كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! .. بقلم: آدم جمال أحمد
نشر في سودانيل يوم 29 - 06 - 2010

تحدثنا فى الحلقة السابقة عن تطور الحركة السياسية فى جبال النوبة وكيف نشأت بعض التنظيمات السياسية مثل تنظيم الكتلة السوداء وإتحاد عام جبال النوبة ، والتطورات السياسية والتغيرات التى حدثت فى المنطقة .. وما تعرض له قادة النوبة من خلافات فى الأيديولوجية أضعفت بالقضية النوبية ودورهم الريادى فى قيادة المنطقة وشعب جبال النوبة.
وفى هذه الحلقة سوف نحاول التطرق الى تنظيم ( الكومولو ) من حيث التكوين والنشأة .. نتناول فيها سرية العمل لهذا التنظيم .. ومساهماته فى العمل السياسى ، وما أحدثه من تغيرات وتحولات فى واقع منطقة جبال النوبة .. وكيف إختار قادة التنظيم الإلتحاق بالحركة الشعبية ، حتى نصوب إهتمام عملنا فى البحث عن تطور الحركة السياسية بجبال النوبة ، وتاريخ الصراع فى المنطقة .. لإطلاع الرأى العام المحلى والإقليمى والعالمى .. من خلال سردنا للأحداث وتطور الحركة السياسية خلال هذه الدراسة النقدية ، نحاول فيها تسجيل الصراعات والإنجازات فى رحم المعانأة .. والملاحم السياسية التى دارت حتى لا تضيع .. ويطويها النسيان.
تنظيم الكومولو :
تكون تنظيم ( كومولو ) فى نوفمبر 1۹72م من خلية صغيرة ، بإسم رابطة أبناء جبال النوبة وسط طلاب مدرسة كادقلى الثانوية العليا ( تلو ) ، فلقد لعبت الظروف دوراً أساسياً فى قيام هذه الرابطة وتعود فكرة ونشأة قيام الرابطة الى نفر كريم من أبناء النوبة على رأسهم كوكو محمد جقدول كوكو .. الذى يعتبر العقل المفكر لهذا التنظيم وأول قائد تنظيمى للكومولو منذ تاسيسه ، وهو من أبناء قبيلة الغلفان – قرية دابرى جنوب مدينة الدلنج ، تخرج من كلية التربية جامعة الخرطوم عام 1۹81 م ، عمل فى قسم الأخبار الخارجية بوكالة السودان للأنباء ( سونا ) ، وهاجر بعدها الى السعودية .. وكان من أصدقاء يوسف كوة وقد تزاملا وعملا سوياً فى رابطة أبناء جنوب كردفان بجامعة الخرطوم ، إنضم الى الحركة الشعبية عام 1۹8۰ م وإلتحق بها من السعودية ، تخرج ضمن دفعة ( إنتصار ) 1۹۹۰ م من أثيوبيا ، عمل فى عدة وظائف إدارية بالحركة الشعبية .. وعمل كمعلم للأطفال السودانيين اللاجئيين فى معسكر ( كاكوما ) فى شمال كينيا بعد أن وصلها من ناروس بعد دخول القوات المسلحة الى مدينة كبويتا ، وإختلف مع الحركة الشعبية ورفض الرجوع اليها أو العمل معها رغم كل المحاولات التى بذلها قادة الحركة ، ومنها هاجر الى كندا وإستقر بها .. حيث بدأت الفكرة عندما أتى أحد عمال الصحة للطالب كوكو محمد جقدول متوسلاً اليه بأن يكتب له طلباً الى مدير المدرسة لكى يتم تثبيته فى العمل كعامل صحة ليلى .. مما أثار حفيظة غضبه فلم يتمالك نفسه حينها .. فحكى ذلك لأصدقائه الطلاب الذين دخلوا فى حوارات وأتفقوا على عمل تنظيمى منظم يقوده الطلاب ، وأخيراً توصلوا الى فكرة قيام وإنشاء رابطة لأبناء النوبة فى مدرسة كادقلى الثانوية العليا لكى تلعب هذا الدور .. ولإيجاد حلول ناجعة للمشاكل المستعصية تجاه المنطقة ، وقد كانت للرابطة أهداف إجتماعية إصلاحية وخدمية واضحة.
