٭ لم تكن المحاولة الانقلابية آخر الأسبوع الماضي في جوبا وفي هذا الوقت بالذات تحمل عنصر مفاجأة، وإذا كانت قد فشلت فإن المتوقع كان نجاحها باعتبار أن الأجواء هناك مهيأة لذلك تماماً، فنشاط الثوار منذ قبل إعلان الدولة الجديدة في جنوب السودان، وظاهرة انشقاق مجموعات كبيرة من الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية الحاكمة في جوبا والذي هو الآن جيش الدولة، والمنهج السياسي الغريب والمريب الذي أخذت تتعامل به حكومة جوبا في الداخل والخارج وإهمال الجوانب الأساسية لحياة الشعب الجنوبي مثل الأمن الداخلي والخدمات الصحية والتعليمية والنظام المعيشي والتنمية في المدن والريف، ثم إضافة إلى ذلك الانتحار الاقتصادي المتمثل في قرار وقف إنتاج النفط، وفي ذات الوقت دعم وتمويل حركات تمرد أجنبية بالنسبة للشعب الجنوبي هي حركات دارفور والحلو في جنوب كردفان وعقار في النيل الأزرق، كل هذا لابد أن يُهييء الأجواء في الدولة الوليدة لحركة تغيير مُلحَّة سواء بانتفاضة شعبية أو انقلاب أو اكتساح بواسطة قوات الثوار التي انشقت أصلاً من الجيش الشعبي. وإذا كانت دولتا مالي وغينيا بيساو قد شهدتا مؤخراً وقوع انقلابين فيهما، فمهما كانت دوافعهما ومبرراتهما، فهي لا تضاهي ولا تقارن بالدوافع والمبررات التي تقف وراء الرغبة في تغيير الحكم بدولة جنوب السودان. إن وقوع انقلاب في جوبا سيكون وراءه أقوى الدوافع والأسباب والمبررات على الإطلاق. وإذا كانت الأممالمتحدة مثلاً أو واشنطن قد تحمست لتغيير الحكم في أفغانستان عام 2002م لصالح الشعب الأفغاني كما تدعي وليس من أجل نفط بحر قزوين وإذا كانت تحمست أيضاً لتغيير الحكم في العراق من أجل الشعب العراقي وليس لصالح أمن إسرائيل، فإن شعب دولة جنوب السودان يبقى الآن هو الأولى أن يكون التغيير لصالحه من شعبي أفغانستان والعراق لكن للأسف أن بقاء الحركة الشعبية في الحكم هو الذي يحقق المصلحة للولايات المتحدة وإسرائيل. ففي دولة جنوب السودان الآن الأمر يختلف مما كان في أفغانستان والعراق. ولذلك ليس أمام شعب الجنوب المقهور إلا استدعاء إرادة الشعب العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا، أي استدعاء الربيع العربي بنكهة ثورية إفريقية. والسودان نفسه يبقى صاحب مصلحة كبيرة في أي تغيير في جوبا، وهي نفس المصلحة التي اكتسبها من الربيع العربي في ليبيا، وواضح جداً أن سلفا كير وجماعته أسوأ من القذافي وجماعته. والتغيير في ليبيا جاء برداً وسلاماً على أمن واستقرار دارفور من الناحية الشمالية، ولابد أن يكون التغيير في جنوب السودان كذلك من الناحية الجنوبية لدارفور.. وقد تعرضت منطقة أم دافوق قبل أيام لعدوان من المتمردين الذين انطلقوا من معسكراتهم وملاذاتهم في دولة جنوب السودان. نعم فشلت المحاولة الانقلابية وهذا لا يعني عدم تكرارها مع الاستفادة من الأخطاء التي صاحبت الأولى، لكن بين الأولى والثانية هل ستقوم الحركة الشعبية بمراجعات شاملة لمنهجها السياسي كما فعلت من قبل دولة تشاد التي تنعم الآن بثمار مراجعاتها وحسن جوارها مع السودان أم أنها أي الحركة الشعبية ستستمر سادرة في غيِّها وتكرر نموذج القذافي وجماعته في الغرور والعجرفة مع عدم الذكاء السياسي؟!. هل سيكون سلفا كير هو فرعون دولة جنوب السودان؟!. ألا يستحي من حكومة جنوب إفريقيا الوطنية التي طالما أوحت إليها حركته بأن النموذج العنصري في جنوب إفريقيا يتكرر في السودان؟! ومن الذي قدم النموذج العنصري في جنوب إفريقيا؟!. أليست هي بريطانيا التي يحبها ويعبدها قادة الحركة الشعبية بمن فيهم أكابر المخذلين مثل منصور خالد وياسر عرمان؟! هل يستحي سلفا كير من الدول الإفريقية كلها وهو يهلك الحرث والنسل في دولة شعبه؟! لكن لماذا لا تسأل هذه الدول الإفريقية خاصة جنوب افريقيا سلفا كير عما يفعله بشعبه من تجويع وتجهيل وأمراض وأكثر من ذلك يعطل إنتاج نفطه بعد أن كان يشكو من اضطهاد مزعوم من «الجلابة» ضد شعبه؟! هل تنتظر هذه الدول التغيير بواسطة «ياو ياو» أوغيره؟! ربما.