منذ أن قدم رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثامبو أمبيكي اقتراحه القاضي بإجراء استفتاء أبيي في أكتوبر المقبل إبان المفاوضات بين دولتي السودان وجنوب السودان، وأسفرت عن اتفاقيات سبتمبر 2012م، ورفضه رئيس الجمهورية عمر البشير، بينما قبل به الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت، ظلت جوبا متمسكة بالاقتراح باعتباره طوق النجاة الذي يهدي إليها أبيي على طبق من ذهب، ذلك أن قبيلة المسيرية السودانية في هذا التوقيت تكون خارج أبيي، وبالتالي فإن الاستفتاء سيكون شبه أحادي لمشيخات دينكا نقوك التسع، الذين يزعمون أن أبيي جنوبية، ويبدو أن جوبا قد انتقلت من خانة التصريحات إلى خانة الفعل، فقد أعلن رئيس لجنة المصالحة دانيال دينق بول في تصريحات لوكالة جنوب السودان عن أن لجنته ستشرع في تشكيل لجنة للتعبئة استعداداً لاستفتاء أبيي في أكتوبر القادم، على أن تشمل التعبئة أبناء دينكا نقوك في أوروبا والولاياتالمتحدة، وسبق هذه الخطوة أن وصف سلفا في خطابه الذي ألقاه رداً على قرار الخرطوم بوقف ضخ النفط الجنوبي بسبب دعم جوبا لمتمردي الجبهة الثورية، إلى أن استفتاء أبيي في أكتوبر بالمقرر، رغم أن رفض السودان للتوقيت يفرغه من مضمونه، وقد فسرت بعض الكتابات الصحفية زج أبيي في موضوع النفط بأنه مساومة واضحة بربط وقف الدعم بالتسليم بجنوبية أبيي. بروفيسور عبد الرحمن إبراهيم عضو وفد التفاوض في اتفاق نيفاشا ونقيب المحامين السودانيين أوضح في حديث سابق للصحيفة أنه لا علاقة لتمسك دولة جنوب السودان والضغوط الأمريكية التي تهدف لإجراء استفتاء أبيي في أكتوبر المقبل بالقانون، باعتبار أن قضية أبيي برمتها مرهونة بالاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، والشروط والمعايير المصاحبة للاستفتاء، وأن أية محاولة لإقصاء المسيرية الذين يشكلون طرفاً أصيلاً في الاستفتاء، بحجة عدم وجودهم في المنطقة يفرغ المسألة من إطارها القانوني تماماً. ونحن نعتمد على برتوكول أبيي الذي وقعته الحركة الشعبية التي تحكم دولة الجنوب، ولا بد من الاستناد إلى البرتوكول في كل مجريات عملية الاستفتاء ومن قبل كل الترتيبات المفضية للاستفتاء نفسه، وإلا فإن جوبا ليس بمقدورها إقامة استفتاء أحادي. وبسؤاله عن إمكانية لجوء جوبا لإقامة استفتاء أحادي أجاب إبراهيم بأن السودان لن يعترف به، وسيكون ذلك سبباً لإشعال الحرب بين البلدين. ونفى وجود أية علاقة بين قضية أبيي والجبهة الثورية، بحيث تلجأ جوبا لمقايضة أبيي بوقف دعم الجبهة، ووصف تلك المحاولة بالفاسدة سياسياً، الجدير بالذكر أن الولاياتالمتحدة تساند مقترح استفتاء أكتوبر بشدة، وسبق للمبعوث الأمريكي السابق لدولتي السودان بيرنستون ليمان أن عبر عن سعادته بالمقترح، كما اتفق كل من القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم جوزيف استفاورد والسفير الأمريكي بجوبا سوزان بيجم على تأييدهما للمقترح. ولمعرفة موقف إشرافية أبيي من الجانب السوداني هاتفت الصحيفة رئيسها الخير الفهيم إلا أنه آثر عدم الإجابة على الهاتف. «استفتاء أكتوبر لن يتم إلا على جثثنا».. على هذا النحو آثر القيادي بقبيلة المسيرية والناشط السياسي المعروف الصادق بابو نمر أن يبدأ حديثه للصحيفة، مردفاً بأنهم يمضون فترة الأمطار خارج أبيي في المخارف، وأن أكتوبر هو شهر الذروة بالنسبة لهم في هذا الخصوص، وذهب إلى أنه وبافتراض أن الاستفتاء تم في أكتوبر فإن ذلك لن يعدو كونه مسرحية «ون مان شو»، ونعت الاستفتاء بالفكرة العقيمة، وقال لن يتم استفتاء دون ضمانات دولية للمسيرية، تكفل لهم المشاركة على حد سواء مع مشيخات دينكا نقوك، وإلا سنقاومه بكل الطرق، ولنا خبرتنا وأساليبنا في الدفاع عن أرضنا وحقوقنا، وأضاف أنه لا توجد أية قوة على وجه الأرض تستطيع أن تفرض علينا قراراً نرفضه. وشدد الصادق على أنه ما من قوة في الأرض تحول بيننا وبين أبيي عندما يحين موسم هجرتنا للجنوب في فترة الصيف، لا الجيش الأمريكي ولا السوفيتي ولا حتى القوات الأممية، وجزم بأنهم يفضلون الاستشهاد على الموت إذلالاً بالمحل والجوع، وفي السياق نفسه استبعد القيادي حسب الرسول النور أن يتم تنظيم الاستفتاء في أكتوبر يتطلب تحديد من يحق له التصويت، وتكوين المفوضية بالاتفاق حول عضويتها بين البلدين، لتمارس مهامها تحديد الجدول الزمني للاستفتاء، ومن ثم تسجيل الناخبين، والنظر في الطعون المتعلقة بذلك، ونشر السجل النهائي، وتالياً تحديد مراكز وتاريخ الاقتراع، موضحاً أن تلك الإجراءات تحتاج إلى أكثر من عام كامل وليس بضعة أشهر. من جهته يرى المراقب السياسي ياسر محمود محمد أن نشاط دولة الجنوب لإجراء الاستفتاء في أكتوبر عبر لجان تعبئة خاصة بهذا الصدد يعتبر رسالة ملغومة للسودان، في ظل صمت الأخيرة التي أوكلت قضية الاستفتاء للوسيط الإفريقي، وأضاف في حديثه ل «الإنتباهة» أمس كان على السودان منذ البداية أن يرهن الاعتراف بنتائج استفتاء الجنوب أو الاعتراف به كدولة بحل جميع القضايا العالقة، خاصة المناطق الثلاث وفي مقدمتها أبيي، ولفت إلى ناحية أخرى هي أن أبناء أبيي يمثلون قيادات نافذة في دولة الجنوب، وبالتالي فهم يدافعون عن قضيتهم بضراوة، واستفهم عن لِم لَم تعتمد الخرطوم أبناء دينكا نقوك في مواقع مهمة بالحكومة باعتبارهم سودانيين، وذهب إلى أن تحريك ملف الاستفتاء ليس بعيداً عن مسألة وقف ضخ النفط، واعتبره من وسائل الضغط على الخرطوم.