وبالرغم أن تنظيم ( كومولو ) نشأ وسط طلاب المدارس ، وكانت البداية ثقافية وبصورة سرية تامة ، إلا أنه تطور مع إزدياد الوعى وسط هؤلاء الطلاب بعد وصولهم وإنتقالهم للمراحل الجامعية ، حيث التقوا هناك بالطالب يوسف كوة فى جامعة الخرطوم فطرحوا له الفكرة فأيدها وأمن بها ، وكانت قناعتهم أن الحكومات المتعاقبة وأحزابها قد فشلت فى معالجة مشاكل المنطقة ، لذلك عمل التنظيم لتوحيد الصفوف وتجميع أبناء المنطقة الموثوق فيهم حوله ، وعندما إنتقل يوسف كوة للعمل كمعلم للغة الإنجليزية فى مدرسة كادقلى الثانوية وجد بعض الطلاب الذين تخرجوا من مدرسة كادقلى الثانوية قد نقلوا معهم فكرة رابطة طلاب أبناء النوبة الى الحياة العملية ، وكونوا تنظيماً سرياً سمى ب (تنظيم الكومولو) ، ولكن فى عام 1۹8۰م تم تطوير تنظيم الكومولو حيث أعيد بناء هياكله وأهدافه التنظيميه ولقد تم تعديل دستوره .. ليتوافق مع الحياة العملية العامة وأصبح الأستاذ عوض الكريم كوكو رئيساً له ، وبدأ التنظيم من حينها يعمل فى تجنيد وإستيعاب أبناء النوبة وتنظيمهم وحثهم وتشجيعهم لإزالة بعض العادات الضارة والظواهر السالبة وسط مجتمع الشباب النوبى بصفة خاصة والمجتمع النوبى بصفة عامة ، وعلى ضوء ذلك لقد إستطاع النوبة أن يتخلصوا على كثير من العادات الضارة فى مجتمعاتهم بفضل جهود هذا التنظيم.
وعندما أصبح محمود حسيب محافظاً لجنوب كردفان فى عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد النميرى لقد أحدث حسيب نقلة وتغييراً نوعياً فى جبال النوبة حيث إستطاع أن يعالج مشكلة العرى وشيد الطرق ( طريق كادقلى – الدلنج – الأبيض ) وساهم فى حفر الأبار وتشييد المدارس .. خاصة مدارس البنات حيث لم تحظى كادقلى بمدرسة ثانوية عامة أو متوسطة إلا فى عام 1۹76م.
لم يبرز تنظيم ( كومولو ) على الساحة السياسية النوبية .. لأنه كان يباشر عمله سرياً فى عهد مايو ، وإنحصر نشاطه فى منطقة جبال النوبة بل فى ريفى كادقلى تحت قيادة المرحوم يوسف كوة مكى ، وهو من أبناء قبيلة ميرى – قرية الأخوال بميرى – جنوب غرب كادقلى ، لكنه نشأ وترعرع بمدينة ملكال والخرطوم حيث كان يعمل والده ، وتلقى تعليمه الأولى بمدرسة ميرى الأولية والأوسط بمدرسة سنكات الوسطى وأكمل المرحلة الثانوية بالخرطوم التجارية وإلتحق بالكلية الحربية فى عام 1۹67 م ضمن الدفعة ( 21 ) ، ثم فصل من الكلية بقرار من لجنة طبية لتعرضه لحالة نفسية ، ثم عمل معلماً بالمدراس المتوسطة ( الثانوى العام ) بمنطقة الضعين بدارفور ، ثم إلتحق بجامعة الخرطوم كلية الإقتصاد والعلوم السياسية عام 1۹76م ، لقد واصل نشاطه السياسى فى الجامعة وترأس رابطة طلاب جنوب كردفان ، وبعد تخرجه فى عام 1۹8۰م عمل معلماً بمدرسة تلو الثانوية بمدينة كادقلى ، ومارس نشاطاً سياسياً ملحوظاً خلال فترة خدمته كمعلم أدى الى فوزه بتمثيل دائرة كادقلى فى مجلس الشعب الاقليمى بكردفان عام 1۹81 م ، إنضم الى الحركة الشعبية لتحرير السودان فى نوفمبر 1۹84 م ، أرسل فى بعثة دراسية الى كوبا لتلقى العلوم العسكرية فى سبتمبر 1۹86م ، وأصبح رئيساً لمجلس التحرير الوطنى للحركة الشعبية وحاكماً لإقليم كردفان فى أبريل1۹۹4 م ، وأخيراً تم تعينه مشرفاً عاماً على الشئون الإنسانية بالمجلس الوطنى التنفيذى للحركة الشعبية قبل رحلته الطويلة مع مرض السرطان الذى أدى الى وفاته.
