سماء جوبا ملغمة بالعواصف الأمنية والسياسية وتأخير تشكيل الحكومة سيفاقم أزمة سلفا..هل تتأثر الجبهة الثورية المعارضة للخرطوم بالتغييرات الأخيرة؟..السودان يقف على الرصيف ويراقب وقفل الأنبوب نهائيًا رهين بتداعيات الأحداث تقرير: عبد الله عبد الرحيم عاشت جوبا ساعات طوال وصعبة كتمت أنفاس كل المتابعين لتطورات الأحداث بعد القرار الشهير الذي أصدره رئيس الجنوب سلفا كير ميارديت وأعفى بموجبه نائب الرئيس رياك مشار وكل وزراء الحكومة. في حين ترك مقود تسيير هذه الوزارات لأمناء تلك الوزارات لحين تكوين الحكومة الجديدة. الخطوة التي حسبها معظم المتابعين بالأخطر خلال مسيرة سلفا في حكم الجنوب. وكانت حيثيات هذه الخطوة أن الذين اتخذ بشأنهم تلك القرارات بعضهم له الصلة بها والبعض الآخر لم يكن له بها صلة تُذكر ولكن انطبق عليهم المثل العسكري الشهير «الخير يخص والشر يعم» وهذه المقولة بلا شك تشرّبها ضابط الاستخبارات ولم تغادر ذاكرته، وكانت هي إحدى المحطات التي أحدثت الفوارق في نظام الجنوب. لم يكن سلفا كير ذو الميول العسكرية ميالاً لاتخاذ تلك القرارات لولا أنه دُفع إليها دفعاً بحسب بعض المصادر الذين تحدثوا ل«الإنتباهة» من داخل دولة الجنوب، وتشير هذه المصادر أن الرجل مد حبال الصبر لرفقائه في الحركة الشعبية والذين يتولون مناصب دستورية عقب احتدام التنافس للانتخابات المقبلة وقد أفرغ كلٌّ منهم ما يكنُّه وخطته للمرحلة المقبلة جهريًا حيث شهد التداول نوعًا من التحالفات الناشئة على حساب رئيس الحكومة وأكبر منافسيه صعوداً كان نائبه الدكتور رياك مشار الذي أعلن صراحة منافسته لسلفا بعد أن تحدَّاه علناً وقال فيه ما لم يكن متوقعاً من أنه سبب فشل الحكومة وتفشي الفساد والخراب في كل مفاصلها. وأشارت نفس المصادر أن الخطوة بالرغم من أنها كانت فاجعة للمتخذة بحقهم إلا أنهم على الأقل كانوا ربما يتوقعون من سلفا خطوة شبيهة ترد له بريقه ولمعانه المغتصب ولكنهم لم يتخيلوا إطلاقاً أن يذهب سلفا كير إلى هذا النحو ويقوم بعزلهم. وكان الجيش والأمن الجنوبي قد انتشر في كل الطرقات والمؤسسات الحكومية لحمايتها بعد أن سرت المخاوف وسط المواطنين من اندلاع حالات عنف ونهب من قبل أنصار المقالين. ولكن دفعت حكومة سلفا برجل الإعلام د. برنابا للحديث عبر الإذاعة لتطمين المواطنين رغم أن الرجل من ضمن الحكومة المقالة، وقال برنابا عن قرارات سلفا كير إنها تأتي في اتجاه هيكلة الحكومة. قرار إحالة الحكومة للتقاعد إجبارياً من قبل سلفا قوبل بردود أفعال مختلفة، فهناك من رحب به، كما أن هناك من تحفظ في إبداء رأيه صراحة تجاهه في أوساط سياسيي الجنوب. ورغم أن جوبا تسيطر عليها القبلية بصورة كبيرة إلا أن شيئًا من المخاشنات المحتسب حدوثها لم يحدث. وربما أعاد البعض ذلك إلى أن سلفا لم يقصد بتلك التغييرات قبيلة بعينها إذ أن سهامها أصابت حتى قبيلة الرئيس نفسه وبالأخص دينكا أبيي بعد أن أحال ألور إلى