عادت الى السطح مجدداً تصريحات بعض المحسوبين بالغرب في حديث لوزير الدولة البريطاني للشؤون الإفريقية بالقمة الإفريقية بنيجيريا مؤخراً حيث عكس حجم الافلاس والتخبط والتعسف الغربي وعدم الاحترام والحياد تجاه قيادة السودان وشعبه ومن ارتفاع منسوب الوعي لحكماء افريقيا جراء ثبات الموقف الافريقي واستقلالية قراره، بعد اكتشاف زيف هذه المؤسسة غير الاخلاقية «المحكمة الجنائية»، وكما مقدمة لهذه القضية وبالتفصيل نجد انه، عندما فشلت الولاياتالمتحدةالأمريكية في الضغط على النظام السوداني لتنفيذ أجندتها في القارة الإفريقية وخاصة منطقة القرن الإفريقي؛ استخدمت ورقة التمرد في وجه الدولة السودانية، وعندما فشلت في الإسراع بالانقضاض على الدولة حينها قامت بالعدوان القضائي الدولي على السودان لتحقيق مآربها السياسية، ولذلك يجب أن نقر أن قضية المحكمة الجنائية سياسية في الأساس، وتفتقر إلى القواعد القانونية، كما أنها ترسخ مبدأ الكيل بمكيالين؛ فرغم الجرائم التي ارتكبتها الجبهة الثورية بحق المدنيين «بامروابة» «واب كرشولا» وقبلها.. وايضاً الجرائم الصهيونية الواضحة في الأراضي الفلسطينية نجد أن المحكمة لم تتخذ قرارًا مماثلاً مع قادة الحركات الإرهابية المسلحة او قادة الكيان الصهيوني سواء السابقين أو الحاليين أو حتى القادمين، إضافةً إلى أن القرار يعتبر شكلاً من أشكال الشفتنة والبلطجة السياسية للولايات المتحدةالأمريكية وحلفائها بالغرب ضد الدول «المستقلة»؛ وخاصة العربية لمحاولة قصقصة ريشها، فإذا عدنا للوراء قليلاً وعند صدور المذكرة نجد أن من أعلن عنها هي وزارة الخارجية الأمريكية وهو ما يثبت أن الأمر سياسي في الأساس، وهذا الذي تم اكتشافه مؤخراً للقادة الأفارقة بمؤتمر القمة ال«50» بأديس أبابا حينما اعلنوا عدم التقيُّد بقرارتها غير المنصفة. وبكل بساطة يمكن أن نطلق عليها شفتنة وبلطجة سياسية، واعتداءً على الشرعية وهو ما رأيناه بشكل واضح منذ عهد بوش السابق، الذي يتعمد غزو الدول «الممانعة» لمشروعه الإمبراطوري، ولا أحد يستطيع أن يحاسبه على أفعاله وجرائمه المتتالية بدءًا من فيتنام مرورًا بالعراق وأفغانستان وفلسطين وليبيا والسودان، فعندما تفشل القوة العسكرية في كسر أي دولة تعارض سياستها الاستبدادية نجدها تتجه لألاعيبها القانونية مثلما حدث مع السودان وقيادته. فالألاعيب الأمريكية - أشكالها متعددة برزت مثلاً : في الكذب على المجتمع الدولي من خلال إصدار تقارير تثبت أن تلك الدولة أو غيرها تمارس أفعالاً تهدد الأمن الإنساني مثلما حدث في العراق عندما كذبت على العالم كله، وقالت إن العراق لديه أسلحة نووية وضغطت على الوكالة الدولية لتبرر هجومها الاحتلالي على العراق ونهب ثرواته، وفي النهاية تقدم اعتذارًا وتقول إنها أخطأت بكل بساطة بعدما قتلت مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء. وأصل القضية ان هناك من يرون ان النظام السوداني ارتكب جرائم بحق شعبه ويجب معاقبته عليها؟ وتصدينا حينها عندما كنت مديراً تنفيذياً للمنظمة السودانية الدولية لحقوق الإنسان واوضحنا لمنظمات حقوقية دولية ذلك، وقلنا لهم نحن لم ندافع عن مدان كما تقولون؛ ولكن ذكرنا لهم انه رئيس دولة الآن ويجب ان نقف ونطالب بالعدالة الحقيقة المجردة عن أية شبهات سياسية، وهو ما افتقدته قضية الجنائية الدولية. فمثلاً قضية دارفور أوضحنا ملابساتها بأنها قضية ترجع إلى عشرات السنين؛ فهي مشكلة في الأساس بين القبائل الموجودة في تلك المنطقة، وكانت تقوم عشرات الحروب للتنازع على الكلأ ومصادر الماء والسيادة على المراعي، وفي النهاية تنهي المجالس العرفية تلك النزاعات. اما تأكيد البعض ارتكاب جرائم بحق متمردين تنظر له الدولة على انه حالة تمرد واضحة المعالم لتحوله من صراع على الحقوق إلى صراع حول القانون والشرعية، فالناظر إلى الأمر يرى أن هؤلاء المسلحين يمتلكون أسلحة متطورة للغاية لا توجد إلا عند دول وأنظمة متطورة الأمر الذي أكد ان هناك قوى إقليمية ودولية كبرى تريد تقسيم وزعزعة امن واستقرارالسودان. فالأمم المتحدة أيضًا كان لها دور خفي في القضية، حيث اختارت موقف رد الفعل في الأزمة بدارفور بدلاً من الفعل، فبدلاً من أن تحافظ على سيادة الدولة مارست ضغوطًا عليها للخضوع لعناصر التمرد وكان نتاجها ذلك القرار الغاشم بحق رئيس الجمهورية الذي حمل الكثير من الثغرات والعوار القانوني فرصدناها وقتها وتم عرضها لجهات دولية مستقلة ساندت موقف السودان الرافض، وعدم توقيعه لميثاق روما الدولي وكانت تحت ثلاثة نقاط: أولها: أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تعامل مع طرف واحد في النزاع؛ حيث انطلق في ادعائه مصدقًا الاتهامات، وبدلاً من البحث عن مصداقيتها انطلق في إثباتها، وما يؤكد ذلك هي تصريحات أوكامبو من بداية الأزمة عبر شاشات الفضائيات، والتي أخرجته وأخرجت مسؤولي المحكمة عن الحيادية التي لا بد أن تلتزم بها كمؤسسة دولية تحترم القانون الدولي. ثانيها: وبما أن السودان ليس من بين الدول الموقعة على اتفاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي؛ كان لزامًا على الدائرة الابتدائية للمحكمة أن ترفض الدعوى المقدمة بحق الرئيس البشير؛ لعدم اختصاصها وإعادة القضية إلى مجلس الأمن الذي يقرر ما يشاء وفق القانون الدولي. ثالثها: هناك عواري وبنود طالما انتقدها العديد من خبراء القانون الدولي منذ نشأة تلك المحكمة، وهو بند إلغاء الحصانة عن رؤساء الدول التي يكون هناك قرارت بشأنهم؛ الأمر الذي يشيع الفوضى في بلدانهم، بالإضافة إلى أن رفع الحصانة ليس من مسؤوليات المؤسسات الدولية، وإنما هو حق الشعوب التي تنتخب وتعزل من تشاء. وبرأيي أن المخرج الوحيد الآن من الهجمة الشرسة على السودان هو خلق تضامن افريقي عربي دولي معتدل والتعويل على الاصدقاء لتأمين المواقف الداخلية لوقف الهيمنة والشفتنة الامريكية على المنطقة ولكسر محاولات تقسيم السودان التي هي في الاساس تهدف لمحاصرة السودان وجيرانه من خلال الوجود الصهيوني في منطقة القرن الافريقي ومنابع النيل. فعلى الجميع ان يدرك ان وقت الهزائم قد ولى وجاء وقت الانتصار والتحرير اذا احسنا ادارة الازمة بوحدة الشعب والجيش والقيادة.