هيئة مشتركة مقرها الدائم جدة وقال الساعاتي: «إذا عدنا إلى تاريخ اهتمامنا بالثروة المعدنية، فإن الأستاذ أحمد زكي يماني وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق كان قد وقع مع نظيره السوداني في عام 1964م على اتفاقية إنشاء هيئة سعودية دائمة مقرها مدينة جدة للبحث في تقاسم استغلال الموارد الطبيعية التي تقع في البحر الإقليمي للدولتين، ولقد تشرفت بحضور جانب من هذه الاجتماعات التي كانت تتحدث عن تكامل سعودي سوداني هدفه استغلال واستثمار مشترك لثروات البحر الأحمر.. ورغم مرور نصف قرن تقريبا على تشكيل اللجنة السعودية - السودانية، فإنه من المؤسف أننا لم نحقق في الواقع شيئاً ذا قيمة على طريق استغلال ثرواتنا في البحر الأحمر»! ثروتنا في البحر تفوق قيمة ثروتنا البترولية ويضيف: «إن البحر الأحمر يعتبر مورداً متعدد الثروات، ولكن للأسف مازلنا نجهل حجم ثرواتنا في البحر الأحمر، وأؤكد أننا في أمس الحاجة إلى معرفتها، وبمعنى آخر فإن البحر الأحمر بالنسبة للمملكة العربية السعودية كنز مازال مجهولا، ومازلنا في أمس الحاجة إلى اكتشافه، وأزعم أننا إذا كلفنا شركات عالمية بالبحث والتنقيب عن ثرواتنا في قيعان البحر الأحمر، فإننا سنكتشف أن الثروة التي نملكها في قاع البحر الأحمر تقدر بمبالغ خيالية، وربما يكون مفاجأة لنا أن نكتشف أن ثرواتنا في البحر الأحمر تتجاوز قيمة ثرواتنا البترولية، ولكن جهلنا بها يجعلنا لا نعرف شيئاً عن الكنز المدفون، كذلك فإن البحر الأحمر يعتبر ممراً مائياً استراتيجياً للسفن التي تحمل البترول أو السفن التجارية التي توفر للمملكة السلع والخدمات الضرورية لاستمرار مشروعات التنمية، يضاف إلى ذلك أن بعض الاكتشافات المبدئية تؤكد أن البحر الأحمر زاخر بالثروات البترولية والمعدنية، كذلك فإن ساحل البحر الأحمر الشرقي يشهد في هذه الأيام أكبر المشروعات لتحلية المياه في العالم، بمعنى أن البحر الأحمر هو مكمن الثروة المائية والمورد المائي الرئيس لسكان المملكة العربية السعودية، فمنه يعيش الناس وعليه تقوم مشروعات الأمن الغذائي، وإن السعودية هي إحدى الدول المهمة التي تطل بمساحات شاسعة على البحر الأحمر، بل تحتل المملكة كامل الساحل الشرقي للبحر الأحمر تقريبا بدءاً من العقبة في الشمال حتى جازان في الجنوب. ومن خلال هذا الموقع الشاسع فإن مسؤولية المملكة إزاء استتباب الأمن واستقرار الملاحة في البحر الأحمر.. تصبح مسؤولية كبيرة ومباشرة يفرضها الموقع الجغرافي وتفرضها طبيعة النشاط التجاري التي تربط الشمال بالجنوب، وتفرضها أيضا القرارات الدولية، إنني أرجو من وزارة الداخلية أن تعمل على تأمين البحر الأحمر ووضع نظام لحماية سواحلنا والحرص على توقيع اتفاقيات دولية مع جيراننا في البحر الأحمر لحماية السواحل وتقسيم الثروات، وهذا ما كان يحرص عليه الملك عبد العزيز يرحمه الله في بداية تأسيس المملكة، حينما كان يوقع اتفاقيات الحدود الدولية مع كل دول الجوار، أيضاً أهيب بالجامعات السعودية أن تهتم أكثر بعلوم البحار، وبالذات جامعة الملك عبد العزيز التي أنشأت كلية لعلوم البحار، ولكن لم نسمع عن مخرجات هذه الكلية إزاء اكتشاف وتنمية مواردنا في البحر الأحمر والخليج العربي.. وهكذا فإن المملكة دولة حباها الله سبحانه وتعالى بالخيرات في البر والبحر والجو، ففي البر والبحر البترول ويسكنها إنسان موهوب، وفي الجو تقبع الطاقة الشمسية، وفي البحر ثروات مجهولة تتجاوز كل ما نملك في الجو والبر. التعاون السعودي السوداني الاقتصادي والحقيقة التي أريد أن أؤكدها هنا في مقالي الثالث والأخير في هذا الموضوع إن شاء الله، هو أن الهيئة المشتركة هيئة للتعاون الثنائي الأمني تحت غطاء اقتصادي في المياه الإقليمية المشتركة للبلدين في البحر الأحمر، وقد أكدت المهددات الخطيرة لأمن البحر الأحمر التي ظهرت أخيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وبالقرب من البلدين، أثبتت بُعد نظر القيادتين في الرياض وفي الخرطوم ، ووضوح رؤيتهما للأحداث السياسية والأمنية المتوقعة والتي أوجبت عليهما المبادرة إلى تعاون أمني ثنائي يستبق تلك الأحداث لتلافي خطرها على أمن وسلام البلدين واستقرارهما السياسي، لخدمة مصالحهما الاقتصادية والتجارية المشتركة. وللجانب السوداني كلمته بشأن هذا التعاون الأمني في مياه البحر الأحمر.