ما زال صدى صوت الرائد آنذاك واللواء الركن «م» الآن يونس محمود يتردد في أذني وهو يمجد شعبه عبر الأثير في بواكير الصباح «أيها الشعب السوداني البطل» وذلك عندما كانت ثورة الإنقاذ الوطني طفلة تحبو ويتربص بها أعداء الداخل الذين أيبست خضراءهم وأعداء الخارج الذين خيبت آمالهم.. إنه شعب انفرد بصفة البطولة بين شعوب الدنيا، شعب صبر على حكوماته من الأحزاب منذ أن نال استقلاله فلم ينعم بحياة رغدة ولم يرَ تنمية في وطنه ولم يسمع إثارة قضاياه من نوابه الذين ولجوا قبة الجمعية التأسيسية اللهم إلا ما يهمم من زيادة مخصصاتم وتصديقات عرباتهم. شعب صارع غول الحياة المعيشية بكل صبر وإيمان ودرج على السهر للفوز بموقع متقدم في طابور الرغيف والبنزين ووقية من سكر. شعب كابد كثيراً في نصر الله فنصره بثورة الإنقاذ الوطني على الظلم وعلى الذين يسعون لإطفاء جذوة الإسلام في وطنه. لم يهنأ ذلك الشعب البطل كثيراً بثورته لتكالب الأعداء على إجهاضها في مهدها فزاد من دعمه للتمرد الجنوبي حتى انشطر الإقليم من الدولة الأم ولم يتوقف عداؤه للسودان عند ذلك الحد بل استمر في تفقيس فصائل أخرى لتتمرد على الوطن وتبناها وشدَّ من أزرها لتمكينها من تنفيذ أجندة صُمِّمت بكل خبث لتفتيت السودان إلى دويلات ليس بيد قادتها سلطان وغُرِّر بأبناء تلك الفصائل وبوعود من أمريكا وإسرائيل والصهيونية العالمية كلها كالسراب فسدروا في غيهم لأنهم لا يعلمون أن تلك الدول لا تشيد مشفىً أو جامعة أو صرحاً خدمياً بل تمدهم بالسلاح والذخائر ليقتتلوا مع أبناء جلدتهم ويضعفوا وتذهب ريحهم ويصيروا في نهاية المطاف لقمة سائغة للابتلاع. الشعب ينتظر أن يكف أبناء الوطن الواحد من العداء ويضعوا السلاح أرضاً ويجلسوا حول مائدة المفاوضات للوصول لكلمة سواء وأن تكف أحزاب المعارضة عن إشعال بؤر الخلاف وأن يجلس الجميع للحوار ويبدلوا آلية إسقاط الحكومة من البندقية إلى صناديق الاقتراع وأن يحملوا الثوابت الوطنية في بردة تشاطرهم في حملها الحكومة ليفوزوا برد الجميل للوطن الذي انحدروا من صلبه كما فازت القبائل العربية بشرف وضع الحجر الأسعد في ركن البيت الحرام عندما حملته في بردة بتحكيم من سيد البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما اختلفوا في حمله ووضعه. الشعب السوداني البطل ينتظر من الحكومة أن تسهل له كسب عيشه الكريم بالقضاء على غول الأسعار وينتظر منها أن تقضي على الفساد الذي استشرى بكل أنواعه وجز رؤوس اللصوص والحرامية الذين لا يتورعون عن انتزاع لبن من فم طفل أو اقتلاع لقمة من فم جائع مسكين. الشعب ينتظر من حكومته أن تقوم بمحاسبة كل من قصر في واجباته التي أسندت إليه ومحاكمته أمام الشعب وإنزال عقاب رادع عليه حتى يكون عظة وعبرة لغيره. الشعب ينتظر من كل الجهات التنفيذية أن تقود باحترام القرارات الرئاسية التي لا يعلو عليها قرار احتراماً لقدسيتها حتى يطمئن بأن قرارات راعيها في حدقات العيون وإن هناك من ينصفه إذا ظُلم ويحميه. الشعب ينتظر من المعارضة أن تكفَّ عن الارتماء في أحضان أعداء الوطن والدين وأن تعلم بأن الاستهداف والمخطَّط المرسوم الآن ليس معنيًا به المؤتمر الوطني وحكومته بل يرمي لتفتيت السودان وطمْس هُوية شعبه وشطبه نهائياً من خريطة إفريقيا.إن الشعب السوداني البطل ينتظر الفرج ولكنه يعلم بأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة لذا فإنه لبس جلود النمور وكشَّر عن أنيابه وامتشق السلاح كتفاً بكتف مع قواته المسلحة وقواته النظامية الأخرى وأبنائه في كتائب الدفاع الشعبي وهم يحرصون على النصر أو الشهادة كحرص أعداء الوطن على الحياة. والله أكبر وعاش الشعب السوداني البطل.