أجرته: هويدا حمزة تصوير: محمد الفاتح يظلُّ وزير الزراعة والري د. عبد الحليم إسماعيل المتعافي لا نقول «مسؤولاً مثيرًا للجدل»، فقد ضحك من ذلك التعبير وطالبني بتفسير ذلك الوصف الذي يرد عنه في صحافة الخرطوم، حسبما ينقل إليه الناس، لكنه يُعدُّ من المسؤولين القلائل جدًا الذين يتقبّلون أي سؤال برحابة صدر حتى وإن طُرح بشكل سافر في صيغة اتهام.. فالرجل يتمتع بثقة في نفسه تبدو في محيّاه وقد التقته «الإنتباهة» في مكتبه بالوزارة وليس في مكتب خاص يُدير منه أعماله الخاصة التي كانت ضمن أسئلتنا التي حاصرناه بها وأجاب عنها.. كان المتعافي رائق البال رغم بعض الطلقات التي تحاول أن تنتاشه، وهو الرجل المعتدّ بنفسه والمعتزّ بأفكاره التي منها جعل الفراخ طعام الفقراء وإن كابرنا أمامه وقلَّلنا من المسألة. ولأن اليوم كان عطلة «السبت» كان يرتدي قميصًا ذا أكمام قصيرة وبنطالاً من الجينز، وبدا في كامل لياقته الذهنية وحيويته، وربما لذلك أجاب عن أسئلتنا التي اعتقدنا أنها ساخنة بكل هدوء ولا نقول بكل برود: في محفل حكومي بحضور عدد من المسؤولين قال وزير الكهرباء إن الدول الكبرى لم تنهض بالزراعة بل بالصناعة؟ لو نظرتِ للمسألة تجدينها ناقصة، إذ ليس هناك دول زراعية كبرى، لكن عادة الصناعة تبدأ بالصناعات الغذائية، وليس هناك دولة تبدأ من غير هذه الصناعة، خاصة أن أول احتياجات الإنسان هي الطعام والكساء والمأوى، ففي العادة تبدأ الدول زراعية تطورها إلى صناعات غذائية، ثم تنتقل للصناعات الأخرى، وحتى الدول الصناعية الكبرى مثل اليابان والتي لا تملك أراضي زراعية كبيرة لكن تعتمد على توفير الغذاء من البحار. ولن تكون هناك صناعة ما لم تكن هناك زراعة، فأكبر الشركات في السودان هي شركات للصناعات الغذائية، وأنجح الصناعات هي المرتبطة بالزراعة، وصحيح هناك صناعات أخرى متطورة مثل صناعات تقانة المعلومات والكمبيوتر والهاي تك، ومن ثم فالمقولة لا غبار عليها، ولكن أعتقد أن المقصود منها أن نحوِّل أغلب زراعتنا إلى تصنيع زراعي، وأضرب لك مثالاً بكنانة والتي تبلغ مساحتها مائة ألف فدان ومبيعاتها من السكر حوالى ثلاثمائة وخمسين ألف طن، أي حوالى مائتين مليون دولار بمعنى أن أي فدان يأتي بألفي دولار، وفي الجزيرة يمكن للفدان أن يحقق خمسمائة دولار ويمكن في كنانة أن يحقق أربعة عشر دولارًا وفي الجزيرة ثلاثة آلاف دولار والفرق أن هناك صناعة مع الزراعة. لكن الدولة لم تكن ميالة للزراعة خاصة عقب استخراج البترول وعقب الانفصال هرولت نحو مشروع الجزيرة! الزراعة المروية عمومًا بما فيها مشروع الجزيرة تمثل خط الأمن الغذائي الأول، لكن مساهمة القطاع المروي في إنتاج الغذاء الكلي في السودان ليست هي المساهمة الأكبر والتي تأتي من القطاع المطري التقليدي والمطري الآلي والحيواني التقليدي لكن في حالة حدوث انخفاض في معدلات الأمطار