لم يعُد بالإمكان، لجْم التداعي الحتْمي للأحداث في مصر الذي يقود لهاوية الصراع والمواجهات إن لم يلطف الله، ففي وسط حالة الهذيان والعصاب السياسي العارم الذي تشهدُه الساحة المصريَّة سياسيَّاً وأمنيَّاً وإعلاميَّاً واجتماعيَّاً تبدو الصورة العامَّة أكثر وضوحاً مع كل دقيقة تتكشَّف فيها عورات الانقلاب العسكري، وتنامي الرفض الشعبي العارم له في الداخل المصري وحِدَّة المواقف الخارجيَّة حيالَه.. في يوم الجمعة أول من أمس كانت المدن المصريَّة مِرْجلاً يغلي، حيث خرج مؤيِّدو الشرعيَّة والرئيس المنتخب مرسي إلى الميادين والساحات، مؤكِّدين أنَّ احتجاجاتهم واعتصاماتهم لن تتوقَّف حتى يعود مرسي وتنكسر شوكة الانقلاب والمجموعة التي قادته، بينما تنحسر المجموعات المؤيِّدة للعسكر وطغيان الانقلاب بعد أن تبيَّن الشعب المصري كيف تم وأد الديمقراطيَّة الوليدة في مصر.. لكن ما من لطمة وُجِّهت للانقلابين بعد الرفض الشعبي المصري، أكثر من حديث السيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي يوم الجمعة في إفطار عام بالعاصمة أنقرا تُشبه مواقفَه السابقة بشأن القضيَّة الفلسطينيَّة والصلف الصهيوني، وجَّه فيه انتقادات حادَّة وقويَّة للانقلابيين وسخِر من محمَّد البرادعي الذي حوَّلته الدبَّابة العسكريَّة بين ليلة وضحاها من ليبرالي يدَّعي أن صفائحَه الدمويَّة تتكوَّن من مفاهيم الديمقراطيَّة واشتراطاتها، إلى حالة ذيليَّة تتبع للعسكر تتمرَّغ ادعاءاتُه تحت الأحذية الثقيلة.. وبدت المشاهد بين أنقرا والقاهرة أشبه بمعركة كلاميَّة ساخنة، ففي الوقت الذي أكَّد فيه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان رفضَه التماسًا من نائب الرئيس المصري المعيَّن للعلاقات الخارجيَّة مُحمَّد البرادعي بمكالمته عبر الهاتف وقال له: «كيف يمكن أن أتحدَّث معك وأنتَ لستَ ممثلاً شرعيًا لمصر والشعب المصري ولم تُنتخب ولم تحصل في الانتخابات إلا على «1,5» في المائة من الأصوات بينما حصل الرئيس مرسي على «52%» من الأصوات.. وأنت عُيِّنت بإنقلاب عسكري ولم تأتِ ديمقراطياً...» وأضاف «إنهم لا يحبُّون ما أقولُه ويشعرون بالانزعاج.. يقولون إنَّ بعضَ التصريحات والتقديرات جاءت بسبب عدم معرفة كافية بالواقع، ويقولون إننا نستطيع مناقشة ذلك هاتفيًا». في هذا الوقت كانت السلطة المصريَّة الجديدة خاصَّة في الرئاسة ووزارة الخارجيَّة تعبِّران عن الاستياء الشديد تجاه تصريحات وأحاديث أردوغان ووزير حارجيَّته أحمد داود أوغلو حول ما يدور في مصر بعد الانقلاب العسكري وإطاحة مرسي عن الحكم. وقال أحمد المسلماني المستشار الإعلامي للرئيس المصري المؤقَّت المعيَّن من قِبل الجيش المستشار عدلي منصور في مؤتمر صحفي قبل يومين، إن تصريحات تركيا غير مناسبة وتُعتبر تدخلاً في الشأن الداخلي المصري، وعلى أنقرة احترام إرادة الشعب المصري الذي خرج يوم «30» يونيو/ حزيران الماضي، وعلى أنقرة أن تعلم وتنتبه وهي تتكلَّم أنَّها تتكلَّم عن دولة كبيرة مثل مصر ولها تاريخ، ولن تقبل تدخُّلَها في شؤونها». وشدَّد بدر عبد العاطي المتحدِّث الرسمي باسم الخارجيَّة المصريَّة أنَّ الموقف الرسمي التركي ينمُّ عن عدم إدراك لحقيقة التطوُّرات في مصر، ويمثل تحديًا لإرادة الشعب المصري الذي خرج بالملايين إلى الشارع للمطالبة بحقوقه المشروعة. واستدعت الخارجيَّة المصريَّة السفير التركي في القاهرة حسين عوني بوصطالي وأبلغته بأسف مصر العميق لموقف بلاده من التطوُّرات المتسارعة في الساحة المصريَّة، وتحديدًا منذ عزل مرسي. إزاء هذا الوضع كحالة فقط يبدو أنَّ المواقف الدوليَّة سيكون لها ظلال ثقيلة على الوضع المصري بعد أن وجدت انتقادات أردوغان ومجلس حقوق الإنسان ومنظَّمات حقوقيَّة دوليَّة وهيومان رايتس ووتش آذانًا صاغية في كثيرٍ من دول العالم، وتعيش الحكومات الغربيَّة خاصَّة الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة وضعاً صعباً للغاية عبَّر عنه جون كيري وزير الخارجيَّة الأمريكي بأن تقييم الموقف المصري عقب عزل مرسي معقَّد وصعب، وتبدو الأزمة الأخلاقيَّة لدعاة الديمقراطيَّة أكثر وضوحاً أمام الانتهاكات المريعة ضد مؤيِّدي مرسي وقيادات الإخوان المسلمين وما يواجه المتظاهرين العُزَّل من عنف دولة منظَّم.. بالطَّبع ستضيق الأطواقُ على السلطة الانقلابيَّة في مصر ولن تكون العاقبة إلا خيرًا للشعب الصامد والمعتصم بشرعيَّته مع بركات الشهر الفضيل..