أمّاهُ لا تجزعي فالحافظُ اللهُ... إنا سلكنا طريقاً قد خبرناهُ... في موكب ٍ من دعاة ِ الحق ّ نتبعهم... على طريق الهدى إنا وجدناهُ ... على حفافيهِ يا أمّاهُ مرقدنا... ومن جماجمنا نرسى زواياه. شباب الإسلامييين في الجامعات السودانية خلال الثمانينات كثيراً ما أنشدوا هذا الشعر الجميل الذي كان يسبح بهم بعيداً في أثير الفداء والخلود. (أمّاه لا تجزعي) من كلمات الشاعر الليبي عمرو النامي. يرجع الشاعر إلى أصول بربرية. هذه المقالة والتي تليها تجيئان في تخليد وتكريم مستحق للشاعر الشهيد الدكتور عمرو خليفة النامي. ومن أنشودات الطلاب الإسلاميين في الجامعات السودانية في نهايات السبعينات والثمانينات كانت (أخى أنت حرّ وراء السدود ... أخى أنت حرّ بتلك القيود... إذا كنت باللهِ مستعصماً... فماذا يضيرك كيد العبيد) للشاعر والأديب والمفكر والمفسّر الشهيد سيد قطب، وأيضاً (مسلمون مسلمون مسلمون... حيث كان الحق والعدل نكون) من كلمات الشاعر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. ومن أشعار الدكتور القرضاوي أيضاً القصيدة الشهيرة (ثارالقريض بخاطري فدعوني... أفضى لكم بفجائعى وشجوني... فالشعر عودي حيث يعصرنى الأسى... والشعر عودي يوم عزف لحونى... ) وهى من (293) بيتاً، ونشرت في كتاب (نافذة على الجحيم )، الذى يتحدث عن محنة الإخوان المسلمين في مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. كذلك كان الشباب الإسلامي في الجامعات والثانويات السودانية ينشد أشعار الشهيد هاشم الرفاعي المتفجرة رجولة وعزماً ومجداً، مثل إلياذته ورائعته الملحمية (أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني... والحبل والجلاد ينتظراني... هذا الخطابُ إليك من زنزانةٍ... مقرورةٍ صخريَّة الجدران ِ... لم تبقَ إلا ليلةٌ أحيا بها...وأحسُّ أن ظلامها أكفاني). وقد كتب هاشم الرفاعي هذه القصيدة قبيل إعدامه شنقا ً في السابعة والعشرين من العمر.وكتب الرفاعي أيضاً (ملكنا هذه الدنيا القرونا... وأخضعها جدودُ ُ خالدونا... وسطَّرنا صحائف َ من ضياءٍ ... فما نسىَ الزمان وما نسينا...) إلى أن يقول (شبابا ً لم تحطِّمْه الليالي... ولم يُسلِم إلى الخصم العرينا... ولم تشهدهمُ الأقداح يوماً... وقد ملأوا نواديهم مجونا... وماعرفوا الخلاعة في بناتٍ ... وما عرفوا التخنُّث في بنينا). وأنشدت المدارس السودانية في نهاية الثمانينات وبدايات التسعينات نشيد ( في حماك ربنا... في سبيل ديننا... لايروعنا الفناء... فتولَّى نصرنا... واهدنا إلى السَّنَن) ، وجاء فيها... (الكفوف بالكفوف فاشهدوه عهدنا... الثبات في الصفوف ... والمضاءَ والفناء ... المئات والألوف فدية ُ ُ لديننا... وعلى شفا السيوف... نستردُّ مجدنا... بالكتاب شِرعةً والرسول ِ قدوة ً... واليقين عدَّة... والإله ناصرا )... هذا الشعر العظيم كتبه الشاعر عبد الحكيم عابدين صهر الأمام حسب البنا (زوج أخت الشهيد حسن البنا ). كما أن الدكتور سعيد رمضان تزوج بنت الامام حسن البنا. الشاعر عبد الحكيم عابدين كان من أوائل (الإخوان المسلمين) الذين زاروا السودان في الأربعينات لنشر دعوة الاخوان المسلمين في السودان. أفاد بذلك الشيخ الراحل الأستاذ حامد عمر الإمام. وكان برفقة عبد الحكيم عابدين عدد آخر من (الإخوان المصريين) منهم (بيومي على الأبيض). أيضاً زار السودان لنشر دعوة الإخوان جمال الدين السنهوري الذي أصبح فيما بعد شخصية بارزة في الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية بجمهورية مصر. الدكتور سعيد رمضان (دكتوراه في القانون) زار السودان في الستينات. ويصفه عارفوه بأن خطيب (خطير جداً) . أيضاً زار السودان في الستينات المفكر الإسلامي الجزائري الكبير مالك بن نبي. كان الطلاب الإسلاميين في الجامعات السودانية ينشدون بعد ثورة شعبان (أغسطس 1973م ) قصائد للشعراء السودانيين جعفر ميرغني (الدكتور) وصادق