ونلاحظ أن تنظيم كومولو لقد تعددت مسمياته فى مراحله المختلفة .. لقد سمى بمنظمة الشباب .. رابطة جبال النوبة .. حزب العمل .. لسرية العمل وحساسية الموقف ، إلا أن أهدافه التى كانت محل جدل وخلاف واسع بين أعضائه لمواكبة المراحل التى مر بها التنظيم ، لم تتغير كثيراً كما وردت فى وثائق هذا التنظيم الذى أسسه عدد من أبناء النوبة ، وهو الذى قاد عملية التمرد فى جبال النوبة وقرر إختيار أعضاء من التنظيم للإنضمام الى الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وسوف نتطرق الى إثنين من أهدافه تتمثل فى الآتى:
1- أن يكون العضو ( نوباوياً ) أباً وأماً وأن لا يكون منضوياً تحت أى تنظيم أخر.
حسب المادة الأولى فى شروط العضوية بدستور رابطة ابناء جبال النوبة 1۹72 م – كادقلى ، وقد أحدثت هذه المادة جدلاً واسعاً وأزمة داخل التنظيم فيما بعد ، وذلك لإنتماء الشهيد عوض الكريم كوكو مسئول العمليات فى كتيبة البركان التى أدخلت التمرد بصورة واسعة لمنطقة جبال النوبة وشقيقه عزالدين كوكو عضو التنظيم الى العنصر العربى من جهة أمهما التى تنتمى الى قبيلة ( الشويحات ) ، وعوض الكريم كوكو من أبناء كادقلى كان مسئول التنظيم بالمنطقة قبل الإنضمام الى الحركة الشعبية بأمر التنظيم ، فيما بعد قاد تحركاً ضد يوسف كوة داخل الحركة الشعبية ، بإعتباره خالف أوامر تنظيم كومولو والتى بموجبها تم الإلتحاق بالحركة المسلحة ، والتى كانت تدعو بأن يكون لأبناء النوبة كيان منفصل فى شكل تحالف ذات أهداف وإستراتيجية واضحة .. هو التدريب والحصول الى السلاح من الحركة الشعبية .. لمقاتلة قوات الحكومة بمنطقة جبال النوبة وليس الدفاع عن الجنوبيين وتأديب القبائل الجنوبية المناوية للحركة ، مما جعل يوسف كوة الذى كان يخالفهم الرأى بأن يقوم بإعتقاله ومجموعة أخرى من خيرة الضباط ضمن قادة النوبة ، وتم إرسالهم الى بحر الغزال وهناك تم تصفيتهم.
تمرحل التنظيم حسب الظروف السياسية والإجتماعية التى مر بها السودان عموماً وجبال النوبة بصفة خاصة ، فقرر خوض الإنتخابات البرلمانية لمجالس الشعب المحلية والإقليمية والقومية ، وكانت هذه بداية الإنخراط له فى العمل السياسى بصورة واضحة ، ونجده بذلك لقد أحدث تنظيم كومولو ثورة فكرية ونقلة فى عمله التنظيمى ، وذلك من خلال مشاركته فى تنظيمات الإتحاد الإشتراكى ، لإيمانه بأهمية دور العمل السياسى فى خلق كوادر سياسية فاعلة ومقتدرة لمواجهة الصعاب ، وبذلك تمت التعبئة والوقوف بترشيح أبناء النوبة الشباب فى الإنتخابات لمجالس الشعب القومى الإقليمى والمحلى لمحافظة ومحلية كادقلى .. فلذا لقد عمل أعضاء كومولو للفوز بهذه الإنتخابات فى عام 1۹81 م ، خلال عمل سرى دقيق ، رغم ضغوط أمن الدولة الموالية لحكومة جعفر النميرى.
