في 10/ فبراير 1961م، أعلن «مويس شومبي» في «كاتنقا» أن لوممبا قد هرب من المعتقل. كان كلّ العالم ضحية خدعة أن لوممبا في السّجن. تدخلَّ الرئيس الغاني «كوامي نكروما»، وحثّ ممثِّل أمريكا في الأممالمتحدة إدلاي ستيفنسون، على التدخُّل لإطلاق سراح لوممبا. إلا أنّ ستيفنسون، وبعد أن كان قد تمّ تنفيذ المخطّط السّري بواسطة فرقة الإغتيال بزعامة «كارلوتشي»، ردّ على «نكروما» رداً غائماً، ختمه بأطيب التمنيات الشخصيّة لكوامي نيكروما !. وصل المخطّط الأمريكي السّريّ إلي نهايته بتصفية لوممبا، وإزاحته من المشهد السياسيّ، وإزاحته من الوجود. وتبقّى المخطط الأمريكي العلنّي. فأعلنت واشنطن أنها تركّز على زيادة دور الأممالمتحدة في الكونغو «، لإبعاد بلجيكا «، كما أعلنت واشنطن « أهمية بقاء لوممبا في السجن، «لتغطية اغتياله». وفي ردّ فعل إفريقي اجتمع في كازابلانكا بالمملكة المغربيّة ممثلو مصر « عبد الناصر « وغينيا « سيكوتوري « والمغرب « الملك محمد الخامس « ومالي « موديبو كيتا « وليبيا « الملك إدريس السّنوسيّ « وغانا « كوامي نكروما « وحكومة الثورة الجزائرية المؤقّتة. شجبت « مجموعة كازابلانكا « دورالأممالمتحدة في الكونغو. أعلنت « مجموعة كازابلانكا « تأييد حكومة «جيزنجا» في «ستانلي ڤيل» كممثل حقيقي لحكومة لوممبا. قرّرت دول «مجموعة كازابلانكا» سحب قوّاتها العاملة ضمن قوَّات الأممالمتحدة في الكونغو. كانت الأممالمتحدة قد أرسلت قوات «حفظ سلام» يبلغ حجمها عشرين ألف جنديّ. حيث شاركت ثلاثين دولة. كان السودان ضمن الدّول المشاركة. في مارس 1961م اصطدمت القوَّات السودانيَّة في الكونغو بقوّات قائد الإنقلاب الكنغولي الجنرال (موبوتو). وقتل اثنان من الجنود السودانيين. على إثر ذلك سحب السّودان قواته المشاركة ضمن قوّات الأممالمتحدة. إنسحاب مجموعة كازابلانكا والسودان من قوّات الأممالمتحدة، ساهم في إضعاف قوَّات الأممالمتحدة. في الفترة من 1954 1960 حدثت (38) حرباً محلية في العالم. كانت حرب الكونغو هي الثانية بعد الحرب الكوريّة، من حيث إرسال قوّات عسكرية دوليّة إلى منطقة حرب. في الحرب الكوريّة كان يقود « قوَّات الأممالمتحدة» الجنرال الأمريكي «ماك آرثر». كانت معظم القوّات قوّات أمريكيّة. أرسلت جمهورية الصّين الشعبية إلى كوريا مليشيات المتطوعين بقيادة شخصية قياديّة هي « لين بياو « الذي شغل منصب وزير الدفاع. أصرّ الجنرال «ماك آثر» على اقتحام العاصمة الكوريّة ضدّ قرار الرئيس هاري ترومان. فكان أن فصل الرئيس « ترومان « الجنرال اللامع « ماك آرثر « من الخدمة. كانت حسابات «ترومان» السياسية، هي تفادي صدام أمريكي سوڤييتي صيني في كوريا. أمّا في حرب الكونغو ، فقد أرادت أمريكا أن تكون معظم قوّات الأممالمتحدة، من دول مجموعة كازابلانكا، بينما تبقي القيادة السياسيّة لتلك القّوات بيد أمريكا. كان قرار مجموعة دول كازابلانكا، وقرار حكومة السودان، سحب قوّاتها العاملة ضمن قوّات الأممالمتحدة، رياحاً لا تشتهيها السّفن الأمريكية، التي كانت تتهادى في بحر الكونغو!. عندئذٍ طلب الرئيس جون كيندي تقريراً جديداً، عن الوضع في الكونغو. كانت من مزايا جون كيندي العديدة، سرعة القراءة مع الإستيعاب. فكتب « جوزيف سيسكو « ورقة عمل عن السّياسة الأمريكية في الكونغو. أشار تقرير (سيسكو) إلى أنّ شرق الكونغو، الواقع تحت سيطرة «جيزنجا» خليفة لوممبا ، يمثِّل خطراً على الأمن القومي الأمريكي، ويؤدِّي إلى انتشار المشاعر السياسية