عبد الله عبد الماجد (الأستاذ). وأيضاً ينشدون القصيدة الجميلة للدكتور ناصر السيد (أنا إن فقدت فلا تقولى فجيعتي أو تبكى بالدمعِ الغزير ِ الهامِر ِ... أنا إن حييت فلا أزال مدافعا ً عن حقِ شعبي في النعيم الزاخرِ ) والتى كان عندما يتم انشادها في (سجن كوبر) في حضور الشاعر، ينفعل بها انفعالاً كبيراً. وفي نهاية السبعينات وبدايات الثمانيات كان الإسلاميون في الجامعات ينشدون أشعار الأستاذ سيد الخطيب (دوّى صوتك شقّ الظلمة وانتبهت كلّ الآذان ... وانفتحت مُقل ُ ُ تكحلها شمس تشرق من إيران ) و(سنار موعدنا يا باغونا ) و(عندما نودي قومي للجهاد ). ومن كلمات أمين حسن عمر (الدكتور ) كانوا ينشدون (برّح الشوق بقلبى يا ابنة الدهقان ِ صُبيّ ) و(جنّات الخطايا) للشاعر المفكّر محمد اقبال و( نجمتنا العذراء) للشاعر (محمد من الله غِزّيل) شاعر سوريّ ، وغير ذلك. وضمن تلك المنظومة من الأناشيد جاءت أنشودة (أماه لا تجزعي فالحافظ الله) وقام بتلحينها الأستاذ الفنان زين العابدين طه بابكر . نصّ القصيدة الأنشودة ... أمّاهُ لا تجزعي فالحافظ ُ اللهُ .... إنا سلكنا طريقا قد خبرناهُ.... في موكب من دعاة الحق نتبعهم... على طريق الهدى إنا وجدناه... على حفافيه يا أماه مرقدنا... و من جماجمنا نرسى زواياهُ... و من دماء الشهيد الحرّ نسفحها ... على ضفافيه نسقي ما غرسناهُ... أماه لا تجزعي بلّ وابسمي فرحا ً... فحزن قلبك ضعف لست أرضاه ُ... أرضعتِني بلبانِ العزِ في صغرِي ... لا شيءَ من سطوةِ الطاغوتِ أخشاهُ ... أماه لا تشعريهم أنهم غَلبوا ... أماه لا تسمعيهم منك أوّاهُ ... إنا شمخنا على الطاغوتِ في شَمَمٍ ... نحن الرجال و همّ يا أمّ أشباهُ... هزأتُ بالأرضِ والشيطانُ يعرضها ...وزيفها ببريقِ الذلِّ حلاهُ ... أمّاهُ ذكراك في قلبي مسطرة ... و فيض عطفك أحيا في ثناياهُ ... ومرّ طيفك يا أماه يؤنسني... إنى و إن صُفتِّ القضبان ألقاه... عشقتُ ركبَ الهدى و النور يعمره... عشقت حسناً عليه الوحيُ أضفاه... عشقت موكب رسل الله فانطلقت ... روحي تحِوم في آفاق دنياه ... لا راحاً دون تحليقٍ بساحتهم... و لا هناء لقلبي دون معناه ... أماه ذلك دربي قد أموت به ... فلا يسوؤكِ كأسُ ُ قد شربناهُ... لا تجزعي لفتىً إن مات محتسباً... فالموتُ في اللهِ أسمَى ما تمنَّاه... أماه لا تجزعي فالحافظُ اللهُ... و هو الوكيلُ لنا بالغيبِ أمّاهُ...كان الفنان زين العابدين طه، قبل انضمامه إلى الحركة الإسلامية، يغني للعميد أحمد المصطفي وأحمد الجابري وعبد العزيز محمد داؤود والعاقب محمد حسن . وبدأ رحلة التلحين بلحن رائع لقصيدة الشاعر الشهير (علىّ المسَّاح ) قصيدة (جاد نسيم ). وقبل أن يتم تقديم أغنية (جاد نسيم ) إلى المستمعين انضم زين العابدين إلى الحركة الإسلامية في بدايات النصف الثاني من السبعينات. فحظر الأغنية، واحتفظ لنفسه باللحن الجميل . وبعد أن قرأ زين العابدين ( أمّاهُ لاتجزعي ) استخدم لحن أغنية (جاد نسيم ) ليصبح لحن أنشودة (أمّاهُ لاتجزعي ) المعروف اليوم، والذى انتشر انتشاراً كبيراً فى أوساط الطلاب الإسلاميين في الجامعات، في نهايات السبعينات وبدايات الثمانينات. ثم أبدع زين العابدين لحن نشيد (هاك من دار جعل ياجون قرنق مكتوب ... من الجيلي لا عند دامر المجذوب ). لحن (أمّاهُ لا تجزعي ) ولحن (هاك من دار جعل ) شهادتان تثبتان المقدرات التلحينية الرائعة للفنان زين العابدين طه. والذي كان بامتلاكه تلك القدرات يمكن أن يحلق بطلاقة . في فضاء الفن الوطني . غير أن الصديق العزيز اختار أن يكون فنان الحزب . والأحزاب تتحوَّل إلى طوائف . والطوائف تتحوَّل إلى قواقع متجعِّدة. فخسر السودان فناناً كبيراً . وخرجت قدرات زين العابدين اللحنية انصخمة ولم تعد حتى الآن ، بعد أن انسربت في التيه .. في الصحراء... صحراء الفن الحزبي. ! لكن مَن هو (عمرو النامي ) الذي كتب قصيدة (أمّاهُ لاتجزعي)؟.