2- لا يمكن أن تتم وحدة وطنية بالسودان ما لم تتم وحدة دينية وعرقية:
لا بد من تنظيم دقيق وإستراتيجية لتوحيد القبائل النوباوية مع الإستعانة بالقبائل الزنجية الأخرى للوقوف معهم ، والقيام بحملة واسعة لتوحيد النوبة ، أما مسألة الإنقسامات الدينية والعرقية فالتنظيم كفيل بحلها ، فلذلك ركز التنظيم على سرية العمل وعدم الإلتزام بإسم محدد.
وعندما بدأت فكرة تنظيم كومولو تتبلور واجهتهم عدة إشكالات إنحصرت فى ثلاث تحديات تتمثل فى الآتى:
- إن العنصر النوباوى يعتبر أقلية إذا ما قيس بالوجود القبلى العربى المحيط بهم فى جنوب كردفان.
- إن البعض منهم مسلمون مما لا يسمح بالوحدة بينهم فى التوجهات.
- قلة الإمكانات المادية ، لأن معظم النوبة فقراء ولا بد من التفكير فى الدعم المالى لإنجاح الفكرة.
ظل تنظيم كومولو يعمل بصورة سرية مؤثراً فى مجريات الأحداث بالمنطقة ، ففى فترة مايو فاز بعدد من الدوائر فى إنتخابات مجلس الشعب الاقليمى ، حيث فاز يوسف كوة بدائرة كادقلى ليصبح عضواً بمجلس الشعب الاقليمى بكردفان عام 1۹81 م ، وفاز دانيال كودى بدائرة كادقلى وأريافها الأربعة ( البرام – أم دورين – هيبان – ريفى كادقلى ) ليصبح عضواً بمجلس الشعب القومى الرابع ونائباً لرئيس لجنة العلاقات الخارجية فى عهد الرئيس الأسبق النميرى .. ودانيال كودى من أبناء ربفى هيبان من قبيلة أبل ، خريج كمبونى الأبيض 1۹6۹م ، حيث عمل معلماً للتربية المسيحية بالمدارس الإبتدائية ، وكذلك معلماً للغة العربية بمناطق الجزيرة ، وهو مسيحى كاثوليكى حيث تلقى دراسات فى اللاهوت فى الفاتيكان ، وإتهم فى المؤامرة الإنقلابية التى دبرها الأب فيليب عباس غبوش عام 1۹84 م ، ومن أوائل الذين إنضموا الى الحركة الشعبية وعمل فى مكتب الحركة بأديس أبابا لمدة عامين ونصف العام ، وشارك فى مفاوضات الحركة والتجمع فى كوكادام ، وهو معلم المرحوم القائد جون قرنق الخاص للغة العربية .. كما فاز هارون إدريس كافى برئاسة الاتحاد الإشتراكى بمنطقة كادقلى ، وأحمد الحاج كافى برئاسة مجلس منطقة كادقلى وابراهيم محمد بلندية عضو التنظيم نائباً له ، كما سيطر التنظيم على نقابات المعلمين والمرأة والموظفين ، وهذا النجاح لقد تم بإشراف وتخطيط من اللجنة التنفيذية لتنظيم الكومولو.
