مما تميَّز به الشيخ محمد بدر جمعة السلس بين صفة الداعية الذي عمل بما علم وحسبه في ذلك مكرمة (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) كما جمع مع تلك الصفة، صفة المصلح الاجتماعي، وتدل على ذلك جلائل أعماله في التربية والسلوك وهو في ذلك يُعد من أمهر المعلمين الذين هم من فصيله ومن مصاف الذين يُعلمون المواقف قبل المقررات. ومن الذين ينتمون لأقوالهم بأعمالهم في أسمى صور الانتماء الواقعي لمسمى الأقوال بالأفعال.. من ذلك نجد أقواله الخالدة التي حَدَت بها الرّكبان وما تزال ماثلة ومستخدمة في مداواة العديد من العلل، ودعونا نستدعي هنا صورة من صور التحامه بالبيئة وبإرشاد لطيف يمثل أطروحة في دور المسيد الاجتماعي في تحقيق أعلى نسب التوازن في حياة الناس بين ما هو ديني وما هو دنيوي بما يوافق الشرع فقال مشجعاً على العمل والاستثمار وفق نواميس بيئة زمانه.. (العندو «7» سبعة من الضأن وثامنهن العنَّان أي الكبش وتاسعهن المُحْجان- آلة خشبية يُحتُّ بها العلف من أغصان الأشجار- وعاشرهن الصدق والإيمان ؟ إن قال عدمان يبرأ منه ود عدنان = فنلاحظ أن الشيخ قد حضّ على تربية الحيوان ولكنه قرن ذلك السعي بتحري الحلال. فجعل عاشرة تلك الموجهات الصدق والإيمان وقصد بذلك مخافة الله في تنمية السعية، وقرن كل ذلك بحمد الله تعالى فتلك نعمة تستوجب الشكر والشيخ هنا يحذر من الجحود فكان ود بدر الرشيد بين قومه وأهل بلاده بمقام من: (مَدَّ آراءهم بشورى ورد أقوالهم فعالا كما وصفهم شيخ شعراء السودان في ملحمة المسيد التي أوقف فيها لوحاً كاملاً عن رمزية نار التقابة كمصدر يهدي إلى الحق والرحمة حين قال وهذا ما استوثقت منه بنفسي وأنا أجلس إلى الأستاذ عبد الله الشيخ البشير قُبيل خمس ساعات من رحيله وكنت أتوقع إجابته الموافقة لظني ولظن الخليفة الطاهر ود بدر نهار ذات اليوم وكانت إجابته بالإيجاب بأنه قصد في ذلك المشهد بذلك اللوح من ألواح ملحمة المسيد ذلك السجل الحافل بأيادي هذه المؤسسة الاجتماعية الرائدة، وفحوى قوله الذي استقاه من وهج النار التي أوقدها الشيخ ود بدر على النحو التالي:- تشبُّ وهاجة فالتقى مشاعل الحق بالطريق وترتقي بالذين جدّوا على جناحين من عقيق وحولها فتية سهارى جثو لدى سامر لبيق مسود عرشه حصير بعيد مرمى النهى عريق ويمضي شيخ شعراء السودان في توصيف ذلك المشهد على حال كان إدريس جماع قد قال عنه وهو يحيي أدوار وسمات الخليفة حسب الرسول حين قال جماع:0 أنت الكريم ابن الأكارم والإمام ابن الإمام أشعلت للقرآن نار لا تكفّ عن الضرام وعن شبوب تلك النار التي ألقت مجازاً وواقعاً «مشاعل الحق بالطريق» يقول الأستاذ عبد الله الشيخ البشير عن انعكاس شعاع تلك النار على «حفير» مسيد أم ضبان.. مستودع الماء بأم ضبان وأرسلت للحفير شهباً سبحن في موجه الطليق كل ذلك يدل دلالة واضحة على عظمة الأدوار التي قام بها هذا الشيخ الجليل وهو يدعو إلى الخير والمحبة في الله تعالى وفي رسوله عليه الصلاة والسلام ولمن أبانوا سبل الهدى وأحيوا معالم الطريق على موجهات ذلك الحب وهاتيك المحبة التي لا يكتمل الإيمان إلا بها. وأمامنا والله تعالى أعلم القول الحق «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» فقال ود بدر عن تلكم المحبة: العندو محبة ما خلى الحبة والماعندو محبة ما عندو الحبة ومما عُرف عنه وقد ملأت أقواله الآفاق وفي إدراك عميق لمدلول «آفة الأخبار رواتها» فلقد قال في رسالة للجميع:- الكلام الذي قلته إن كان موافقًا للشرع فقد قلته وإن خالف الشرع ما قلته». ومما يُحكى عنه أن قد سأله رجل بدوي عن هل تُقبل صلاتي بدون وضوء بلا عذر فقال له الشيخ هي بي وضوها أريت يقبلوها!! ويحكى عنه مما تواتر لدى الناس أن مجموعة من النساء جئن وقلن إنهن يردن أخذ الطريق من الشيخ ود بدر فقال لهن ما معناه «ما في طريق عندي إليكن غير: طرْفًا سابل.. ومُقْنَعَاً سادل ووجهًا لي الرجال ما بقابل والطاعة وحفظ البضاعة!! ولكونه من أميز قادة المجتمع السوداني في زمانه بالعهد التركي كان مثابة لإصلاح ذات البين ورفع راية «والصلح خير» فكانت أحكامه مقبولة لدى الناس، وقد أكد ذلك في موجهاته لتحقيق الأمن العام بالسبل المشروعة تحقيقاً لمدلول الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ذلك حين قال:- العصا من الكلب والسكين من السلب وفكة الريق «مسمار القلب وأضاف إليها مفهوم «إن جنحوا للسلم فاجنح لها» حين قال: و«البيابا الصلح لا بد من ينغلب»، يرحم الله الشيخ محمد بدر الذي وُلد بقرية الحوارة بحوش بانقا وتوفي بالجريف بموقع يسمى بالجريف شرق مسجد روح الشيخ وهو مسجد والد وآل الأستاذ مجذوب يوسف بابكر عليه الرحمة ونقل الشيخ إلى أم ضبان مقر مسيده .. ذلك حين طلب إليه المهدي أن يحضر إلى أم درمان ويقولون إن الإمام المهدي كان يريد إسناد أمر إلى الشيخ ود بدر وللحديث بقية بإذن الله تعالى..