بين الثامن والسادس عشر من الشهر الجاري، تجري فصول قصة النفط بين سودان الخرطوموجوبا. فالتوقيت الأول الذي شهد أوامر الرئيس عمر البشير التي صدع بها أمام مواطنيه لوزير النفط عوض الجاز بإغلاق الأنابيب أمام نفط الجنوب، جاءت نتاج صبر طويل بذلته حكومة الخرطوم حيال جوبا التي لم ترعوِ بإنذار البشير الذي أبلغه للرئيس سلفا كير في لقائهما الذي جرى إبان انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي في نهاية مايو المنصرم، كما لم تلق بالاً من قبل للأدلة والبراهين التي ساقها وزير الخارجية علي كرتي ومدير جهاز الأمن القومي محمد عطا المولى عباس عند زيارتهما لجوبا، فضلاً عن اللقاء الأخير بالخرطوم للجنة السياسية الأمنية العليا. أما القرار الثاني الذي صدر أول أمس من قبل الحكومة السودانية وأعلنت فيه قبولها بمقترحات رئيس الآلية الإفريقية ثامبو أمبيكي بشأن نزع فتيل التوتر بين البلدين، الآلية طالبت الحكومتين بتنفيذ الاتفاقية الأمنية الموقعة في سبتمبر 2012م، بطريقة كاملة خاصة في ما يلي منع دعم وإيواء حركات التمرد، وفي هذا الصد قررت تكليف مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورئيس الإيقاد «رئيس وزراء إثيوبيا» باتخاذ الخطوات اللازمة للتأكد من حقيقة مزاعم الدعم والإيواء من قبل أي طرف للمتمردين المسلحين للآخر، على أن تقدم كل حكومة المعلومات اللازمة في هذا الصدد للآلية الإفريقية رفيعة المستوى، بتاريخ أقصاه «20» يونيو الحالي على أن تتعامل مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورئيس الإيقاد مع المعلومات التي يقدمها الطرفان على وجه السرعة، وتشرك الطرفين في ذلك، وفي ما تتوصل إليه من نتائج، بتاريخ لا يتجاوز «25» يوليو 2013م، كما ستقوم باطلاع مجلس السلم والأمن الإفريقي، ومجلس الأمن الدولي، وستقترح كل من مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورئيس الإيقاد الخطوات اللازمة لمعالجة موضوع دعم وإيواء الحركات المتمردة، في إطار الاتفاقيات الموقعة بين البلدين. بالنظر إلى هذه المقترحات للوهلة الأولى يتبين أنها موضوعية وقابلة للتنفيذ، خاصة البند الذي يشير إلى ضرورة تنفيذ مصفوفة مارس الماضي كحزمة واحدة دون انتقائية، ولكن تبقى الإشكالية في التنفيذ نفسه، فلو أن حكومة جوبا التزمت بتنفيذ المصفوفة ككل لا يتجزاء لما اضطرت الخرطوم لوقف نفطها، فجوبا اهتمت بشواغلها الاقتصادية ممثلة في النفط، وتجاوزت شواغل الخرطوم الأمنية، فهي لم تكلف نفسها حتى أن تقف في خانة الحياد على سبيل المثال، ولكنها عمدت لتكثيف الدعم للجبهة الثورية، وساندتها في هجومها الأخير على ولايتي شمال وجنوب كردفان، فكلما قدمت الخرطوم أدلتها التي تؤكد الدعم الجنوبي للمتمردين عليها، سارعت جوبا بتقديم المزيد من الدعم، ومحاولة إخفاء ذلك وفقاً للفريق عطا في المؤتمر الصحفي الذي عقده أخيراً لتوضيح الحيثيات التي دعت الحكومة لوقف النفط، وفي السياق نفسه يقول رئيس تحرير «الإنتباهة» الصادق الرزيقي في زاويته الراتبة «أما قبل»: لم نجد في مقترحات السيد ثابو أمبيكي رئيس الآلية رفيعة المستوى التي وافقت عليها الحكومة جديداً... أو ما يمكن اعتباره مخرجاً من الوضع المأزوم بين السودان وجنوب السودان، المقترحات تدعيم لما تم التوافق عليه في اتفاقية الترتيبات الأمنية والمصفوفة المتعلقة بها، فقط تحاول المقترحات أن تضيف أداة مراقبة جديدة ومستوى مستحدثاً سقفه رئيس المفوضية الإفريقية ورئيس منظمة الإيقاد الحالي «رئيس الوزراء الإثيوبي» الذي طرح رغبته في التوسط بين الخرطوموجوبا.. ما الجديد إذن؟كل ما جاء في مقترحات رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، بشأن التحقق من المعلومات لدى كل طرف عن إيواء ودعم المتمردين والجماعات المسلحة، وتحديد المنطقة المنزوعة السلاح والانسحابات المتبادلة من المناطق الحدودية، سبق أن أُقرَّ وحُددت مرجعياته في الاتفاق الموقوف العمل به، وفي مصفوفة الترتيبات الأمنية التي تحدد الجداول الزمنية للتنفيذ وآليات للتحقق والفرق المشتركة المراقبة والجهات التي ترفع لها التقارير والطرف الثالث الذي يتولى عملية التقويم والتقدير. فليس بالإمكان على الإطلاق استنباط واستخلاص شيء من هذه المقترحات لم يسبق طرحه وإقراره في نصوص الاتفاقيات والمصفوفات ومحاضر اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، أو في لقاءات الرئيسين، الشيء الوحيد الجديد هو المدى الزمني المحدد في المقترحات الأمبيكية لرفع التقارير والمعلومات وما تتوصل إليه لجان المراقبة الإفريقية، توطئة لرفعه لمجلس الأمن والسلم الإفريقي ومجلس الأمن الدولي.. فقد حددت العشرين من يونيو الحالي موعداً لتقديم كل المعلومات حول إيواء المتمردين والدعم المقدم لهم من أي طرف ضد الآخر. يذكر أن الحكومة كما جاء في تصريحات وزارة الخارجية أمس، إلى أن الآجال التي حددتها مقترحات أمبيكي تقع في نطاق الستين يوماً المحددة لوقف مرور نفط الجنوب من قبل الحكومة، وفترة الشهرين هذه ليست بالطويلة قياساً لصبر الخرطوم الذي قارب العامين، وعندها سيتبين حقاً إن كانت جوبا ستلتزم بمقترحات أمبيكي أم أنها ستعود لسابق عهدها في نقض الاتفاقيات والمواثيق.