كشف كتاب (إم آي 6 تاريخ جهاز الاستخبارات السرية من 1909م إلى 1949م) لمؤلفه البروفيسور (كيث جيفري ) الذي وقع اختيار قيادة الجهاز عليه لتكليفه بمهمة تأليف الكتاب الذي صدر متزامنًا مع العيد المئوي لجهاز الاستخبارات البريطاني يروي جانباً كبيراً من سيرة الجهاز خلال النصف الأول من القرن الماضي عن أن عدداً من مشاهير الأدباء البريطانيين مثل (غراهام غرين) و(آرثور رانسوم) و(سومرسيت موم) و(كومبتون ماكنزي) و(مالكوم موغيريدج) والفيلسوف (أ ج فريدي آيار) وغيرهم من الذين حظوا بشهرة عالمية وترجمت أعمالهم للغات عديدة أو جرى تصويرها في أفلام من جانب هوليوود أو صناعة السينما البريطانية، كانوا جواسيس لجهاز الاستخبارات البريطاني الخارجي (إم آي 6).. ويأتي هذا الكشف ليثير مجدداً الجدل الذي أثير على الساحة الأدبية في بريطانيا وفي العالم بعد الكشف في عقد التسعينيات الماضي عن أن الروائي الإنجليزي الشهير( جورج أوريل) كان هو الآخر عميلاً لجهاز الاستخبارات البريطاني الداخلي «إم آي 5»، واستخدمت روايته (مزرعة الحيوانات) كأداة لمحاربة الشيوعية، حيث ترجمت خلال الحرب الباردة إلى عدد كبير من لغات العالم وأنتجت منها مسرحيات ومسلسلات إذاعية بثت بلغات مختلفة للتحريض ضد الاتحاد السوفيتي. ومما يُشار أن روائيين أمثال (غرين ) و(ماكنزي) و(موغيريدج) استخدموا في رواياتهم مواداً عديدة مصدرها العمل التجسسي الذي قاموا به، مما أضفى على أعمالهم صبغة واقعية، ذكر البروفيسور (جيفري) في كتابه أن المهمات التي كلف بها أولئك الأدباء كانت خطيرة لدرجة جعلت حياتهم مهددة، الأمر الذي اقتضى تدريبهم تدريباً جيداً وتزويدهم بأسلحة للدفاع عن النفس، مؤكداً أن أوامر واضحة مشددة وجهت لهم في الوقت ذاته بأنهم (ليسوا مخولين بالقتل)، على عكس شخصية الجاسوس الإنجليزي ( جيمس بوند) التي خلدها (إيان فليمنغ) في سلسلة الأفلام التي تحمل اسم (العميل 007). وكشف البروفيسور جيفري في الكتاب الجديد أن فليمنغ ذاته قد استقى معلوماته حول عمل الجواسيس من صديقه الشخصي (ويلفريد داندرديل) الملقب باسم (بيفي) الذي عمل لفترة طويلة في باريس جاسوساً ل (إم آي 6) واشتهر بحبه للسيارات السريعة ومقدرته على إغواء النساء الجميلات إلى أبعد الحدود. بدايات دخلت الجاسوسية عالم الأدب في القرن التاسع عشر، إثر الفضيحة السياسية الخاصة بالضابط الفرنسي (دريفوس)، التي تابع الشعب أحداثها بشغف كبير من عام (1800م إلى 1890م)، ما لفت انتباه الكتاب والناشرين؛ إلا أن هذا الجنس لم يرق إلى مصاف الأدب إلا بعد الحرب العالمية الثانية وبقيت ساحة أدب الجاسوسية حكراً على الكُتاب البريطانيين زمناً طويلاً، وأبرز من كتبوا في هذا الإطار عملوا خلال مرحلة من حياتهم كجواسيس لبلدهم أو عملاء مزدوجين.. فسومرست موم ولد «23 يناير عام 1874م» في مرسيليا بفرنسا، يتيماً. وعاش حياة اليتم في كنف عمه ببريطانيا وعانى كثيراً في المدرسة الداخلية ليخرج منها بعاهة (التأتأة) التي بقيت معه حتى وفاته. وعندما كان فى السادسة عشرة، ألح موم على السفر إلى ألمانيا وهناك درس الأدب والفلسفة وعاد بعد عام واحد، رافضاً السير على خطى عائلته في المحاماة، وكان الحل الأخير دراسته للطب في لندن. وكان منذ طفولته يكتب ويدون مذكراته. وبعد حصوله على شهادة التخرج كطبيب عام «1897م» نشر كتابه الثاني (ليزا من لامبيث) أو (الخاطئة)، الذي حقق له شهرة واسعة ساعدته على اتخاذ القرار في التفرغ للكتابة. ومع بدء الحرب العالمية الأولى «1914م» عمل مع مجموعة من الكتاب (23 كاتباً) في الصليب البريطاني الأحمر، وعرفوا باسم (سائقو سيارة الإسعاف الأدباء). وخلال تلك الفترة أنجز رواية ثانية دفعته للعودة إلى بريطانيا، ليتعاون بعدها مع المخابرات البريطانية عام «1915م» كعميل لها في سويسرا حيث كان يساعد في مرور وتهريب الجواسيس تحت ستار مهنته كأديب. وقد سخّر موم عمله في الجاسوسية لصالح الكتابة، حيث حول تجاربه إلى مجموعة قصص قصيرة بطلها (آشندين ) الجاسوس الذي يتصف بالنبل والانعزالية والتي نشرت عام «1928م»، وقد ألهمت قصصه العديد من الكتاب من ضمنهم إيان فليمينغ الذي استوحى من آشندين شخصية جيمس بوند الشهيرة. أما غراهام غرين غرين الروائي والصحافي فقد تعاون مع المخابرات البريطانية أو مكتب (إم 16)، مع اندلاع الحرب العالمية الثانية وكان رئيسه المباشر الجاسوس والعميل المزدوج كيم فيلبي. وقد ساعده حبه للسفر والمغامرة والمخاطر على القيام بمهامه في العديد من البلدان ليستقيل من دوره التجسسي عام «1944م»... وما يحسب لغرين الذي ولد في «2 أكتوبر 1904م» بهيرثفوردشاير أنه رفع في رواياته من قدر الجاسوس الذي يخدم بلده. ومن أشهر أعماله في هذا الإطار نص سيناريو فيلم (الرجل الثالث) الذي عرض عام «1949م»، ورواية (الأميركي الهادئ) التي نشرت عام «1955م» و(عميلنا في هافانا) التي نشرت عام «1958م». نشر غرين روايته (عميلنا في هافانا) بعد عودته من رحلته إلى كوبا. توفي غرين عام «1991» في سويسرا، حيث أمضى بقية حياته، ويعتبر من الكُتاب القلائل الذين استطاعوا الجمع بين نخبوية الأدب وشعبية الأحداث التي تملك عنصر التشويق والترفيه. أدب عربي الكاتب المصري نبيل فاروق يعتبر أشهر روائي عربي في أدب الجاسوسية والخيال العلمي، له مجموعة ضخمة من القصص الموجهة أساسًا للشباب، يقرأ له الكثير من المراهقين والشباب العرب، يقدم عدة سلاسل قصصية من أشهرها ملف المستقبل، ورجل المستحيل، وكوكتيل (2000) التقى فاروق السيد (أ.ص)، الشخصية الأسطورية في جهاز المخابرات المصري، والبطل الذي كان الدكتور نبيل فاروق يبحث عنه، والذي استوحى واقتبس منه شخصية (أدهم صبري) في سلسلة رجل المستحيل، السلسلة التي سلبت كيان وقلوب الشباب والشابات، فحطمت الأرقام القياسية في المبيعات وعرفت نجاحاً منقطع النظير من الخليج إلى المحيط. وترددت عبر عقود من (أدب الجاسوسية)، أسماء عدد من الشخصيات التي ساهمت في كتابة تاريخ ملفات المخابرات المصرية.. سلباً أو إيجاباً؛ ورغم كل ما أعلن إلى الوجود عربياً عبْر هذا النوع من الأدب، لم يحظ جاسوس، بقدر كبير من الاهتمام والشهرة، المحلية والعالمية، ملثما حدث مع (رفعت علي سليمان الجمَّال) المصري، الذي وصف في بداياته بأنه أقرب إلى (المحتال)، منه إلى رجل الأعمال. مع كل ما يجيده من مهارات وخبرات، وقدرة مدهشة على اجتذاب من حوله، والتأثير فيهم، وإقناعهم بما في ذهنه.. وتحوَّلت القصة إلى دراما تلفزيونية استحوذت على عقول الملايين، في العالم العربي. كما أثارت جدلاً طويلاً.. محلياً وإقليمياً. وحوى كتاب (18 عاماً خداعاً لإسرائيل قصة الجاسوس المصري رفعت الجمَّال)، الصادر عن مركز الترجمة والنشر بالأهرام، (1994م) فصلاً كاملاً، كتبه (رفعت الجمَّال) بنفسه يحكي عن قصة حياته. والكتاب في مجمله مذكرات كتبتها (فلتراود هاينريتش شبالت)، التي عُرفت فيما بعد باسم (فلتراود بيتون)، أرملة (جاك بيتون). وهو ذلك الاسم، الذي عُرف به (رفعت الجمَّال)، منذ تحوَّل إلى هوية يهودية، والذي حمله في (إسرائيل)، وفي (ألمانيا) رسمياً، حتى لحظة وفاته.