و بهذه الخطوات الجريئة لقد وضع تنظيم كومولو الأمور فى بداية طريقها الصحيح ، وكان ذلك مؤشراً خطيراً على الحياة السياسية فى جبال النوبة ، إذ إستطاع التنظيم بذلك أن يقلب ميزان السياسة بالمنطقة ، والتى أربكت كل الحسابات وقلبت كل الأمور على عقب .. وأجابت بذلك على أسئلة الشباب الذين وقتها كانوا يتساءلون أين أبناء منطقة جبال النوبة ، ولماذا لا يمثلون مناطقهم .. ولماذا يمثلهم الأخرون من الوافدين الذين لا مصلحة لهم بالمنطقة وأهلها .. والتى كانت تسيطر عليها سياسياً وإدارياً .. وهى عناصر ليست لها علاقة أو صلة بجبال النوبة .. لأن معظم العاملين فى المنطقة كانوا من الوافدين من خارج إطار المنطقة .. بالرغم من توفر الكفاءات من أبناء المنطقة .. ولقد وصفت الحكومة وعناصرها والجهات الأخرى هذه الثورة التصحيحية بالعنصرية وما الى ذلك ، وأصبحت الأجهزة الأمنية تطارد الشباب من أبناء النوبة ، وإستجوبت الكثيرين منهم وزجت بمعظمهم فى السجون والمعتقلات الى أن سقطت حكومة النميرى ، وجاءت من بعدها الإنتفاضة والحكومة الإنتقالية برئاسة المشير عبدالرحمن سوار الذهب ورئيس الوزراء الجزولى دفع الله .. ثم حكومة الصادق المهدى فى عهد الديمقراطية الثالثة ، ولكن جميعها لم تعير جبال النوبة أى إهتمام أو تحاول التصدى لحل مشاكل المنطقة وأهلها ، مما أدى الى الإنفلاتات الأمنية وتدهور الأوضاع ، والتى صارت من أسوأ الى أسوأ فى جبال النوبة ، مما تسببت فى إلتحاق عدد كبير منهم بصفوف الحركة الشعبية.
أسباب إلتحاق النوبة بالحركة الشعبية :
إن تنظيم كومولو لم يكن يوماً من الآيام يفكر فى الكفاح المسلح منذ نشأته ، إنما كان تنظيماً إجتماعياً وإصلاحياً ، إلا أن الظروف قد ساعدت ولعبت دوراً فى ذلك مما جعلته يتكيف معها .. وتعود أسباب إلتحاق أعضاء تنظيم كومولو بالحركة الشعبية للأسباب التالية:
إبان وجود يوسف كوة مكى بمجلس الشعب الإقليمى بكردفان برزت خصومات حادة بين النائب البرلمانى يوسف كوة .. والفاتح بشارة حاكم الإقليم آنذاك ، وتعود الأسباب لنتائج إنتخابات المرشح الأخير حاكماً لإقليم كردفان وقتها فى أبريل 1۹8۳ ، حينما وقف الأستاذ يوسف كوة مسانداً القائمة الأولى لأبناء كردفان الشرفاء والتى كانت تضم بكرى أحمد عديل ومحمود حسيب والطيب المرضى والدكتور التجانى حسن الأمين ضد القائمة الثانية التى كانت تضم ممثلى الحكومة وهم الفاتح بشارة والمحامى دلدوم الختيم أشقر ومحمد أحمد أبوكلابسش ، وبالرغم أن يوسف كوة كان عضواً بالبرلمان ونائباً لرئيس هيئة مجلس الشعب الاقليمى ، كان من واجبه أن يقف مع قائمة الحكومة .. ولكن كان قرار المكتب التنفيذى لتنظيم الكومولو وتكلفيه ليوسف كوة بأن يقف فى صف قائمة أبناء كردفان الشرفاء.
