لم يكن كلام الرئيس عمر البشير محض تهويش عندما هدد حكومة الجنوب بإغلاق الخط في وجه نفط الجنوب حال استمر دعمها للحركات المسلحة وهو مالم يخف على أحد من خط سير تحركات كرشولا الأخيرة التي أشارت كل أصابع الاتهام فيها باتجاه الجنوب الجغرافي نتاجًا للدعم الإستراتيجي الذي يسهل الانسحاب والهجوم والتحليق في الأجواء بأريحية وهو مانفته جوبا في وقت سابق وأكدته حكومة السودان والرئيس يعلن إغلاق أنبوب ميناء بورتسودان إلى أجل غير مسمى وهو الذي أثار جنوبجوبا التي سكت السودان لمجلس حقوق الإنسان لأنه بذلك يضر بمصالحها ويضيق الخناق على شعبها ولكن بحسب مراقبين فإن الخرطوم ضربت الطاولة بعنف حتى بعثرتها بمبدأ عليّ وعلى اعدائي لأنها بإغلاقها الأنبوب تتأثر أيضًا اقتصاديًا ولكن الوضع في الخرطوم رغم الضيق مستقر نسبيًا رغم أن جوبا قبل إغلاق الخط لم تكن تدفع إيجاره للخرطوم التي رمت بأوراق الاتفاقية خلف ظهرها وهي تقول «إلا المسائل الأمنية» بمبدأ هذه بتلك. حفنة من التفاؤل ولكن رغم الاحتقان فإن العبارات التطمينية عن استمرار اتفاقية السلام تناثرت من الطرفين وهو ماحدا بجوبا إلى دفع رجُلها الأكثر قوة وتأثيرًا وقبولاً لدى الخرطوم نائب رئيس حكومة الجنوب د.رياك مشار ليلتقي رجل الخرطوم الحكيم ومهندس نيفاشا النائب الأول للرئيس علي عثمان في زيارة مرتقبة تحدثت عنها جوبا حيث كشفت جوبا عن زيارة رياك مشار إلى الخرطوم لإجراء مناقشات معها للتراجع عن قرارها بوقف تصدير نفطها عبر الموانئ السودانية. وقال وزير الإعلام لحكومة جنوب السودان برنابا مريال في تصريحات صحفية بجوبا إن مجلس وزراء الحكومة صادَقَ على تكليف نائب الرئيس رياك مشار بزيارة الخرطوم مع وفد رفيع المستوى خلال الأيام القادمة، وعقد مباحثات مع نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه. الأزمة الملتهبة وأضاف مريال أن هذه الزيارة ستبحث أزمة النفط الملتهبة بين البلدين، وإنقاذ مسار العلاقات الثنائية بين جوباوالخرطوم من الانهيار. وجدد برنابا مريال تمسك حكومة جوبا بروح تنفيذ اتفاقيات التعاون المبرمة مع الخرطوم في سبتمبر من العام الماضي. ورغم أن جوبا قد أكدت أنها ستتعايش مع الوضع الاقتصادي حال رفضت الخرطوم التي أعلنت أيضًا تمسكها بالمصفوفة إلا أن إرسالها لمشار يحمل دلالة عميقة حسبما يرى مراقبون للساحة ويؤكد رغبتها في العودة باتفاق يعيد البسمة من جديد لجوبا التي تراهن على رجلها صاحب التاريخ العريض مع الشمال ليجري نفطها من جديد عبر الخرطوم التي حسمت الأمر قبل مجيء رياك أنها تتمسك بتنفيذ المصفوفة السابقة في حين تطرح جوبا تنفيذ اتفاقية التعاون الدولي في سياق جديد. الفرص المهدرة جوبا دفعت بمشار على رأس وفد ضم وزير الخارجية ونائب وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير النفط تتحدث بدبلوماسية عن مصلحة البلدين وتراهن على حديث جديد لا ترحب به الخرطوم التي تتحدث بعض جهاتها عن اختيار جوبا للحرب، فأصوات كثيرة في الخرطوم ترى أن جوبا أخذت ما يكفي من الفرص لتثبت حسن نواياها وكثير من هذه الأصوات لم تكن راضية أصلاً عن الاتفاقية وهو الأمر الذي جعل جوبا تختار مشار وليس باقان لقيادة هذه المفاوضات لتمد يدًا قد تجد من يصافحها في الخرطوم لأن مشار له تاريخ اتفاقيات طويل مع الخرطوم التي عاش فيها ودرس قبل أن يأتي من بريطانيا معلنًا التمرد في بداية الثمانينيات مرورًا بتاريخه الطويل من القطيعة مع قونق حتى عودته «2001» وربما هذا ما يجعله لرجل الأكثر من سلفا كير والذي يضع له كل الدينكا والشلك ألف حساب باعتبار أنه الأحق بمنصب رئيس الحكومة لأسباب عسكرية وتكنيكية فهو يجمع بين المدني والعسكري لأنه تلقى درجات عالية في الهندسة وكان برتبة رائد عندما غادر الحركة وهو الرجل الثاني بعد جون قرنق ويحل سلفا كير في المرتبة الثالثة مما جعله يتزاحم معه لدى عودته «2001» وهو الأمر الذي كرس للعداوة بين الرجلين إذ رفض سلفا كير التخلي عن مكانه وهو في نظر الكثيرين أقل وزنًا بكثير من رياك مشار الذي تصوره أسطورة العصا أنه المختار الأفلج الذي سيحكم بحسب كهنة النوير ومعروف الدعم البريطاني الذي يتلقاه بعد زواجه من إيما البريطانية التي قُتلت في نيروبي وأنه فُرض على حكومة الجنوب بعد الانفصال لأنه رغم نزعته الانفصالية البحتة إلا أنه لا يلتقي مع سلفا كير في أي نقطه وبحسب محللين فإن هذه الأسباب تجعله الأنسب في مثل هذه المفاوضات خصوصًا عندما يكون الجالس في الطاولة المجاورة شخص له كاريزما النائب الأول يراقبك بهدوء ويستمع لك، ولكن لا تعرف إن كان سيصافحك في النهاية بابتسامة أم سيقلب الطاولة مبعثرًا كل الأوراق التي لن تجد أي قبول لدى الخرطوم فهل سيشهد يونيو جريان الحياة في شرايين جوبا بعد زيارة مشار أم ستعود طائرتهم تحمل خيبات كبيرة؟ هذا ما ستتحدث عنه الخرطوم في الأيام المقبلة.