هل بدأت حرب المياه المزعومة؟؟! سؤال يقفز إلى نافذة الذاكرة، بمجرد النظر إلى الأزمة التي فجرتها دولة مصر هذه الأيام بشأن ما أسمتها الأضرار المترتبة على تشييد إثيوبيا لسد النهضة، وخطورته على الأمن المائي المصري، الحديث المصري المتعالي جداً الذي يقلل من شأن دولة راكزة مثل إثيوبيا أن تقوم بمشروع مثل هذا والتأهب من بعض النخب المصرية للخصومة من الذين تداعت تصريحاتهم مع أول رد فعل للمشروع.. المعلوم أن تحركات وتململ دول منبع النيل وقد بدأ منذ مايو (2009م) وحديثهم عن إحكام مصر قبضتها على مسألة التمويل وكانت حربًا إعلامية مشهودة وتم تصعيد الملف إلى تحكيم دولي، كما أن إثيوبيا لم تبدأ الحديث عن تنفيذ سد الألفية اليوم فهو ظل حلماً يراود (إثيوبيا) حكومةً وشعباً ونخباً منذ ستينيات القرن الماضي، وقتها مصر تعيش الحقبة الناصرية وكانت إفريقيا وقتها كل حاجتها للدعم تتلخص في السند السياسي والعسكري والتسليح أما اليوم فإستراتيجية الأفارقة قد تغيرت مع تغير الألفية، فتعالت همة الأفارقة وأصبحوا يسعون للبحث عن عناصر التنمية وكل ما من شأنه أن يخدم أغراض ووسائل التنمية. وهذا يتضح من أجندة كل القمم الإفريقية والتكتلات الإفريقية التي نشأت لخدمة أهداف القارة والألفية الإنمائية، لكن السؤال إذا كان الأمر بكل هذه الخطورة على دول حوض النيل لا سيما السودان ومصر وإن سعة السد (70) مليار متر مكعب من المياه المحملة بالطمي مما يعني أنها ستكون ثقيلة جداً مع حدوث أي كارثة طبيعية زلزال مثلاً أو ضربة عسكرية لسبب (ما) هذا الأمر سيسبب كارثة وإغراق السودان حتى شندي، لماذا صمتت مصر كل هذه الفترة ولم تعمل على إدخال ملف المياه وسد الألفية تحديداً إلى أجندة القادة الأفارقة في قممهم؟؟!. أطرح هذا السؤال وإنني قد حضرت قمتين للاتحاد الإفريقي، الأولى في يوليو (2012م) وكانت قد شهدت أول ظهور دولي للرئيس المصري المنتخب الدكتور/ محمد مرسي، وكان اللافت أن القيادة المصرية مهتمة جداً بملف الضحية المصرية شيماء عادل المحتجزة من قبل السلطات في الخرطوم بسبب مخالفات، وتم إحضارها من الخرطوم إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بطائرة لتعود إلى بلادها بصحبة الرئيس (مرسي) وعلى طائرته الرئاسية، وكان ذلك هو المكسب السياسي والدبلوماسي الكبير للقيادة المصرية، ولم تقف القضية، أي قضية مراجعة قسمة ومحاصصة مياه النيل، بل استمرت أجراسها في الإنذار ولم تتحدث مصر (الرسمية) ولا (الشعبية) ولا (النخبوية) وفي (24 أبريل 2013م) خرج وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان، خرج بتحذيرات غريبة تفيد بأن مؤامرة خطيرة تجهزها إثيوبيا لمصر والسودان تستهدف حقوقهم في مياه النيل، ولم تتحدث مصر كما أنني قد حضرت فعاليات القمة الإفريقية ال (21) واحتفالات إفريقيا بالذكرى الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية التي انعقدت في الفترة ما بين (22 28 مايو 2013م)، وجاء الرئيس المصري (محمد مرسي) على رأس وفد رفيع ولم تتحدث مصر ولم تحاول حتى إقحام القضية في جدول أعمال القمة للمناقشة إذا كان أصلاً المشروع فعلاً مهددًا لحياة الشعب المصري وأمن مصر القومي، هل لأن ذلك مرده لشح المعلومات الواردة من إثيوبيا لمصر حول المشروع أم أن مصر لا تزال تتعامل بالعقلية القديمة المتعالية والمتكبرة وتجهل الحقائق التي بدأت تتكشف يوم أن أعلنت إثيوبيا نهاية مايو المنصرم وبثقة مفرطة أنها تنوي تحويل مجرى النيل فقامت الجلبة المصرية في الإعلام وفي الجلسات