ارتبطت أزمة ولاية جنوب كردفان بالصراع في جنوب السودان الذي أفرز الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 1983، وانتهى ظاهرياً بتوقيع اتفاق السلام الشامل بين الحركة والحكومة السودانية في 2005، ليتجدد ثانية في يونيو 2011، لتعاود الحكومة الجلوس للتفاوض مجددا مع قادة التمرد بولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق تحت اسم قطاع الشمال، ومن المؤلفات الحديثة التي تناولة مسارات اتفاقيات السلام بالولاية كتاب «نظرة تحليلية لمآلات اتفاقات السلام بجبال النوبة» للفترة«1985-2009» من تأليف ابن الولاية دكتور حسين إبراهيم كرشوم، من مواليد كادقلي، وخريج كلية القانون جامعة الخرطوم. تناولت مقدمة الكتاب التصنيف السكاني لجبال النوبة لأربع مجموعات هي: القبائل العربية والقبائل النوبية ومجموعة الداجو وأخرى رابعة. وتطرقت لمساهمة أبناء الولاية في حركات التحرر الوطني، وفي الحياة العامة , فضلاً عن انخراطهم في القوات المسلحة. ويؤرخ الكتاب لبدء الصراع في الجبال بالهجرات التي تعرضت لها بحثاً عن الموارد الطبيعية التي تزخر بها المنطقة، مما أدى لاستقطاب حاد وسط المجموعات السكانية تبعاً لذلك كانت تقوم الصراعات القبلية، التي تخمدها الإدارة الأهلية أما الصراع السياسي العسكري فقد تشكل في الولاية جراء تمدد الصراع المسلح إليها من جنوب السودان، لتظهر اتجاهات جديدة للاستقطاب بين الإثنية النوبية ورصيفتها العربية، اللتين اعتمدتا سابقاً على أحلاف غير مكتوبة, كما كان سائداً بين أولاد المؤمن من جهة العرب وأم حيطان والهدرة من النوبة، أما جذور الصراع وفقاً للكتاب فهي تعود بالدرجة الاولى الى قضية حيازة الأراضي الزراعية بواسطة مشروعات الزراعة الآلية في كل من هبيلا والبيضا حيث تم تخصيص هذه المشروعات للتجار من خارج المنطقة، وبينما يصنف المؤلف الصراع بالولاية بانه يجيء على غرار الحرب في شمال وشرق افريقيا إذ تتداخل فيها عدة صراعات اخرى بأحجام كبيرة من قبيل جيش الحكومة وحلفائها من جهة والمتمردين من جهة والقبائل من جهة اخرى، وذلك بخلاف تفسير القيادي بالجيش الشعبي يوسف كوة الذي وصف الصراع بانه عرقي يستهدف عرقية النوبة من قبل سلطات المركز لإحلالها بعرقية العرب بقصد التغيير الديموغرافي، باعتبارها ممثلا للمركز ومدافعا عن مصالحه، بينما تنظر اليهم القبائل العربية بوصفهم غزاة يستهدفون محو جذور الثقافة العربية والاسلامية من المنطقة، وبالرغم من عمق هذا الخلاف العرقي يشير المؤلف الى إمكانية زوال هذه الجفوة بالوعي والانتباه للقضايا المشتركة بإنشاء جبهة تجمع هذه الاثنيات المتصارعة صوب عدو واحد قد يكون هو المركز اذا لم يتجاوب بموضوعية مع القضايا الملحة بالمنطقة. وفي تقصيه لاتفاقيات السلام بالولاية تطرق المؤلف بداية لمحاولات السلام من الداخل منها مبادرة القاضي احمد ميسو حماد في مايو 1984 التي طرحت من قبل حزب الامة القومي الجديد وكانت الملاحظات التي طرحت حولها من قبل مجتمع الولاية بأحزابه وقبائله تتمثل في انها هلامية وقومية على نحو تجاوز مشكلات الواقع المحلي, عدم اعترافها بخصوصية مشكلة جنوب كردفان، ثانيا: مؤتمر السلام والتنمية 1991 بكادقلي الذي جاء ثمرة حل منظمة «نحن كادقلي» التي كانت احدى واجهات الحركة الشعبية، ثالثا مبادرة محافظ كادقلي«1991- 1992» التي قادها المحافظ آنذاك محمد الطيب فضل الذي اتخذ نهجا سياسياً طابعه تهيئة المناخ العام للسلام، بإجراء اتصالات جريئة مع عناصر الحركة الشعبية بكادقلي، وأدت المبادرة الى عقد لقاء بين وفد الحكومة ووفد الحركة الشعبية في ام سردبة في أبريل 1991 ليوقع الطرفان على اعلان مشترك، ويرى المؤلف ان اللقاء شكل اختراقاً قوياً من قبل