المحاسبة والمساءلة وفقًا لقراره السابق بشأن ما ذكره الأخير من فساد الدولة. تكوين الحكومة بحسب بعض التعليقات المحلية بالجنوب فإنه في حالة عجز سلفا عن التوصل إلى تكوين حكومة سريعة خلفاً للحكومة المنحلة فإن الأوضاع ستتأزم وسوف يختلط الحابل بالنابل، من جهته قال ماثيو مايور أحد النشطاء السياسيين للجزيرة نت إن القرارات الرئاسية جاءت لتأكيد خطاب الرئيس في ذكرى الاستقلال بأن أوان التغيير قد حان، متوقعًا أن تعيّن الحكومة كفاءات تهتم بتقديم الخدمات للمواطنين وتحسين الاقتصاد القومي. ولكن حزب الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي المعارض بقيادة لام أكول قلل على لسان ممثله في البرلمان صاموئيل أبان من الخطوة، واعتبرها عادية بحكم الظروف التي تشهدها البلاد. وقال أبان للجزيرة نت إن حزبه سيعمل على ضمان التوظيف الصحيح للإيرادات المالية في الجوانب التنموية لتحقيق الرفاهية لمواطني جنوب السودان. وتحدث قيادي بارز بالمكتب السياسي للحزب الحاكم عن أن الهيكلة ستشمل تغييرات واسعة جدًا للطاقم الوزاري المقال، وستضم وجوهًا جديدة لم تكن مطروحة. وتأتي هذه التطورات في وقت أوقف فيه جنوب السودان إنتاجه من النفط، بعدما قال السودان إنه سيغلق خطي أنابيب التصدير عبر الحدود ما لم يتوقف جنوب السودان عن دعم المتمردين في الأراضي السودانية، وهو اتهام تنفيه جوبا. تأثيراته على السودان تباينت ردود الأفعال في الخرطوم مع مجريات الأحداث في الجنوب وقد أشارت بعض الدوائر إلى أن ما حدث هناك سيكون له تأثيرات إيجابية على الأوضاع بالداخل، ورهنت هذه الجهات ذلك لما ثبت من حمل بعض المعفين على السودان ودعمهم المباشر للتمرد والجبهة الثورية بجانب الرؤية غير الواضحة لرياك مشار في التعامل مع السودان، وأشارت هذه الجهات إلى ماضي مشار إبان قيادته للمعارضة الجنوبية وإبان اتفاقية الخرطوم للسلام وغيرها من المواقف التي تثبت أنه شخص غير واضح في تعامله مع الخرطوم. وأشارت بعض الدوائر إلى إن إبعاد باقان أموم الحليف الآخر للمعارضة والشخصية الأكثر جدلاً في حكومة الجنوب من شأنه تطوير العلاقة بين البلدين التي شهدت تدهوراً بل ووصلت في بعض الأحايين لركود واحتدام بسبب تصرفات بعض الجيوب في حكومة الجنوب. ويرجع قرار الرئيس البشير القاضي بقفل أنبوب النفط الجنوبي لهذه التدخلات المرفوضة من قبل قيادات الحركة الشعبية المتطرفين. وتحفظ أمين أمانة الفكر بالمؤتمر الوطني الدكتور أمين حسن عمر عن إبداء رأي واضح حول موقف الحكومة إلا أنه قال في تصريحات له: إن المشكلة التي تواجههم في التعامل مع دولة الجنوب هي تعدد مراكز اتخاذ القرار، مشيراً إلى أن الإعفاءات والقرارات التي صدرت إن وحدت مركز اتخاذ القرار فستكون تغييرات مرحبًا بها واستدرك بالقول: لكن علينا الانتظار لنرى ما ستسفر عنه التغييرات، موضحاً وجود عدد من الصعوبات التي تواجه البلدين مبديًا أمله في أن يتغلب عليها كلا الطرفين. فيما