واللقاءات الصالونية وبعض التصريحات التي صدرت كحديث (أيمن نور) الذي شكل إهانة للسودان وشوش كثيراً في علاقات البلدين لأن الحديث قيل في وجود الرئيس محمد مرسي الذي لم يعلن هو الآخر اعتذار مصر الدولة حتى يتأكد الشعب السوداني من صدقية التعامل وهو كان سقوطًا لا يغتفر وخسرانًا لمصر، ولا أدري إن كان مأمولاً له أن يكون حديثاً وإستراتيجية سرية حسب تبرير (أيمن نور) نفسه بعد أن خرج حديث الغرف المغلقة للعلن، وصيحة أهل السودان منابر وإعلاماً في هبَّة واحدة اطمأن الجميع بأن كرامة وسمعة الوطن في صون ويد أمينة ولكن خروج اللغة المصرية الطاعنة في المكر السياسي كحديث (أيمن نور) بحاجة إلى مراجعة لأنه ضرب علاقة النظام المصري الجديد بشعبه ثم علاقة مصر والسودان حكومة وشعباً، والأدهى أنها فضيحة للأمن القومي المصري لأن (أيمن نور) في مبرراته قال إننا أقسمنا بأن يكون الحديث محفوظًا على مظروف (سري للغاية) لكننا تفاجأنا بخروجه للعلن، وهذا حديث لا يخلو أيضاً من تصفية حسابات للرجل ابن الذوات مع الإسلاميين الذين يتظاهر بأنه حليفهم في هذه المرحلة!! مشروع سد النهضة الإثيوبي فرصة للمراجعة وتقريب العلاقات بين دول القارة لأنها فرصة تحقق لإثيوبيا إنتاجاً عالياً من الكهرباء وكان على مصر بدلاً من محاولات تحجيمهم وحرمانهم من تحقيق حلمهم أن تسعى للاستفادة من المشروع بإدخال استثمارات وتقديم خدمات خاصة أن إثيوبيا سبق لها إبان عهد الراحل ملس زيناوي وأثناء فترة الحكم العسكري في مصر قد علقت التصديق على اتفاقية عنتبي إلى حين انتخاب رئيس في مصر وكان ذلك يمكن أن يُقرأ في عدة زوايا منها مناصرة الثورة المصرية التي أطاحت بنظام مبارك، أو أن الخطوة تحسب في اتجاه أن إثيوبيا وبذكاء منها تنتظر النظام القادم في القاهرة حتى تحديد شكل وتكتيك التعامل، وكان المأمول أن تكون مصر الفائرة اليوم أكثر ذكاءً في استيعاب اللعبة بدلاً من إنتهاجها أسلوب اللعب غير النظيف الذي سيبعدها عن محيطها الإفريقي وليس ال (9) دول التي تمثل دول حوض النيل!! التلويح بخيارات الحرب والتنسيق مع دول الجوار الإثيوبي للضغط على أديس أبابا خطوة مفسدة وربما مؤامرة تدفع دول القارة الغنية إلى حافة الموت على الطريقة التي تم بها تحويل العراق من بلد المليون نخلة إلى بلد المليون قتيل، وصار وطناً يموت أبناؤه على يديه بدلاً من أن يموتوا من أجله، هكذا تبدو ملامح خطوات المؤامرة والاستقطاب بشأنها وهي خطة مدروسة وممنهجة وخاسر من يدخل بسببها المعركة لأن هناك من يحاول قيادة مصر مثلاً على طريقة المخلوع حسني مبارك بدوام كامل، ولعل القضية بحاجة إلى مراجعة على مستوى إفريقيا وكياناتها ومصر وإثيوبيا بدون مزايدات سياسية لا بد من الجلوس والحوار والتفكير بشكل جماعي للخروج بمكاسب أكبر من هذا المشروع الذي بدأت تنفذه إثيوبيا بعد مدة طويلة من التفكير، وإسرائيل ليست ببعيدة عن الموضوع فهي لم تدخل مباشرة ولكن عبر الشركة الفرنسية التي وقع عليها العطاء الرئيسي وهي ذات الشركة صاحبة الامتياز في بناء المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين!! أي نظرة سياسية مباشرة للمشروع من قبل مصر دون أن تراعي أمنها القومي سيخسرها كثيراً، والسودان بوابة مصر لإفريقيا عامة ودول حوض النيل على وجه الخصوص، كما أن الاتحاد الإفريقي عليه دور احتواء الموقف المتوتر قبل انفجاره بين أكبر دولتين من أعضائه من حيث السكان فإثيوبيا تفوق مصر في عدد السكان حيث تتجاوز ال (88) مليون مواطن لكن مستوى الدخل فيها ضعيف!!