لا بد أن الكثيرين لم يسمعوا بشيء اسمه البرمجة العصبية اللغوية.. وقد يعتقد بعضهم أن هذا الشيء له علاقة «بالجن الكلكي» والأمراض العصبية والتوترات النفسية... وتزيد حيرتهم عندما يضاف الأمر إلى اللغة... ونطمئن الجميع بأن الموضوع «ساهل» جداً فقط عليهم أن يصبروا علينا شوية... والمعروف أن البني آدمين يفهمون، بطرق ثلاثة تختلف من واحد لآخر.. فأحدهم تدخل المعاني في ذهنه في شكل صور... وهذا النوع سريع الفهم... لا يحب الكلام الكثير... ويقف دائماً شامخاً وينظر إلى الأمام والأعلى ومرتفع الصوت ويحب تجويد العمل ويكره «التفلسف» والأسهاب.. ومن هؤلاء القادة والرؤساء وأصحاب العمل، وهذا النوع يسمى «البصري الاستجابة» والنوع الثاني من الناس يفهم بعد الاستماع إلى الكلمات ويقلب الأصوات في ذهنه.. ولهذا كثيراً ما يكن متأخر الاستجابة كثير الكلام.. لا يصلح للقيادة ويسمى «السمعي» والنوع الثالث من الناس تجده حساساً يحتاج إلى أن يلمس الاشياء أو يتخيل أنه يلمسها، وهؤلاء أصواتهم منخفضة واداؤهم متمهل، ويتحركون كأنهم يتحركون بالكهرباء البطيئة.. ومن هؤلاء الشعراء والكتاب ومعظم «النسوان».. ولهذا تجد معظمهم يقولون فلانة ما سلمت عليَّ، فلانة مدت لي طرف أصابعيها.. فلان جانا رفع الفاتحة ومشى وما قعد معانا.. فلان سمّعَنا كلام فارغ... فلانه طلّعت لينا عدتها وكبابيها... وجبنا الشيلة وريناها ليهم، لبست غويشاتي وريتم أنا منو... فلانة جات لابسة داك يا التوب.. مشتريهو ليها عمها الراكب العربية المكندشة هواها يضرب»... وهؤلاء القوم اسمهم الحسيون.. وهناك «كورس» يتم تدريسه الآن في «مركز الغرس الطيب» بشارع عبيد ختم يقوم على تقديمه البروف الدكتور عبد المنعم العميري بالتعاون مع إدارة المركز... وفي نظري أن حضور مثل هذه الكورسات ضروري جداً لتأهيل الكوادر المختلفة العاملة في مجال الاتصال والعلاقات العامة وإدارة الموارد البشرية.. وليست هذه دعاية لدكتور العميري ولا للمركز ولكنها دعوة لتدريب الكوادر بالمؤسسات الحكومية والخاصة. ومما يمكنك الحصول عليه من معارف أثناء التدريب أن تكون قادراً على معرفة الفرق بين المشكلة والحل... وستعرف أن الأمريكان عندما أرادوا صعود القمر وهم ينافسون الروس في ذلك الوقت من منتصف القرن الماضي... كانت قد واجهتهم مشكلة «الجاذبية». والمعروف أن قلم الحبر يكتب لأن السائل ينساب بفعل الجاذبية الأرضية من القلم إلى الورقة.. وهذه الجاذبية ترتبط بالكرة الأرضية... وعندما يصعد المكتشفون إلى القمر سوف تنعدم كفاءة الجاذبية وقد ينعكس الأمر تماماً وبدلاً من أن ينزل الحبر فأنه قد يطلع إلى أعلى على عكس ما هو متوقع... والأمريكان اهتموا «بالمشكلة» ... وصاروا يغوصون في البحوث والتجارب ويكررونها... وخسروا في ذلك ثلاثمائة وخمسين مليون دولار حتى تمكنوا فقط من جعل قلم الحبر يستطيع أن يكتب عكس الجاذبية الأرضية.. واستغرق الأمر عندهم