{ يمكن أن يقف السودان مع مصر في قضايا مياه النيل لاعتبار أن الأمن المائي مصير مشترك بينهما. ويبقى وقوف السودان مع مصر في هذه القضايا المهمة جداً بعد الثورة المصرية والتحول الديمقراطي هناك وانفصال جنوب السودان هنا أمراً أكثر ضرورة مما كان قبل كل هذه التطورات. قبل هذه التطورات كان هناك اتهام موجه إلى مصر بأنها في عهد محمد حسني مبارك كانت ترى أن استمرار الحرب في السودان وارتفاع فاتورتها في كل يوم من شأنه أن يوفّر لمصر مزيداً من مياه النيل من حصة السودان باعتباره مشغول بالقضية الأمنية عن القضايا الاقتصادية. لكن وقوف السودان مع مصر لا بد أن يكون في الأمور الواقعية في ملف مياه النيل، فمثلاً ما سيؤدي إلى التأثير على نصيب الدولتين من المياه لا بد أن يقف فيه السودان مع مصر بقوة، لإخضاعه للدراسة الدقيقة من قبل الخبراء في هذا المجال. إن القوى السياسية المصرية أطلقت تصريحات مختلفة ومتنوعة كرد فعل لانطلاقة مشروع سد النهضة الإثيوبي «سد الألفية الثالثة».. فهناك مسؤولون مصريون متطرفون حرضوا الرئيس المصري الذي يتصف بالرزانة ورجاحة العقل حرضوه على القيام بتدمير ونسف السد الإثيوبي بمساعدة القوات الخاصة المصرية، وهذا بالطبع يبقى عملاً أحمقاً لن يوافق عليه رئيس منضبط مثل مرسي ولن يكون هذا المسلك هو الحل لمشكلة يشعر بها الإخوة في مصر جرَّاء قيام سد على نهر النيل الأزرق في دولة المنبع. أما رئيس حزب النور السلفي السيد يونس مخيون فكأنه يريد تسويق قضية مرتبطة بالوجدان المسلم، فقد كان رد فعله لبناء سد النهضة الإثيوبي هو أن تدعم مصر المتمردين في حربهم مع حكومة إثيوبيا وهم جبهة تحرير أورومو. ومعلوم أن الأورومو هناك قبيلة مسلمة وكبيرة الحجم. وكذلك دعم جبهة تحرير أوغادين. وهناك من قال أيضاً بأن تكون الاستعانة بالمخابرات المصرية لهدم أي سد يقام إذا كان فيه خطورة محققة على مصر. وهنا سؤال: هل سد النهضة تأكد أن فيه خطورة محققة على مصر؟! أم أن هذه التهديدات وقائية؟!لكن الأغرب في الأمر هو أن هناك من انتقد موقف السودان بعد تعديله على الفور. فكان أول تصريح من مسؤول سوداني حول تنفيذ تغيير مجرى النيل الأزرق لبناء سد النهضة هو ما أطلقه سفير جمهورية السودان في مصر ومندوبها لدى الجامعة العربية السيد كمال حسن علي حيث قال بأن تنفيذ مشروع السد «صادم». لكن وزارة الخارجية السودانية نفت ما نسب إلى السفير وقالت إن المشروع لا يضر بحصتي السودان ومصر من مياه النيل وأشارت إلى التنسيق داخل اللجنة الثلاثية المكونة من السودان ومصر وإثيوبيا وهي دول المنبع والممر والمصب للنيل الأزرق. فقد قال رئيس حزب غد الثورة المصري السيد أيمن نور في لقاء جمع القوى السياسية بالرئيس مرسي قال: إن موقف السودان من سد النهضة «مقرف».. وقال إنه موقف هو أقل بكثير جداً مما كان ينبغي. لكن هل بالفعل وقف السودان موقفاً سلبياً بالنسبة لمصر من قيام سد النهضة؟!.. إن حكومة مرسي نحسبها فطنة وكيّسة وإنها تواجه معارضة قبيحة ظالمة تنطلق من أحقاد على المشروع السياسي الإسلامي الذي تعتبره أسوأ من مشروع السد الإثيوبي كما يبدو لكن الحقيقة هي أن السودان لا يحمل الأطماع والأوهام التي تحملها الدولة العميقة في مصر إضافة إلى القوى الجديدة هناك طبعاً باستثناء حزب النور الذي يشير موقفه آنف الذكر إلى ضرورة الاتجاه إلى تغيير سياسي في إثيوبيا لصالح الأغلبية المسلمة هناك حتى يأتي نظام إثيوبي لا تنطلي عليه المؤامرات الإثيوبية أو لا يتجاوب معها ضد مصلحة المسلمين المائية إن هو استوعبها. إن موقف السودان منصف وليس مقرف.. وعلى الأقل يؤكد هذا رضاء السودان من التحول الديمقراطي في مصر الذي جاء على أنقاض النظام الذي كان يعادي السودان ويتآمر عليه سراً وكان يغطي كل هذا بابتسامات النفاق.