قال الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني إن ما حدث في جوبا شأن داخلي وليس للسودان صلة به ولا يهمه، مؤكدًا أن السودان لا يتأثر بما يجري في الجنوب. وأكد مسؤول دبلوماسي رفيع المستوى بوزارة الخارجية عدم تأثر الاتفاقيات المبرمة مع دولة الجنوب بقرارات رئيسها سلفا كير، والقاضية بحل الحكومة. وقال مدير إدارة الجنوب بوزارة الخارجية بدر الدين عبد الله إن الاتفاقيات موقعة على مستوى الدولة ولن يلغيها تغيير أو تبديل حكومة، وشدد على أن الخرطوم متمسكة بالمهلة الخاصة بوقف تصدير النفط ولن تتراجع عنها ما لم يوقف الجنوب دعمه للمتمردين. السيناريو المحتمل ويقول مراقبون إن السودان يقف حالياً على الرصيف يراقب الأحداث هناك ولا يريد أن يعلن ترحيبه بالخطوة الرئاسية في دولة الجنوب حتى لا يفقد دبلوماسياً دوره المنوط في عدم إذكاء روح العداء بينه وبين أطراف سياسية في الجنوب قد تأتي بها الانتخابات القادمة. وكان السودان قد أوقف صخ نفط دولة الجنوب عبر أراضيه نسبة لاتهامه لحكومة جوبا بدعم المعارضة المسلحة بل صعَّدت من موقفها بإيصال شكواها إلى مجلس الأمن الإفريقي ويرى االمراقبون أن الخرطوم ربما ترجئ تنفيذ قفل أنبوب النفط انتظاراً لما تسفر عنه التداعيات الأخيرة بدولة الجنوب. فيما حسب بعض المتابعين موقف الخرطوم من الترحيب بقرارات سلفا كير بأنها في الاتجاه الصحيح لجهة أن المستقبل غير معروف خاصة أن الشريط الحدودي بينه وبين الجنوب طويل وغير محروس ويمكن أن يكون مسرحاً للميشيات وترى هذه الجهات أن سلفا كير إذا ما استطاع قهر منافسيه فإن الخطوة تكون في صالح الخرطوم وفقاً لرؤية بعض قياداته كأمين حسن عمر، أما إذا ما جاء رياك في الانتخابات القادمة رئيساً فإن خطوة الحكومة في عدم الترحيب المسبق بعزله من شأنه أن يؤدي إلى تطور العلاقة بين البلدين. مصير الجبهة الثورية ويقول مؤيدو الانقلاب على رياك مشار وباقان إن مصير الجبهة الثورية أصبح كمصير المقالين في دولة الجنوب، وقالوا إن الجبهة فقدت دعائم حركتها وركيزتها الأساسية بتغلب الأحوال في الجنوب إذ كانت الدافع لها والداعم الأساسي لكل تحركاتها في عدائها للحكومة السودانية وقد لا تصبر قيادات الجبهة الثورية والحركات المسلحة التي تقتات من جوبا على تردي الأوضاع هناك، وربما عملت بحسب متابعين للأوضاع إلى إعادة التوازن للحكومة في جوبا من خلال ما يمثله قياداتها الأساسيون كياسر عرمان والحلو وعقار. وكانت الجبهة بحسب ما هو معلوم تراهن على حكومة الجنوب كلياً في تغيير نظام الخرطوم وثبت تورط جوبا في كل الأحداث التي ارتكبتها الجبهة الثورية في المناطق التي دخلتها في السودان بقوة السلاح. يبقى القول إن الأيام القادمات سترسم مشهدًا في مسرح الأحداث المتصاعدة بدولة الجنوب في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادبة بما يفضي إلى تفكيك مفاصل الدولة الوليدة حسب ما تشير إليه قرائن الأحوال هناك.