الوطنية المناهضة لواشنطن. أشار تقرير «سيسكو» إلى أنّ سيطرة «جيزنجا» على شرق الكونغو ، ستدفع إلى قيام ثورات، في أجزاء الكونغو الأخرى ومناهضة السِّياسة الأمريكيّة. وصف تقرير «سيسكو» حكومة «كازافوبو» و«موبوتو» بأنهّا حكومة لاتتمتَّع بكفاءة. عندها دفعت أمريكا نيجيريا، لتقديم تصوّر لحلّ أزمة الكونغو. في إطارالتّنسيق بين واشنطن والأمين العام للأمم المتحدة «داج همرشولد» ، أخطر همرشولد المندوبَ الأمريكيّ في الأممالمتحدة إدلاي ستيفنسون، بأنَّه أي همرشولد يعمل على إقناع الدّول الإفريقية، بأنّ الخطوة الأولى لحلّ الأولى لحلّ أزمة الكونغو، هي إبقاء الجيش بعيداً عن السِّياسة. إستهدف مقترح «همرشولد» تحييد حكومة لوممبا «القتيل» بزعامة «جيزنجا» ، وسحب الإعتراف منها وعزلها عن قوّاتها وعن الجيش. إستهدف مقترح «همرشولد» أن تصبح حكومة لوممبا لا دور لها، وأن يتمّ إقامة حكومة برنامج وطنيّ برئاسة « كازافوبو « « رجل أمريكا «. كان ذلك دور همرشولد (الأمين العام للأمم المتحدة). في الكونغو... كان مقترح أمريكا عبر « همرشولد « يتمثل في إقامة «حكومة برنامج وطنّي» ، برئاسة « كازافوبو «. في السّودان أيضاً... ظلّ يُطرح من حين إلى حين مقترح غامض مجهول الأب، مقترح « حكومة برنامج وطنّي «. هل تمّ العثور على «كازافوبو» سودانيّ، أم لم يزل البحث جارياً؟. السياحات السياسية المشبوهة في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية، لبعض السياسيين السودانيين، بدعوى التباحث حول الشأن الوطني « ليست بعيدة عن عملية البحث عن « كازافوبو « سودانيّ. في أزمة الكونغو، اقترح (همرشولد)، في إطار التنسيق مع الإدارة الأمريكية من خلال ستيفنسون المندوب الأمريكيّ في الأممالمتحدة، إقترح أن تُمنح فرصة الحديث الأولى في الأممالمتحدة للدّول الأفريقية المناصرة لحكومة «باتريس لوممبا»، بزعامة «أنطوان جيزنجا» ثمّ تُمنح فرصة الحديث من بعد، لنيجيريا «الأفارقة المسئولين». لم تكن تلك نيجيريا « أحمد بيللو» و«أبو بكر تفاوه بليوه». كانت نيجيريا «إزيكوي». كان ترتيب همرشولد مع ستيفنسون أن تطرح نيجيريا الحلّ الأمريكيّ، ثمّ بعد أن تكون الظروف قد نضجت وتهيّأت، يتحدّث المندوب الأمريكيّ. تمّ ترتيب ذلك «السّيناريو» بين «همرشولد» والإدارة الأمريكية، ليتمّ تنفيذه في الأممالمتحدة يوم 9 / فبراير 1961م، وفي اليوم التَّالي أي العاشر من فبراير 1961م، أعلنت سلطات « كاتنقا « برئاسة «شومبي» «هروب» لوممبا (القتيل) من المعتقل.! قال بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة «إنّ الأممالمتحدة تتلقّى تعليماتٍ يوميّة من الخارجيّة الأمريكيّة»!. كشفت أزمة الكنغو عن براعة أمريكا الماكرة في استخدام (الإنقلاب العسكري) و(الأممالمتحدة) و(الإغتيال السياسي) كآليات لتنفيذ سياستها. وما ذلك ببعيد عن معركتها ضد (الإرهاب)، أي ضد الإسلام السياسي في السودان ودول ثورات الربيع العربيّ (الإسلامي) في تونس وليبيا، ومصر حيث تمَّت الإطاحة بانقلاب عسكري بالرئيس (الإسلامي) المنتخب ديمقراطياً!. مثلما قامت واشنطن من قبل بترتيب انقلاب عسكري بقيادة الجنرال موبوتو للإطاحة بالرئيس لوممبا، ومثلما قامت بتصفيته بواسطة استخبارات البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية)، كذلك في انقلاب عسكريّ يحمل البصمات الوراثية ل (CIA)، قامت واشنطن بالإطاحة في مصر بالرئيس محمد مرسي. هكذا قام (قابيل) الصَّليبي بالإطاحة ب (هابيل) (الإسلامي)!.