ولكن بالرغم من فوز قائمة أبناء كردفان الشرفاء ، إلا أن إعلان نتيجة الإنتخابات تأخرت الى منتصف الليل ، وأثناء عملية الفرز والإنتظار لقد أرسل الرئيس جعفر النميرى الدكتور عون الشريف قاسم وزير الشئون الدينية والأوقاف مندوباً له ، لإستكشاف حقيقة الموقف .. حتى أعلنها الرئيس بنفسه مؤكداً فوز الفاتح بشير بشارة ، مما يدل على عملية تزوير نتيجة الإنتخابات .. والتى كانت سبباً أساسياً فى تداعيات توتر الخصومة بين الفاتح بشارة ويوسف كوة وصلت حداً تم فيها تجريد يوسف كوة من الحصانة البرلمانية وعزله من منصبه وطرده من المنزل الحكومى .. الذى كان يقطنه بغية محاكمته بتهمة الخيانة ، ولكن قبل أن يتم ذلك كان يوسف كوة قد إستشار المكتب التنفيذى لتنظيم الكومولو فى الإلتحاق بحركة جون قرنق ، فقام تنظيم الكومولو بالدعوة لإجتماع عاجل حضره ممثلين ومندوبين من الخرطوم والأبيض ، ودخلوا فى جلسة إجتماع مغلقة إستمرت لأكثر من سبعة عشر ساعة متواصلة ، ناقش فيها المجتمعون منفستو الحركة الشعبية ، وتداعيات المواقف الأخيرة المستجدة ، وتوصل المجتمعون بالإجماع أخيراً الى قرار الكفاح المسلح لأن فى رأيهم الكفاح السلمى أصبح ليس ذات جدوى ، ثم وافق التنظيم على سفر الأستاذ يوسف كوة مكى وكلفه بالذهاب الى إثيوبيا لمقابلة زعيم الحركة الشعبية جون قرنق وتبليغه برغبة أبناء النوبة بالإنضمام الى حركته للتدريب والحصول على السلاح لمحاربة قوات الحكومة فى جبال النوبة والتحالف معه ، وقبل سفره التنظيم إشترط على الأستاذ يوسف كوة بأن يعمل دراسة كافية أثناء وجوده هناك لتقييم الوضع وحدد له أسماء أشخاص بأعينهم عليه الإتصال بهم وتبليغهم بكل شئ نيابة عن التنظيم ، حتى يتمكن التنظيم من دراستها وتقييمها ، ولكن للأسف لم يفعل يوسف كوة ذلك ، بل خالف تعليمات التنظيم وأصبح إتصاله بأعضاء أخرين .. وإختار أعضاء بأسمائهم وقع عليهم الإختيار من جانبه للإلتحاق بالحركة الشعبية وهم:
1- عوض الكريم كوكو
2- يوسف كرة هارون
3- تلفون كوكو جلحة
4- صالح إلياس ( لم تكتمل إجراءات سفره )
5- وأخرون
وكانت هذه أولى مخالفات يوسف كوة لتكليف وأوامر تنظيم الكومولو ، ولقد إختلف بعض أبناء النوبة الذين إلتحقوا فيما بعد بالحركة الشعبية فى فهم التكليف ، ولقد حاول عوض الكريم كوكو ومجموعة من خيرة ضباط أبناء النوبة بالحركة الشعبية مناقشة القائد يوسف كوة فى ذلك وتذكيره بأمر التكليف ، وعن الوضع السئ لأبناء النوبة بالحركة ، وما فقدته من زخم ثورى الذى كان طابع المرحلة الأولى ، فلم يحقق المقاتلون أهدافهم الكلية ، لكن للأسف رفض القائد يوسف كوة الإنصياع لرأى الأغلبية أو الإستماع إليهم .. أو حتى الى مشورتهم ، بحجة ( إذا تركنا الحركة الشعبية الى أين نذهب ) .. مما جعل الأمل يخبو فى النفوس ، لأن الخلافات بدأت تدب فى أوساط صفوف قادة النوبة الذين أسسوا الحركة الشعبية بالمنطقة ، وذلك حينما وصلوا معه الى طريق مسدود طرح له سؤال عن نوعية وكيفية شكل العلاقة مع حركة القائد جون قرنق ، والتهميش والظلم والإضطهاد الذى يمارسه أبناء الدينكا ضد أبناء النوبة داخل الحركة الشعبية الأم ، ونتيجة لتفاقم الخلافات قام القائد