الحكومة والحركة ونتيجته هي عقد مفاوضات السلام في منطقة بلنجة مايو 1992 التي خلصت الى توفير الحياة الكريمة للمواطنين والابقاء على قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين مع الاحتفاظ بسريتها، ولربما كان لهذه المبادرة ان تؤتي أكلها لولا أن مساعي المحافظ اصدمت بجدار اختلاف الرؤى بينه وحاكم كردفان اللواء بحري سيد الحسيني الذي يمم شطر الحل العسكري الشيء الذي دفع بالمجتمع الدولي للاهتمام بقضية جنوب كردفان ليدخل ملف انتهاكات حقوق الانسان الى الأممالمتحدة لاول مرة. ولما كانت استراتيجية الحكومة في ذلك الوقت فصل قضية جبال النوبة عن الجنوب انشئت ادارة السلام واعادة التوطين «1993- 1996»، للعمل على احلال السلام وإعمار ما دمرته الحرب، وكان من اهم مشروعاتها ادارة النشاط الطوعي والانساني، وانشاء قرى السلام التي خصصت لايواء النازحين وتعزيز وتأمين القرى التي تعرضت لعمليات عسكرية، إلا ان الاعلام الغربي وفقا لما يرد اليه من المعارضة آنذاك شبهها بمعسكرات التركيز التي اقيمت لليهود ابان عهد النازية في المانيا، وفي عهد الوالي حبيب مختوم «1994-1995» تكللت بعض مساعيه بالنجاح , على خلفية انشقاق الناصر الذي ضرب الحركة الشعبية. وشهد العام 1996 توقيع اعلان مبادئ حل قضية جبال النوبة بين المجموعة المنشقة من ابناء النوبة بقيادة محمد هارون كافي وعن الحكومة مدير ادارة السلام يونس دومي كالو، ولم يتجاوز الاعلان في تقدير المؤلف سوي انه تمهيد لاتفاقية الفصيل المشترك الذي قاد الى اتفاقية السلام 1997 ورغم ان الاتفاقية ابدت اعترافا ضمنياً بقضية جبال النوبة وأشارت الى خصوصيتها الا انها لم تحقق اهدافها بحكم الاختلاف بين ابناء النوبة انفسهم، خاصة نوبة شمال الجبال ونوبة جنوب الجبال، اما الجبال الشرقية فقد نزعت للمطالبة بولاية شرقية منفصلة، ومضى قطار اتفاقيات الجبال ليرسو في سويسرا حيث ابرمت اتفاق وقف اطلاق النار بمدينة بركستون 2002 ومن اهم بنودها تعهد الطرفين بالوقف التام لاطلاق النار فترة ستة اشهر قابلة للتجديد، انشاء لجنة عسكرية دولية لمراقبة وقف اطلاق النار، وانشاء ثلاثة قطاعات بالجبال، تسيطر عليها الحكومة والحركة , وفي برتكول مشاكوس يوليو 2002 الذي جرى توقيعه بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية تم فصل قضايا المناطق الثلاث «جبال النوبة والنيل الأزرق وابيي» , لينتهي المطاف بتوقيع سلام نيفاشا الذي خصص برتوكول منفصل لجنوب كردفان والنيل الازرق، يتضمن المشورة الشعبية التي نظرت اليها الحركة في المنطقتين على انها حق ممارسة المصير، ومن خلال تطرقه لبرتوكول الترتيبات الامنية اشار لعدم تيسر عملية الادماج لمقاتلين الطرفين على النحو المتوقع، مما ادى لبروز العديد من السلبيات التي صاحبت عملية الدمج، ويبدو ان متابعة المؤلف وإلمامه الدقيق بقضية الجبال والمعطيات المتعلقة بها أهلته للتنبؤ باندلاع الصراع في جبال النوبة على أسس جديدة وعبر وسائل غير تقليدية متأثراً بجنوب البلاد. وقد كان. فقطاع الشمال يبدو أسيراً ألحق في تقرير المصير، وهذا ما اكده والي جنوب كردفان في ندوة اقامتها جامعة المغتربين بتاريخ 27 مارس الفائت، حيث قال ان تمرد عبد العزيز الحلو مرتبط بفهم قطاع الشمال ان المشورة الشعبية تعني تقرير المصير، نافيا ان يكون تمرد الحلو بسبب خسارته للانتخابات مشيرا الى تمرد مالك عقار الذي كان والياً للنيل الازرق. ويبدو ان على الكاتب أن يسعى لانجاز طبعة جديدة من كتابه القيم والذي نفد من الأسواق ليضيف إليه فصلاً جديداً من اتفاقيات السلام بجبال النوبة، فصافرة التفاوض حول المنطقتين التي انطلقت أواخر أبريل الماضي دون نتائج تؤذن بفصل جديد من التفاوض ولو بعد حين.