في الحقيقة تبقى زيارة سلفا كير رئيس دولة جنوب السودان لا علاقة لها من جانب الحركة الشعبية بتطبيع علاقات دبلوماسية حسنة بين الدولتين القديمة والجديدة، فهي لا تعدو أن تكون مثل زيارة معمر القذافي للسودان أيام حكمه، فالقذافي كان يجد الاستقبال الحار من حكومات الخرطوم، وفي نفس الوقت لم يتورع عن دعم التمرد في الجنوب والغرب آنذاك، وكان المؤسف جداً أن الحكومة هنا في الخرطوم لم تسمح بانتقاد ازدواجيته في التعامل مع البلاد، بتقدير أنها تأمل في أن يتراجع عن عدوانه السري المفضوح، أو قل غير المعلن، لكن الحقيقة هي أن سلوك القذافي العدواني لم يكن فقط ضد السودان فإن برنامج سياسة نظامه الخارجية كان يقوم على دعم الحركات المتمردة في دول كثيرة ويقوم أيضاً على تصفية الخصوم باستهدافهم في متون الطائرات أو الفنادق أو المقاهي أو حينما يزورون طرابلس أو يقوم بشرائهم، فهل كانت حكومة الخرطوم تخشى يا ترى من شره!؟. المهم في الأمر هو أن زيارة سلفا كير لا بأس أن تجد من الخرطوم التعامل بالعرف الدبلوماسي، مع أن الصحيح هو أن تكون مرفوضة حتى تقوم حكومة جوبا بما يقتضي إقامة علاقات دبلوماسية لا يكون من ورائها ما كان وراء العلاقات الدبلوماسية بين السودان وليبيا أيام القذافي، أي أن تتوقف تماماً مما ينسف الاستقرار في جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي وجنوب دارفور، تفعل كما فعل الرئيس التشادي إدريس دبي حينما اتخذ موقفاً جيداً حيال حركة العدل والمساواة لصالح علاقات السودان وتشاد والشعبين فيهما، وهذا واجبه بوصفه رئيسًا لبلاده، وإن لم يقم بهذا الواجب فسيلاقي مصير القذافي، ونفس الحال يمكن أن ينطبق على سلفا كير خاصة بعد تصاعد موجة الاحتجاجات هناك وسط المواطنين ومن بينهم حتى طلاب المدارس وهم أحداث، وكانت شعاراتهم تندِّد بغلاء الأسعار وهذا يعني أن النظام المالي هناك يعاني من شح العملة الأجنبية رغم عائدات النفط، وبعد ذلك يكون السؤال أين تذهب أموال خزينة الشعب؟ هل الى دعم وتمويل حركات التمرد في جمهورية السودان؟! وهل دعمها أولى من دعم شعب الجنوب الذي شجعته الحركة الشعبية على أن ينفصل؟!. اذن هي قد حبسته في سجن كبير وحوّلت أمواله لبرنامجها العدواني، فلم تطعمه بأمواله ولم تتركه يأكل من خشاش أرض جمهورية السودان. ولكي تكون زيارة سلفا كير لصالح شعبه بالدرجة الأولى كما هو مفترض، فلا بد أن يكون من ثمارها أن يحذو حذو إدريس دبي وليس القذافي، ولا بد أن يكون حصاد هذه الزيارة في غير صالح التمرد العسكري والسياسي الذي يقوده ضد البلاد الحلو وعقار وعرمان. ولكي تكون هذه المناسبة لكسب ثقة وود أبناء النوبة لا بد أيضاً من اطلاق سراح ابنهم وحبيبهم الذي طالما ناضل من أجلهم اللواء تلفون كوكو أبو جلحة. أما استكمال مناقشة الملفات العالقة فيمكن أن يكون في أي عاصمة أخرى وليس بالضرورة هنا ولم تكن مفاوضات السلام هنا بل كانت في نيروبي وأديس أبابا وأبوجا. فيتو للبعث لا بد أن تدخل روسيا والصين بالفيتو لصالح استمرار نظام حزب البعث في دمشق قد أثار استياء معظم الشعب السوري، وهذا رد فعل محتوم طبعاً بالنظر إلى تطورات القمع الحكومي في سوريا بالسلاح ضد مواطنين عزل غير مسلحين، بل وحتى حكومة أردوغان في تركيا قد اصابها هذا الاستياء لدرجة أن أعلنت ترحيبها باستضافة مجلس وطني سوري على غرار المجلس الانتقالي الليبي. لكن هناك ما يدعو الى عدم التسرع في الحكم على الأمور. فمثلاً إذا وافق مجلس الأمن على عملية التدخل، فهذا لا يعني بالضرورة انتشال نظام حزب البعث بعملية ذكية جداً لا تكون معها خسائر ملازمة في صفوف المواطنين بخلاف ما حدث في أفغانستان والعراق.. وربما تتحول النيران ضد الشعب السوري من يد نظام البعث إلى يد القوات الأجنبية، وهذا واحد من حيث النتيجة، وإذا كانت روسيا والصين قد رفضتا الرغبة الأمريكية لهذا السبب فتكونان محقتين، وتبقى المصيبة ويبقى العار عليهما إن كان السبب غير هذا، لأنه يعني قبول استمرار المآسي ضد شعب سوريا، ولعل هذه المآسي هي التي دفعت أردوغان الى أن يستضيف مجلس وطني سوري لإنقاذ الشعب السوري من براثن حزب البعث الذي أسسه ميشيل عفلق وتدعمه وهو في الحكم وما زالت بعض الدول التي تدعي مناهضة سياسة واشنطن. قمة النفاق السياسي الذي ينطلي على السذج. وتبقى إذًا الصيغة المعقولة وذات المعادلة الجيدة هي خطوة اردوغان رئيس الوزراء التركي التي أعلن عنها بعد أن أفشل الفيتو الروسي والصيني مشروع قرار انقاذ الشعب السوري لكن على الطريقة الأمريكية. وأردوغان الذي يتحمس هذه الأيام لإنقاذ شعب الصومال من المجاعة وتدهور الحد الأدنى من أسباب الحياة لا غرابة في أن يتحمس أيضاً لإنقاذ الشعب السوري من نيران حزب البعث «النصيري»، الذي يستغله أصحاب السياسات الطائفية من خارج سوريا لتحقيق أجنداتهم المعاكسة لاتجاه أكثر من 99% من المسلمين.. وحتى فيتو روسيا والصين قد لا يجد الاحترام من واشنطن، فقد احتلت أمريكا العراق من غير رضا الأممالمتحدة بعد أن استجابت إدارة بوش لطموح أحمد الجلبي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي والحكيم وكلهم تجمعهم طائفة واحدة نسبتها أقل من واحد بالمائة »1%« بين المسلمين - ترى لماذا ضربت واشنطن بموقف الأممالمتحدة من احتلال العراق عرض الحائط واستجابت لهذه العصابة؟! فهذي بتلك يا معسكر «الممانعة» المزعومة. إذن لا واشنطن ولا روسيا والصين يهمهم الشعب السوري مثلما يهم رجب أردوغان، ولن تقدم له مثلما سيقدم هو. اذن اتركوا قضية سوريا وشعبها لأردوغان.