تحرير أب كرشولا أهلي وعشيرتي كان ضربة قاصمة لمشروع قرنق وأولاده من بعده باقان وعرمان والحلو وعقار وعبد الواحد ومناوي.. ذلك المشروع الذي كان ولا يزال يسعى لاحتلال واستعمار السودان وليس تحريره كما يزعم من سمَّوا حركتهم باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان.. تحرير أب كرشولا كان لطمة موجعة لا تقل عن ضربات كثيرة أنزلها الله بهؤلاء الأوباش رحمةً بهذا الشعب المرحوم بدءاً من مصرع الهالك قرنق حينما خرَّ من السماء فتخطفته الطير وهوت به الريح في مكان سحيق. إنها عودة الروح إلى الأمة.. تلك الروح التي خبت حتى كادت أن (تفطس) جراء علو صوت دعاة ثقافة الاستسلام الذين ملأوا الصحافة والإعلام المسموع والمرئي.. لقد ظلَّ هؤلاء الخوَّارون يملأون الدنيا ضجيجاً وزعيقًا بحثا عن سلام ذليل يُخضع هذه البلاد إلى أعدائها رغم أن العدو يحتل أرضهم ويستحيي نساءهم ويقتل أبناءهم.. لم يتعلموا من كل ما جرَّته علينا نيفاشا من خزي وهزيمة ولا من كل الانكسارات والانبطاحات التي أعقبتها في موائد التفاوض المهين.. كانوا يصفون دعاة تحرير الأرض من الأعداء بدعاة الحرب وروَّجوا لهذه الكذبة حتى صدَّقها كثيرٌ من الناس الذين ما كانوا يدرون أن هؤلاء يشنُّون الحرب على قرآن ربِّهم وهو يزأر: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ).. نعم يشنون الحرب على قرآن ربهم وهو يستنفر المؤمنين ويحذرهم من الانبطاح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ).. كانوا يصفوننا بدعاة الحرب وكأنهم يقصدون قرآن ربهم وهو يحث رسوله صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) ويدعو المؤمنين الى قتال أعداء الله (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ). كنتُ أعجب والله لماذا يُصِرُّ المستسلمون على بث روح الانهزام بدلاً من أن يصمتوا على الأقل إن لم يكونوا قادرين على طلب العزة لأمتهم ووطنهم وشعبهم.. كنتُ أعجب لماذا يسلك هؤلاء الخوَّارون هذا السلوك المهين وهم يعلمون أن دويلة الجنوب الوليدة تتحرَّش ببلادهم العريقة وتحتل من خلال عملائها أرضَهم بل وترى المحتلين أكثر حرصًا على بذل أرواحهم رغم أن القرآن الكريم يحرِّضهم ويذكِّرهم (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ). عادت أب كرشولا وأعادت الروح إلى الأمة بل وأعادت إرادة الصمود والقتال والتحدي إلى خطابنا السياسي والإعلامي بعد أن كنا نُدير خدَّنا الأيسر كلَّما لُطِمنا على الأيمن. لقد أعلن الرئيس البشير بخطاب مليء بالعزَّة عقب تحرير أب كرشولا.. (أُعلنها بوضوح وبصورة نهائية: لن نتفاوض مرة أخرى مع أي خائن أو عميل أو مرتزق ولن نعترف بقطاع الشمال)، ثم قال ما انتظرناه طويلاً موجهًا خطابه إلى دولة الجنوب التي ظلت تدعم التمرد على السودان: (كل الاتفاقيات ستكون ملغية إذا لم يلتزموا بتنفيذ كل الاتفاقيات وإذا لم يُوقفوا دعمهم للمتمردين بترولهم ده يشربوه). إنها اللغة التي يفهمها ويتعامل بها كل العالم.. أمَّا (التحنيس) فإنه لا يُجدي بعد أن جرَّبناه طويلاً مع الجنوب.. الرئيس البشير يزور جوبا وقبل أن تبرد ماكينة طائرته عقب عودته تحتل القوات العميلة لجوبا مدينة أب كرشولا وتصل حتى أم روابة وبدلاً من أن يزورنا مبعوث من سلفا كير ليخفِّف ما ألحقه عملاؤه بنا يتحرَّك مبعوثونا (وزير الخارجية ومدير جهاز الأمن) لإثبات أنَّ جوبا دعمت من احتلوا أرضنا وهل بربِّكم تحتاج جوبا إلى إقناعها بما فعلته وتفعله بنا؟! عندما وُقِّعت الاتفاقيات مع دولة الجنوب في سبتمبر الماضي كان فك الارتباط بين جوبا وعملائها من قطاع الشمال أحد الشروط التي أصرَّت عليها الحكومة لكنها سرعان ما رضخت تحت وابل من الضغوط الخارجيَّة والمحليَّة خاصة من صحافة الغفلة فهل كسبنا من تراجعنا أم أننا عضضنا أصابع الندم؟! اليوم تعود روح توريت قبل نيفاشا عندما أوقفنا التفاوض إلى أن حرَّرناها من قبضة الغدَّار المخادع اللئيم قرنق ويخنس صوت عرمان والحلو وعقار الذين أرادوا بغزوهم أب كرشولا قُبيل الخريف أن تظل في قبضتهم ويُملوا شروطهم في مفاوضات أديس أبابا فالحمد لله رب العالمين.