شهد العام «1949م» تأسيس أوركسترا الإذاعة السودانية بشكلها الحديث والذي كان من ضمن نجاحاتها وجود عدد من الأعمال الموسيقية الخالدة في الذاكرة فضلاً عن مشاركتها الواضحة خلف كل عمل موسيقي جديد. برزت أسماء خالدة في تلك الفترة فكان روادها الأوائل أحمد حامد النقر - وحسن خواض - وهبة حسين جاد السيد وبدر التهامي. ظلت هذه الفرقة تقدم إبداعات عبر مصاحبة الفنانين في تنفيذ أعمالهم الغنائية عبر الأثير الإذاعي والحفلات الخاصة والعامة. تلاحقت أجيال أخرى داخل هذه الأوركسترا فشهد العام «1962م» بزوغ نجم الشبل المعجزة حمزه سعيد والذي حين ظهوره كان مثار استغراب الكل لسببين: الأول: صغر سنه وموهبته الفذة في العزف على الكمان. الثاني: اقتناع رئيس الأوركسترا الأستاذ علاء الدين حمزة به وبقدراته مما جعله أسرع العازفين الدالفين للإذاعة وأصغرهم سنًا. كان مدهشًا للجميع أن تثق فيه إدارة الأوركسترا الإذاعية فأصبح جالسًا من خلف جميع الفنانين في تنفيذ أعمالهم الغنائية. أثبت المبدع حمزة سعيد مقدرة فائقة على تنفيذ الجمل الموسيقية بآلة الكمان وأصبح أحد أهم أعمدة الأوركسترا في زمن كان العمالقة من الرواد الأوائل يسيطرون على دفتها. جاءت بدايات مبدعنا حمزة سعيد في فترة دراسة المرحلة المتوسطة بالخرطوم تبشر بمولده الفني فكان دائم المشاركة في احتفالات المدرسة بآلة الكمان حتى تعلق بها منذ صغره ساعده في ذلك وجوده بحي السجانة الذي كان يضم أساطين الطرب والغناء والموسيقا. عبد الحميد يوسف، فتاح الله جابو، حسن سليمان الهاوي، عثمان حسين، وغيرهم. شكلت كذلك حراكات الحي العريق الاجتماعية مدخلاً للقاءات كثيرة بتلك الرموز ومتابعتها عبر البروفات والحفلات داخل الحي. فأصبح أحد المستفيدين من هذا الجو. رغمًا عن صغر سنه وقلة مخزونه المعرفي في الموسيقا إلا أنه أثبت الكثير من الجدية التي ظهرت من خلال تعلقه بآلة الكمان التي لم تفارقه طوال اليوم. حين عمل فطاحلة الموسيقا استفاد من توجيهات كل من بدر التهامي وحسن خواض اللذين أمسكا يده وكانا له خير عون. وهو في هذا المنحنى لا ينسى فضلهما عليه. بالتلفزيون وحين ظهوره في «1963م» كان واحدًا من العشرة الأوائل الذين عملوا مع الفنانين الذين ظهروا به وهم حسن عطية وعثمان حسين وعبد الحميد يوسف. وظل حتى الآن مشاركًا مع الفنانين على الشاشة فيما بعد أقدم الموسيقيين الموجودين الآن الذين ظهروا بالتلفزيون. كذلك هو أصغر من رأس بعثة فنية في تاريخ البعثات الفنية والرحلات الخارجية وذلك بإثيوبيا في العام 1962م وعمره حينها عشرون عامًا. حين ظهور أغنية الطير المهاجر في العام «1963م» كان له فضل المشاركة في ظهورها بأسمرا مع الفنان محمد وردي. كذلك تعتبر مشاركته في الترفيه عن الجنود السودانيين بسيناء في العام «1968م» برفقة الفنانين عبد العظيم حركة ومحمد وردي هي من أجمل الرحلات التي قام برئاستها. ظل الموسيقار حمزة سعيداً جالساً خلف أغلب التراث الغنائي بالإذاعة والتلفزيون حتى بواكير العام 2009م، حيث اشتدت عليه العلة وبقي في منزله حتى توفي في مارس الماضي.. عليه الرحمة.