عايشت تجربتين في بلدين خليجيين ذاتا قواسم كثيرة مشتركة وإن تميزت كل منهما على الاخرى بسمات.. إلا أن تجربتي الثانية كانت في بلاد الحرمين وهي بيئة معززة لتوجهات الأسر المقيمة لتربية أبناءها تربية تعزز القيم وتشكل حماية لهم ضد طمس الهوية وتغريبهم ثقافيا من خلال البيئة الروحانية التي تحيط بيئة نشأتهم وتعليمهم وتربيتهم إذا ما وضعت الأسر ذلك ضمن أولوياتها وأولته جل عنايتها. ولكن شواغل الحياة أخذت الآباء بعيدا عن متابعة أبنائهم والحرص على ربطهم بتراث وطنهم الأم وزياراتهم له في الإجازات واستمراء الأمهات لحياة المهجر وتشاغلها عن أبنائها بالنوم ومتابعة المسلسلات وجديد الموضة وبطبيعة الحال فان ما نشير إليه واقع معاش ولكنه ليس اتهاما يطال الكل..إن حياة المهجر فيها كثير من الدعة والراحة الأمر الذي يجعل ناشئة الأبناء تتربي في بيئة مغايرة تماما لواقع الحال في وطنهم السودان... ونجد أن انصراف الأسر نحو الفضائيات الخارجية وندرة التعامل مع الفضائية السودانية يضعف معرفتهم بالوطن وثقافته وتقاليده وأعرافه وهو أمر له انعكاسه علىِ المدى البعيد على حياة أبنائنا.. إن الأسر كثير ما تنصرف مع مرور الزمن عن متابعة مسار أبنائها فليبسون كما يريدون حتى وان خالف ذلك العرف والتقاليد وتركتهم فريسة لاختياراتهم في كل شيء فلا يعرفون شيئا عن أصدقائهم ومشاهداتهم لا سيما في ظل تطور وسائط الاتصال التي جعلت الأسر بمعزل عما يفعله الأبناء دون رقيب أو حسيب أو موجه ، كما أن حياة المهجر عززت قيم أن يأكل كل فرد في الأسرة بالطريقة التي تريحه وجلهم يعتمد على الجاهز من الساندويتشات ال take away .. إن ما كشفت عنه تجربة أبناء المغتربين للدراسة في السودان وتصنيفهم من قبل زملائهم على أنهم «مرفهين» حناكيش .!وان لهم لغتهم الخاصة وتحفظاتهم في الاندماج في مجتمع الجامعات التي يدرسون فيها جعلتهم موضع تندر رصفائهم في تلك الجامعات.. وإفرازات ذلك لا تخفي على احد إذ واجهوا الكثير من المتاعب للتأقلم مع واقعهم الجديد الأمر الذي دفع آباء بعضهم لإيجار شقق خاصة بهم توفر لهم خصوصية الحياة وتقليل الضغوط النفسية عليهم ذلك بالإضافة لمعاناتهم في التكيف مع واقع المواصلات في السودان.. ولعل فيما حدث لبعض أبناء المغتربين نتيجة سكنهم في الشقق كان ثمنه كبيرا ومؤلما.. إن واقع الاغتراب حاليا يصبح غير مشجع لبقاء الأبناء مع الأسرة بالمهجر فلا بد من عودتهم للدراسة في الوطن باعتباره مكان وجودهم الطبيعي مستقبلا وحتى يرفعوا عن أسرهم تحمل دفع رسوم دراستهم كطلاب شهادة عربية بالدولار وبمبالغ كبيرة..إن واقع المهجر يتطلب كثير اهتمام من الأسر بتربية أبنائها وربطهم بوطنهم وتقليل مخاطر ترك الحبل لهم على القارب يصادقون من يريدون ويخرجون ويعودون متى ما أرادوا دون أن يسألوا أين كانوا ومع من؟؟ يعلم الجميع أن كثير مشكلات تحيط ببعض المغتربين وهي ظروف غير مشجعة لبقاء الأبناء بالمهجر فلا بد من الالتفات لأبنائنا فهم رعيتهم بحكم مسئولية الأبوة .. فهل نفلح في أن نضع أبناءنا علي طريق المستقبل ونبعد عنهم شبح المخاطر التي تتهدد حياتهم إن الغربة أصبحت هما صعب التخلص منه وقد تبلبل المغتربون ما بين بناء المنزل وتعليم الأبناء وتربيتهم. ولعل أدب المهجر قد رصد الاغتراب منذ التفكير فيه كحلم وبين مثالبه التي انعكست على صحة المغترب وعزلة الأبناء اجتماعيا في منازل مغلقة الأبواب وهي آثار عايشها بعضنا إن لم يكن جلنا! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.