لا أظن أحداً من الناس يملك أن يشكِّك في عداء المبعوث الأمريكي الأسبق للسودان أندرو ناتسيوس والذي تولى قبل ذلك إدارة المعونة الأمريكية، ولذلك عندما تأتي الشهادة منه فإنها تصبح دامغة ولا يستطيع أحد إنكارها وللتذكير فقط بحقيقة عداء الرجل للسودان الشمالي أقول إنه كان قد طالب الإدارة الأمريكية والحكومات الأوربية في أغسطس الماضي بعقد تحالف إستراتيجي طويل المدى مع جمهورية جنوب السودان كما طالب حلف الأطلسي وأوروبا بالتوصل إلى اتفاق ضمان أمني مع الجنوب بحيث يُعتبر أي هجوم على دولة جنوب السودان هجوماً على الولاياتالمتحدة وأوروبا بل إن الرجل طالب حسب صحيفة التايمز وصحيفة «قلوبال ببلك اسكوير» بعقد اتفاق للتجارة الحرة يربط أمريكا وأوروبا اقتصادياً بدولة جنوب السودان بما يسهل انسياب الاستثمارات الغربية. هذه المرة شنّ ناتسيوس هجوماً كاسحاً على بعض رموز المحافظين الجدد المعادين للسودان الشمالي بقوله إن الأكاذيب التي يطلقونها حول المقابر الجماعية في جنوب كردفان «تضعف كل منطقنا ضد السودان» وخصّ في هجومه الفنان الأمريكي جورج كلوني الذي تخصَّص في تلفيق الاتهامات ضد السودان واصفاً ادعاءاته حول وجود مقابر جماعية في جنوب كردفان بالزائفة والتي لا أساس لها من الصحة مشيراً إلى أن ادعاءات كلوني حول وجود ثلاث مقابر جماعية في كادوقلي مجرد تلفيق حيث قال: «لا أصدق هذه التقارير كما لا أصدق أنها مقابر حقيقية». كما شنّ ناتسيوس هجومًا ضارياً على برندر قاست، ذلك العدو اللدود للسودان والذي يتزعّم مع مجموعة من صقور المحافظين مشروع «كفاية» المتخصِّص في العداء للسودان حيث هاجم ادعاءات برندرقاست بأن عدد النازحين من دارفور يقارب 055 ألف نسمة واصفاً ذلك بالأكاذيب ومتسائلاً من أين جاء هذا الرجل بهذه الأرقام؟! خبر ناتسيوس الذي سنتعرض بعد قليل إلى أهم جزء فيه ورد في صحيفة «سيتزن» الإنجليزية بتاريخ 6/01/1102 وقد لفت الرجل النظر إلى أن أمريكا تخسر بسبب عدائها للسودان الشمالي وتتيح الفرصة للصين التي تجيد ملء الفراغ الناشئ عن التعنُّت الأمريكي تجاه السودان؟! وأعرب ناتسيوس عن أسفه على عدم تطبيع العلاقات السودانية الأمريكية بسبب العقوبات المفروضة من قِبل أمريكا على السودان مضيفاً أن عقوباتنا ضد السودان ألحقت بنا الضرر «ففي الوقت الذي تلتزم فيه الشركات الأمريكيةوالغربية بتطبيق العقوبات وتُحجم عن الاستثمار في الأصول والموارد الطبيعية السودانية فإن الصينيين دخلوا وأفادوا من ذلك واستطاعوا أن يشتروا معظم البترول بجزء صغير من السعر الحقيقي متجاهلين الغضب العالمي ضد البشير»، وأضاف ناتسيوس أن «البترول السوداني من أصعب أنواع البترول في عمليات التكرير والتصفية بسبب احتوائه على كميات عالية من الكبريت ولا يملك الصينيون التقنية الكفيلة بإجراء التكرير بينما نمتلك نحن تلك التقنية لكننا لسنا موجودين هناك ولذلك فإن الصينيين يدفعون أقل بكثير من سعر المثل بينما يفقد السودان جراء ذلك في الوقت الذي كان من الممكن أن يربح لو كنا موجودين»!! ما استعرضتُ هذا الخبر إلا لأبيِّن أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها أمريكا جراء الحروب التي شنّتها خلال فترة رئيسها الأحمق الصليبي جورج بوش الابن ثم العقاب الإلهي الذي أخذ يضربها منذ سنوات وأخذت وتيرتُه تتصاعد خلال العام الأخير الذي تعرضت فيه ولا تزال للزلازل والأعاصير.. أقول إن أمريكا التي باتت تترنّح بدأت تعيد النظر في سياساتها التوسعية والعدوانية الأمر الذي جعل الكثير من العقلاء من أمثال ناتسيوس ينتقدون غطرستها وتجبُّرها وطغيانها ويدعون إلى سياسة براغماتية تُنهي التفكير بعقلية المحافظين الجدد الذين يسوقون أمريكا نحو هاوية سحيقة كما أن الشركات الأمريكية باتت أكثر جرأة في المطالبة بتغيير السياسة الأمريكية المتعنِّتة ضد السودان الذي يعلمون ما في جوفه وأرضه من كنوز وخيرات. ثم إني قصدتُ كذلك أن ألفت نظر وزارة الخارجية إلى أن مثل هذه الآراء والأجندات ينبغي أن يُستفاد منها في حربنا الإعلامية ضد أعداء السودان داخل أمريكا مثل مجموعة البلاك كوكس والمحافظين الجدد ولا يفوتني أن أذكر أن عرمان في كلمته أمام لجنة الكونجرس الأمريكي خصّ بالشكر بعض أعداء السودان الشمالي والغريب أنه قال: «إن كونجرس الولاياتالمتحدة كان حامل لواء السبق في المدافعة عن حقوقنا ولعلَّ أسماء مثل أعضاء الكونجرس دونالد بين وفرانك وولف وجيم ماكغفرن تحظى بمكانة سامقة في وجدان الشعب السوداني»!! بالله عليكم هل رأيتم كيف يكذب هذا الكذاب الأشر؟! مَن مِن الشعب السوداني يعرف هؤلاء التافهين الكفرة الصليبيين المعادين لله ورسوله ولشعب السودان الشمالي... من يعرفهم حتى يقول الرويبضة إنهم يحظون بمكانة سامقة في وجدان الشعب السوداني؟! إن الرياح تهب في مصلحة السودان فإذا كان ما سُمِّي بالربيع العربي يدشن لدورة حضارية جديدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي تعيد للإسلام مجده فإن السودان سيكون من حاصدي ثمار ذلك الربيع سواء من حيث تأمين الجوار المصري والليبي اللذين كانا حرباً علينا أو إنهاء الدور الأمريكي في المنطقة بما يضيِّق الخناق على أمريكا ويجعلها أكثر براغماتية في تعاملها مع السودان وفي سياستها الخارجية عموماً كما أن الجوع الذي يضرب جنوب السودان ودول الجوار الإفريقي مما يساعد في إنهاء الضغط على السودان الذي ينبغي أن يولي أمر الإنتاج الزراعي اهتماماً خاصاً خلال الفترة القادمة ليس فقط من أجل فك الضائقة الاقتصاية التي يعاني منها والتي أنتجت أزمة الجنيه السوداني وإنما لتأثير ذلك على أمن البلاد التي ستكون الملاذ ليس لجنوب السودان الذي جاءها جاثياً على ركبتيه وإنما لمحيطها الإفريقي بل والعربي. إنني متفائل وربِّ الكعبة أن ربيع السودان قادم بعد أن استدبر ذلك الخطأ التاريخي وانتصر لهُويته بعيداً عن وحدة الدماء والدموع.. ومتفائل أن غداً جديداً سيشرق على عالمنا الإسلامي تعلو فيه راية الإسلام وتخفق، وتنحدر فيه أمريكا إلى القاع، ويعيد التاريخ نفسه مذكراً بأن العام الذي سقطت فيه الأندلس «2441م» هو العام الذي اكتُشفت فيه أمريكا فأي خير رُفع في ذلك العام وأي باطل وُضع؟!