المرحوم يوسف كوة مكى بإعتقال عدد من خيرة قيادات النوبة الذين أسسوا معه الحركة بجبال النوبة ، وسجن مجموعة كبيرة منهم لمدة تصل الى إحدى عشر شهراً فى عام 1991 م ، ثم رحلوا فيما بعد الى قيادة دانيال أويد أكون ببحر الغزال ، وكان على رأسهم القائدان المناوبان عوض الكريم كوكو ويونس أبوصدر منزول والنقيب طارق كودى أبوراسين وأخرون ، وأخيراً تمت تصفيتهم .. إلا أن تلك التصفية لخيرة قيادات أبناء النوبة خلقت نوع من التذمر وأوجدت فراغاً قيادياً فى منطقة جبال النوبة ، وتركت المنطقة مرتعاً لضباط صغار يحاربون بلا قضية ولا هوادة .. وليس معهم هناك من يخطط أو يفكر لهم أو يبصرهم بمخاطر طريق ( التحرير ) ، لقد شكل إعدام أولئك القادة المؤسسين أو نفيهم أو تغييبهم صدمة قاسية لأبناء جبال النوبة الذين إنضموا الى الحركة من أجل ( التغيير والتحرر والبناء القومى ) .. فلذلك إنكمش دور أبناء النوبة داخل الحركة الشعبية وقل عطاؤهم ، مما حدا بمحمد هارون كافى ومجموعته التى إنشقت عن الحركة ووقعت فيما بعد على ميثاق السلام مع الحكومة ، لقد تضمنت الفقرة الخامسة من بيانها الذى أعلنت فيه إنفصالها عن الحركة الأم هذه النقطة: ( تعذيب وإعتقال وسجن وتصفية قيادى جبال النوبة بجانب إبعادهم عن الجبال الى الجنوب .. ) .. وتعتبر هذه واحدة من الأسباب التى دعتهم الى الإنشقاق عن الحركة الأم ، إضافة الى الصراعات التى نشبت بين أبناء النوبة داخل صفوف الحركة الشعبية .. بين أبناء جنوب الجبال وشمال الجبال ، حيث يعتقد أبناء جنوب الجبال أنهم أحق بقيادة الحركة ، لأنهم الأغلبية فى صفوف قواعد الحركة ، بالإضافة الى الصراعات التى ظهرت بين المسيحيين والمسلمين حول من هو أحق بقيادة الحركة الشعبية فى جبال النوبة ، حيث كان يعتقد دانيال كودى أنه أحق من يوسف كوة بالقيادة لأن المسيحيين أكثر من المسلمين فى قواعد عضوية الحركة ، إضافة الى أن أبناء هيبان وجنوب الجبال حيث يمثلون جلهم التيار المسيحى هم الأغلبية .. هذه الصراعات الخفية لم تصل الى مرحلة الإنشقاق وتكوين فصائل مختلفة ، إلا أنها حالت دون أن يستطيع أبناء النوبة توحيد كلمتهم داخل الحركة الأم ، لذلك إستفاد جون قرنق وحركته من هذا التناقض والوضع الذى لا يحسد عليه أبناء النوبة ، فجعل الكل يحتاج اليه .. الى أن وصل الأمر بمجموعة محمد هارون كافى أن تشق عصا الطاعة وتأتى الى السلام منفردة .. فكانت تلك بداية رحلة الضياع من الظلم والتهميش لأبناء النوبة فى صفوف الحركة الشعبية وأسباب الفشل فى جبال النوبة.
وإنشاء الله سوف نتحدث فى هذه الحلقة القادمة .. والتى نختم بها حلقات الدراسة النقدية لتطور الحركة السياسية فى جبال النوبة والمستقبل السياسى عن الحزب القومى السودانى ، وتأسيسه ودوره فى الحياة السياسية فى جبال النوبة والسودان ، وكيف كانت محاولاته واضحة وصريحة للخروج بأبناء النوبة من القضايا المحلية الى التصدى لقضايا السودان بإعتبار أنهم السكان الأصليون فيه ، وكيف فتحت عضوية الحزب لكل أبناء السودان.
ونواصل .......
سدنى – استراليا - 28 يونيو 2۰1۰ م
Adam Gamal Ahmed [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.