كثيراً مانسمع الدعاء (اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم). أحد الذين كان (تدميرهم في تدبيرهم) هو الرئيس جعفر محمّد نميري عندما اختار المشير عبد الرحمن سوار الذهب وزيراً للدفاع. في أبريل 1985 م وضع السيد / سوار الذهب نهاية لحكم السيد جعفر محمد نميري. يُذكر أن خصوم الرئيس نميري كانوا يدعون ضده في مناسك الحج وفي كل مقام الدعاء فيه مستجاب. وقد سمعت بأذنيَّ بعض (الجهابذة) يدعون بمنتهى الخشوع على الرئيس نميري وأعوانه المايويين ب (اللهمّ أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداًَ). ولكن خاب فألهم. فما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين. وبمناسبة (خاب فألهم) هذه هناك قصة. عند زيارة الصين برفقة البروفيسور إبراهيم أحمد عمر قالت المترجمة الصينية (نجوي) وهي فتاه صينية في الثالثة والعشرين تتكلم بالعربية بلهجة شامية (كان أبي يريدني ولداً ولكن خاب فأله). في نهاية الثمانينات في واشنطن وفي حفل عشاء أقيم على شرف السيد الرئيس / عبد الرحمن سوار الذهب، سألت السيد / سوار الذهب لماذا اختارك الرئيس نميري وزيراً للدفاع؟ فأجاب المشير بهدوئه وأدبه: لأمرٍ يعلمه الله. حقيقة هناك كثير من ظواهر السياسة السودانية التي عندما تستعصي على التحليل يفسرها البعض بطريقة غيبية ويضعونها تلقائياً في إطار (لأمرٍ يعلمه الله). قال ابن حزم في(طوق الحمامة) عن الذي لا يدري مكان حبيبته أنه يكفيهما أنهما موجودان في علم الله! ونعم بالله. مثلاً الشيوعيون السودانيون الذين بعد نهاية الحرب الباردة هربوا من موسكو إلى لندنوواشنطن، أصبحت آذانهم (لأمر يعلمه الله) تحبّ دقات ساعة (بيج بن) اللندنية أكثر من نظيرتها ساعة الكرملين. أصبح ميدان (الطرف الأغر) و «بيكاديللي» و«هايد بارك» أحبّ إليهم مما طلعت عليه شمس موسكو، من ميدان الكاتدرائية وميدان إيفانوف وميدان النصر حيث «180» نافورة ماء ملوَّنة بالأحمر. حيث المتحف الرائع الذي أقيم في نفس المكان الذي تمّ منه صدّ الجيوش الألمانية الغازية. في المتحف «8» ملايين دمعة كريستال مضيئة تخلِّد ذكرى «8» ملايين قتيل فقدتهم روسيا في الحرب العالمية الثانية. أصبحت لندن أجمل من موسكو رغم الكاتدرائية (أسمى عليها ميدان الكاتدرائية) التي تبرز أناقة الفن المعماري الروسي كما تبرزه (كمان وكمان) كاتدرائية (آرش آنجل) مذهبة القباب وسور حديقة (أليكساندروف) آية الجمال. معمار مباني موسكو (زواج أرثوذكسي) وقصة حبّ سعيدة خالدة بين المعمار الروسي والمعمار الإيطالي. كلّ بناية بصمة فنان، متميزة بذاتها، جميلة بذاتها. كلّ بناية جميلة، عاشت ليلة العمر في وجدان مبدعها، قبل أن تخرج على الملأ نصباً تذكارياً لنجاحه! أبراج موسكو ومضات مجسّمة من الفنون الجميلة المعمارية، برج (سباسكايا) برج (نيكو لسكايا)، برج (نبتانيا)، برج(تينتسكايا)، برج (يورو فتسكاتا)، برج (كومندا نتسكايا). في الميدان الأحمر توجد قبور رؤساء الاتحاد السوفييتي وضريح لينين... كان الشيوعيون السودانيون يزورون ضريح لينين ومومياء الزعيم... يطوفون حولها كما يطوف الصوفيوّن في (طنطا) حول ضريح الشيخ أحمد البدويّ... لكن... لأمر يعلمه الله... إطلاقاً لا يوجد أحد اليوم من الشيوعيين السودانيين في موسكو...