وتدني الإنتاج خط الدفاع هو المروي والذي هو في الجزيرة وسنار والشمالية ونهر النيل والحديث عن أن مشروع الجزيرة كان له دور كبير في الزراعة والصادرات كان هذا عندما كانت الصادرات كلها ستمائة مليون كان نصفها من مشروع الجزيرة لكن الآن أهم قطاعات للصادر ليست هي المحاصيل التي تنتج من الزراعة المروية، أهم المحاصيل هي السمسم والفول والصمغ العربي والثروة الحيوانية والتي تنتج إلى حد كبير خارج القطاع المروي. ولكن تأتي أهمية مشروع الجزيرة كونه المشروع الذي يمكن أن يخفف من مشكلات الأمن الغذائي في حالة انخفاض معدلات الأمطار وهو مشروع اجتماعي بحت حيث يبلغ سكان الجزيرة نحو خمسة ملايين نسمة وقامت مع المشروع بنيات تحتية وتعليم وصحة وهو مشروع مهم جدًا. ما صحة الحديث القائل إن البنك المركزي رفض تمويل الموسم الزراعي وأن المالية غير متحمسة؟ هذا الحديث غير دقيق، فالبنك المركزي لأول مرة منذ فترة طويلة يعتبر محصول القطن كمحصول صادر رئيسي ضمن أحد محاصيل البرنامج الثلاثي. والتمويل يسير كما كان يسير في السابق، هذه المشكلة نشأت عندما رأت المالية أن تمول جزءًا من احتياجات الموسم الزراعي الحالي أرادت أن تمولها من الجهاز المصرفي بضمان من المالية يعزَّز بضمان من البنك المركزي للبنك المموِّل.. بنك السودان اعترض على مبدأ أن تمول البنوك الموازنة العامة وطلب من المالية أن تمول هي من الموازنة العامة وأن تستدين في حدود الاستدانة المسموح بها من النظام المصرفي وأن تترك الجهاز المصرفي لتمويل القطاع الخاص وهي قضية سياسة نقدية، وبنك السودان لم يرفض تمويل الموسم الرزراعي فهو الضامن لتمويل المدخلات والمبيدات والآليات، وهو الممول الرئيس للبنك الزراعي الذي يمول المزارعين، وهو الضامن لدفع الاعتمادات المؤجلة للمدخلات الزراعية بالعملات الصعبة، فالسياسة النقدية التي يتبعها بنك السودان تلعب دورًا كبيرًا في تأمين الموسم الزراعي. قبل عدة أيام اتهمتك شركة بتمويل صفقة تراكتورات وصفتها بالمشبوهة و... بدءً أنكر المدير العام للشركة أنه قال ذلك، وقد قال لي البعض إن مدير الشركة ذكر ذلك الحديث عقب عقده لمؤتمر صحفي، وإن كان قد قال ما قال عليه أن ينشر هذة الصفقة، كم عدد التراكتورات ومن أين تم شرؤاها ولمن تم بيعها؟؟ وفي الحقيقة يمكن أن يقول أي شخص أي كلام ونحن متعودون في السياسة أن نسمع «كلامًا» كثيرًا!! ولكن لا يُعقل أن تكون شركة كبيرة وتقول حديثًا ولا تبرز مستندات. ثم ثانيًا ماذا يعني تراكتورات مشبوهة؟ إما تراكتورات لها شهادة مواصفة أو لا.. ثم إن الصحيفة التي أوردت ذلك الخبر اعتذرت لي شخصيًا في اليوم الثاني. لكن القضية الأساسية لو كانت الشركة تعتقد بأن وزير الزراعة وافق على تمويل تراكتورات مشبوهة لما سكتت عنها؟ ولماذا لم تبرز أعدادها وتحدد الماركات والجهات المشترية ولو بالفعل دخلت البلاد تراكتورات ستكون موجودة فهي ليست سكر تم تذويبه، وهذا نوع من الابتزاز السياسي أو حاولت تخويف المسؤولين على طريقة لو ما اغمضتو أعينكم «سنقدها ليكم» وهذا كلام ساكت لا قيمة له. لماذا تبدو بعض الجهات المعنية بالزراعة مثل اتحاد المزارعين ضد وزارتكم إن لم تكن ضدك شخصياً؟ اتحاد المزراعين يتكون من لجنة مركزية واتحادات فرعية في كل أنحاء السودان، واللجنة المركزية بحسب علمي لم تجتمع منذ عام كهيئة مكتملة وبالتالي لا أعتبر أن اتحاد المزارعين أصدر بيانًا أو اتخذ قرارًا. لكنه أصدر عددًا من البيانات المناهضة لكم... أي حديث صدر في الآونة الأخيرة هو سلوك شخص أو شخصين في اتحاد المزارعين يتحدثان باسم الاتحاد الذي لم يجتمع ولم يقرر وبالتالي لا نأخذ بحديثهما. أما الاتحادات الفرعية أو القومية سواء في السوكي أو الجزيرة أو حلفا أو النيل الأبيض أو النيل الأزرق أو القضارف ليست لديها مشكلة مع وزارة الرزاعة ولكن لأن الإعلام في الخرطوم والصحف في الخرطوم وأي كلمة «تبقي قبة» فأولئك يريدون أن يوهموا الجهات السياسية العليا والرأي العام أن هناك مشكلة بين الوزارة والاتحاد الغائب ولذلك لم نرد عليهم. وأقول لك إن اتحادات المزارعين في مثل هذا الشهر لا تكون في الخرطوم تصرح إذ من المفترض أن تكون في الحقول. وعمومًا ليس لدينا مشكلة مع اتحاد المزارعين، وهناك شخص وربما آخر لديه مشكلة مع وزارة الرزاعة عبَّروا عنها بأكثر من بيان الأول ممهور باسم ذلك الشخص والثاني ممهور باسم ذات الشخص ومعه آخر اعتذر قال إنه لم يوقع في البيان وعلاقتي مع عضوية اتحاد المزارعين طيبة جدًا وحتى مع الشخصين ما عندي مسألة شخصية معهما. لكنك شخصية مثيرة للجدل منذ كنت واليًا وتذكر الصراع حول ولائية الشرطة وملف التأمين الصحي وإصرارك على تمرير قراراتك. بعض الناس يقولون لي إن الصحف تقول إنك شخصية مثيرة للجدل ولا أعرف إلى ماذا ترمي بالضبط، ولكن إذا اتخذ الشخص قرارًا فهذا يعني أنه مقتنع به، من ثم لا بد أن يدافع عنه «إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا» فإذا وصلت مرحلة اتخاذ القرار فيجب عليك اتخاذه. لكن الرأي الصواب قد يحتمل الخطأ؟ أنا لا أتخذ قرارًا في عمل الآخرين بل في عملي، وإذا اتضح لي أنه خطأ فسأتراجع عنه، وحتى الآن لديّ قليل من القرارات التي اتخذتها استبان لي خطؤها وليست لديّ مشكلة في الرجوع عنها. وحتى التأمين الصحي الذي ذكرتِه كنت أعتقد أن ولاية الخرطوم لديها الحق في إدارة التأمين الصحي بحكم الدستور وهي قضية دستورية وحاولت الأطراف حلها وديًا. لكن في العمل العام طبيعي أن تنشأ بعض التقاطعات ولذلك ينشئون محكمة دستورية وجهات عليا تفصل بين الأطراف ولكن أغلب القضايا التي حدثت في ذلك العهد لم تخسرها ولاية الخرطوم وكسبتها مثل قضية الشرطة وغيرها، والصحافة تعطي بعض القضايا بعض «التسخينة» للفت الاهتمام.