وأسباب أخرى كثيرة.. ولكن يجب أن يعترف الجميع بأن هناك مزالق خطرة في هذا الموضوع وأن الاعتراف به يجب أن يقيَّد بكثير من الضوابط. أولاً هناك اختلاف في النظر الى موضوع الجنسية أو الانتساب إلى دولة أو إلى مجموعة سكانية أو إلى عرق. فالدول المعاصرة التي كانت على مفاهيم الوطنية والقومية تولي موضوع الجنسية كثيراً من الاهتمام والعناية وتبحث عن حلول وقناعات وقيم نقف عندها ونلتزم بها والسبب الأول والأهم من ذلك أن الفلسفات التي تنطلق منها القوميات والوطنيات لا تحمل أحكاماً ولا قيماً ثابتة ولا مرجعيات متعلقة بالتجنس والانتماء السياسي والعرقي وبالرغم من أن أهل الأرض جميعاً متفقون على أن المولود ذكراً كان أو أنثى يُنسب إلى أبيه وفي دول الغرب تكون النسبة غالباً إلى الأسرة ما يسمى بآل Family name وهو غالباً اسم أسرة الأب أما الإسلام فقد حسم الأمر وقال «ادعوهم لآبائهم» ومع أن دول القوميات والنظرات الوطنية ما زالت تتناظر في اكتساب الجنسية وحول دور الأب ودور الأم في إعطاء الجنسية للمواليد الجدد إلا أن الإسلام لايجعل من الجنسية بهذا المفهوم الضيق قضية يدور حولها الخلاف.. فالحديث يقول «كلكم لآدم وآدم من تراب». ويقول تعالى: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» (التوبة). انظر إلى قوله: «وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا» مع ما ذكر من الآباء والأبناء والإخوان ولسبب ما أضرب عن ذكر النساء «الأمهات والخالات والأخوات» كل ذلك يدل دلالة واضحة علي النظرة المميزة والختلفة التي يتعامل بها الإسلام مع موضوع الجنسية. مهما حاول فلاسفة العصر وسياسيو العصر أن ينظِّروا في موضوع الجنسية إلا أننا نجده آخر الأمر مقترناً بالولاء.. الولاء السياسي في مجتمعات القومية والوطنية والعلمانية.. والولاء الديني في المجتمعات القائمة على الأديان والشرائع. إن الحصول على جنسية دولة ما لا بد أن تكون له أسباب ودواعٍ منها الاضطهاد.. والخوف على الحياة.. وطلب المعاش واتباع الزوجة أو الزوج أو الأبناء أو طلب الرزق ولكن الإسلام يقبل ذلك إن حدث ويسميه الهجرة وهي الفرار من الظلم.. ولكن يقيد ذلك بألا يكون ذلك عوضاً عن اتباع أمر الله ورسوله والاستعاضة بذلك الحب عن حبهما وولائهما. وأنا أقول منذ البداية إن نفسي تكره كراهة شديدة الهجرة والاستيطان في بلاد غير بلاد الإسلام إلا في طلب العلم الضروري أو في طلب الملجأ المؤقت إلى حين انكشاف الغمة وزوال الابتلاء والفتنة، ثم يعود الإنسان إلى بلده المسلم ويتابع عيشه وجهاده. أما الاستيطان ومغادرة الأوطان واصطحاب الأزواج والزوجات والأبناء والبنات والإخوان والأخوات إلى استراليا وينوزيلندا أو النرويج أو كندا فهذا ما لا أرضاه ولا يقره عقل ولا تدعو إليه حاجة، زيادة على ما فيه من مخاطر، إلا إذا كان المهاجر داعية يأمن على دينه أن يتأثر أو أن يفنى وتناله أساليب الغواية. إن المهاجر إلى بلد غير بلاد الإسلام لابد أن يكنَّ لذلك البلد قدراً من الحب وقدراً من الولاء ينتزعه انتزاعاً من حبه وولائه لداره التي شبّ فيها وترعرع.. وليس ذلك لهذا السبب وحده ولكن لأنها دار إسلام والتي هاجر إليها دار كفر.