زينب «بت حجيتي» امرأة كريمة عرفها أهل حي السجانة في مطلع التسعينات من القرن الماضي، عاشت للناس وبالناس، فالكثير من الأمهات والآباء عندما يختلفون مع أبنائهم يذهبون للإقامة عندها، فتستقبلهم بالبشر والترحاب وتعمل على تخفيف كربهم وحل مشكلاتهم بالراي أو العطاء، فجعلت من منزلها مأوى لكل محتاج وفقير ومضام، فعرف أهل السجانة بيتها وفخروا بكرمها، وبات الفقراء والأيتام والمسنين والمشردين عندها ليالي وأياماً. تلك المرأة الخالدة جعلت من منزلها مأوى لكل محتاج ومبيت لكل تائه ومنقطع، وتوفر لهم عن طيب خاطر الدواء والكساء والغذاء من حر مالها، وعندما بلغ بها الكبر عتياً تبرعت بأرض دارها كمأوى لكل من لا مأوى له «مشردين وأيتاماً ومسنيين»، وكانت تشرف عليه بنفسها. وبعد وفاتها لم تجد الدار من يشرف عليها فتولتها الدولة وأطلقت عليها الملجأ. وتقول مديرة دار المسنات الأستاذة عائشة محمد الحسن إنه في العام 1935م أنشئت هذه الدار، وكان الهدف منها تجسيد معنى التكافل الاجتماعي والتراحم الموجود بين أفراد الشعب السوداني وتحقيق قيم الإسلام النبيلة، حيث قال تعالى «ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما». والبداية كانت بسيطة نسبة لطبيعة المجتمع التي كانت متماسكة أكثر من الآن وكانت تسمى «الملجأ» وبما أن المصطلح يستفز الأهداف الاجتماعية القيمة تم تغييره في الثمانينات إلى «دار المسنات» واستحدثت بزيادة مبانيها ثم تابعت مراحل الصيانة حتى كانت المرحلة الثانية في عام 1981م وفيها تغير المصطلح إلى دار رعاية وتأهيل المسنات. أما المرحلة الثالثة للنمو كانت في العام 1999م، وتتبع هذه الدار حالياً لوزارة التنمية والتوجية بولاية الخرطوم، ويقال إن امرأة من السجانة اسمها «بت حجيتي» هي صاحبة الأرض التي بها الدار حالياً، وكانت هذه المرأة تجمع كل الناس الذين ليس لديهم مأوى كبار سن وأطفال متشردين ويتامى وكل من ليس له مأوى ليأكلوا ويشربوا ويناموا. ولحياة المحسنة «زينب بت حجيتي» وشهرتها بالسجانة وقتها شبه كبير ب «زينب بت بتي». أما زينب «بت بتي» كانت أشهر طبيبة شعبية لعلاج رضوض وكسور العظام في أمدرمان، وعلماً من أعلام المدينة التاريخية. واستمدت بت بتي خبرتها في علاج العظام من والدها أحمد ود بتي، الذي كان قبل رحيله أشهر «بصير». وأول من عالجت كان ابنها - صلاح - حين لم يستطع أبوها «جده» جبر كسره لعاطفة وحنان ربطاه بالولد. ففي أحد الأيام سقط ابنها البكر فانكسرت يده وطلبت من والدها علاجه فرفض محاولاً بذلك إدخالها في تجربة التطبيب لتعيشها بنفسها ومع فلذة كبدها، فعالجته فطاب وصار هو بدوره طبيباً متخرجاً في رومانيا. وكان يتردد أغلب لاعبي الكرة في فرق الهلال أو المريخ أو الأندية الصغرى حال إصاباتهم بالكسور. ومن الشخصيات الكبيرة التي عالجتها الرئيس الفريق إبراهيم عبود الذي كان يعاني «فككاً» والرئيس نميري الذي كان قد سقط من حصان فكسر يده والرئيس القذافي الذي كان يعاني إصابات في الظهر وبعض الشخصيات العربية سواء أكانوا من السعودية أو الإمارات أو الدول العربية الأخرى الذين يأتون إليّها عن طريق السودانيين. بل كانت هناك حالات اعتبرها الأطباء «صعبة» حولت لها من المستشفيات. وقلَّ أن يلجأ من أصيب بكسر في أمدرمان القديمة للعلاج بعيداً عنها. و«بت بتي» عرفت بأن بيتها كان مفتوحاً ليل نهار لعلاج الحالات، لا تبخل بالمساعدة في العلاج وتجبير الكسور، ولا تشترط دفع مبلغ معين من المال على الشخص المصاب، فكل شخص يدفع لها حسب استطاعته. وفي علاجها لجبر الكسور تستخدم مهارتها التقليدية والخبرة المتوارثة والموهبة والماء البارد أو الساخن كمكمدات فقط. ورفضت «بت بتى» طلباً من الرئيس النميري بأن تفتتح عيادة متخصصة لتطوير عملها، لأنها كانت ترى في فتح العيادات تكاليف مادية للمرضى لا استطاعة لهم به وإضاعة للأجر والثواب. كانت ترد إليها بعض حالات محولة من المستشفيات، وكانت هي بدورها تحول بعض حالات الكسور المركبة إلى المستشفى، وكانت تستقبل أطباء لعلاجهم وجبر كسورهم. توفيت يوم الثلاثاء21 فبراير 2006م، و شيعها أهل أم درمان على بكرة أبيهم. وتركت «بت بتي» و«بت حجيتي» مشوار حياة حافل بالعطاء وحب البسطاء، وتقديم الخير للناس جميعاً.