سبع سنوات لكي يناقشوا مشكلة الحبر في القلم.... فكلفهم ذلك المال والجهد والوقت والتفكير... ولكن الروس اهتموا «بالحل»... وهو أن يكتبوا في ظروف «عكس الجاذبية»... ولم يتعبوا كثيراً في ايجاد الحل فقد اهتدوا إلى الحل عن طريق استعمال «قلم الرصاص» بدلاً من قلم الحبر... وإذا كانوا طبعاً في السودان كانوا سوف يستعملون «الفحمة» للكتابة ضد الجاذبية. على كل حال أردنا أن نقول إن هناك فرقاً كبيراً بين أن تنغمس في ايجاد الحل أو تنغمس في مناقشة المشكلة.. وهذا ما تفعله مثل هذه الكورسات التي اقترحناها في مجال البرمجة العصبية اللغوية، فهي تعلمك كيف تهتم بحل المشكلة بدلاً من الاهتمام بالمشكلة في ذاتها وتفاصيلها. ولعل أحزابنا السياسية هذه الأيام وفي السابق كانت على الدوام تغرق نفسها في تضخيم المشكلات ووصفها وتترك الآخرين يقومون بالحل.. مثلاً المعارضة بأنواعها تكورك من الكهرباء التي قطعت، والكهرباء التي ستقطع والكهرباء «المافي» والكهرباء «الماجات» والكهربا الما وصلت.. ولكنها لم تقم في يوم من الأيام بالتفكير في الحلول بأية طريقة من الطرق.. فلم يعرف عنها أنها اشترت وابوراً أو أقامت سداً أو حتى«ركبت عموداً» لأهلها وجيرانها وحيرانها ومؤيديها.. والمعارضة تكورك أن الأسعار نار والأسعار ارتفعت والأسعار طارت والأسعار «ما ركّت» وأن الشعب يتضور جوعاً والشعب يموت من الجوع.. ولم نسمع بأن المعارضة أنشأت مزرعة أو أقامت متجراً أو أنشأت سوقاً بأسعار مخفضة.. فهي دائماً تفكر في المشكلة وتتحدث عن المشكلة.. وتترك الحل للحكومة وللمؤتمر الوطني ليقيم الأسواق ومحطات الكهرباء ويبني المتاجر ويعرض السلع.. ولهذا فالمؤتمر الوطني يكسب المؤيدين والمعارضة تخسر. { كسرة مضت حتى اليوم ثلاثون يوماً على برنامج «تسخين الخرطوم» الذي طرحته مجموعة الأحزاب الماوطنية والجبهة الثورية...وبقيت فقط سبعون يوماً لهذا البرنامج «الوهمي» ولم نشعر بأن الخرطوم تم تسخينها حتى الآن.. وجاء عيد الإنقاذ ... وناس الإنقاذ ذات نفسهم لم يهتموا به كثيراً، بينما وعدنا ناس الجبهة الثورية بالثبور وعظائم الأمور في هذا اليوم.. وحدثنا من حضر ندوة الشيوعيين بأن الحضور في ندوة «تسخين المائة يوم» كان سبعة وخمسين امرأة وثمانية ذكور وأحد عشر طفلاً، وكان الكلام خارم بارم.. واختلطت أصوات النسوان بأصوات الأطفال والصبية، وكانت خلاصة الندوة أنهم في رمضان «إن شاء الله» سوف يقيمون صيامات جماعية وإفطارات جماعية «على حد قول مندوب الشعبي» لإسقاط الحكومة... ويا جماعة في رمضان الناس كلها حتكون مشغولة بمسلسلات ال «م. بي. سي» وال «سي. بي. سي» و «كي. بي. جي» وال «شي. بي. شي» وال «تي. بي. تي» وال «دي. دي. تي» وال «كي. بي. كي».. وبعد الفطور عينك ما تشوف إلا النور مافي زول بجيكم يا زول... يا زول مظاهرات شنو وندوات شنو الفي رمضان.. يا زول أنت موهوم واللاّ شنو.. يا زول إنت الله ماليك؟!