كان استقلال الكونغو في 30 / يونيو 1960 م . بعد تسعة أيام فقط من حفل الإستقلال ، بأصابع استخبارية اشتعلت القلاقل والحرب الأهلية في أرجاء الكونغو ، وهبطت قوات المظليين البلجيك « لحماية أرواح الرعايا البلجيك « ، و» نصح « الرئيس الأمريكي « أيزنهاور « الزّعيم لوممبا باللجوء إلي الأممالمتحدة ، لإجلاء الجيش « البلجيكي « عن الكونغو . طالب لوممبا الأممالمتحدة بالتدخّل لردع العدوان العسكري البلجيكي ، وإدانة تأييد بلجيكا انفصال مقاطعة «كاتنقا « وقيام دولة إنفصالية مستقلّة . طالبت الأممالمتحدةبلجيكا بالإنسحاب من الكونغو . أرسلت الأممالمتحدة قوات حفظ سلام تبلغ حجمها عشرين ألف جنديّ ، يمثّلون ثلاثين دولة . شارك السودان ضمن تلك القوة الدولية . في الفترة من 1945 1960 حدثت (38) حرباً محليّة في العالم . كانت حرب الكونغو هي الثانية بعد الحرب الكوريّة ، من حيث إرسال قوَّات عسكرية دوليّة إلي منطقة حرب . وسرعان مااصطدم السكرتير العام للأمم المتحدة « داج همرشولد « بالرئيس لوممبا ، حول الدّور الذي ينبغي أن تلعبه قوات «حفظ السّلام « الدوليّة . ولتطويق انفصال «كاتنقا « المدعوم من بلجيكا ، وإحباط اعلان شومبي دولة جديدة ، فكرّ الرئيس لوممبا في طلب مساعدت خارجيّة ، ممّا أدخله في نزاع مع «كازافوبو» . في سبتمبر 1960 م عزل الرئيس لوممبا الذي يشغل منصب « رئيس الدّولة « ، عزل «كازافوبو « من منصب رئيس الوزراء ، وعيّن مكانه جوزيف إليو . كان «كازافوبو « رجل الغرب» أي أمريكا. كان عَزْل « كازافوبو « «رجل أمريكا» من رئاسة الوزارة الكونغوليّة ،هي نقطة الغليان التي فجّرت الكونغو . حيث تحرّك عندئذ مباشرة جوزيف موبوتو بانقلاب عسكري، وقام باعتقال الرّئيس لوممبا ، وأزاحه من الحكم و» ألقي به في السّجن « . لكن هل ألقي به فعلاً في السّجن ؟. بعد إزاحة لوممبا ، أصبح « كازافوبو « « رجل أمريكا « رئيساً في « ليوبولد ڤيل» وأصبح «مويس تشومبي» « رجل بلجكيا « رئيساً في « اليزانيث ڤيل» ، وأصبح الزّعيم الوطنّي ورئيس الدّولة باتريس لوممبا في السّجن !. لكن هل أصبح فعلاً « باتريس لوممبا « في السجن ؟. أم أن جريمة كبرى قد ارتكبت ؟. وتحرّك أنصار لوممبا بقيادة « أنطوان جيزنجا « في « ستانلي ڤيل « . واضطربت الأوضاع في الأممالمتحدة ، حيث هاجم الرئيس السوڤييتى خروتشوف السكرتير العام للأمم المتحدة « داج همرشولد « وطالبه بالإستقالة ،كما طالب بتكوين مجلس ثلاثي كبديل لمنصب السكرتير العام للأمم المتحدة . ذعِرت دوائر واشطن من وقوع صدام أمريكي سوڤييتي علي أرض الكونغو. كان لأمريكا في الكونغو مخطّط علني ومخطّط سرّي ، يعملان معاً بصورة متزامنة . كان المخطّط الأمريكيّ العلنيّ يديره وزير الخارجية « دين رسك « . حيث كان المخطط يعمل علي زيادة قوّات الأممالمتحدة ، لتدير حكم الكونغو من خلال قناع « واجهة كونغوليّة» . تمّ تصميم ذلك المخطّط الأمريكي العلنّي ، لاستخدام الأممالمتحدة أداةً ، لإجلاء بلجيكا عن الكونغو ، ووضع نهاية أبديّة لنفوذ(بروكسل ) في الكونغو . هل تحكم المخطّطات الغربية اليوم أجزاءً من الأقطار النامية ، باستخدم أداة الأممالمتحدة ، لتدير حكم تلك الأجزاء من خلال قناع المنظّمات الطوعيّة ؟. هل أصبحت قصقصة السيّادة الوطنيّة ، مبدأ جديداً غير معلن في السياسة الدّوليّة ؟. هل أصبح مفهوم « السيادة الوطنية « من إرث الماضي وتراث القانون االدوّلي القديم ؟. هل أصبح مفهوم « السيادة الوطنيّة « من أساطير الأوّلين؟. أمّا المخطّط الأمريكيّ السّري في الكونغو في 30 / يونيو 1960م، فقد كان يستهدف تصفية الزّعيم لوممبا بالإغتيال الدمويّ ، وتعيين رئيس كونغولي « أمريكي « مكانه. كان يشرف علي تنفيذ المخطّط السّري « فرانك كارلوتشي « . حينها في نهايات عام 1960 م ، كان» كارلوتشي « ضابط استخبارات في وزارة الدفاع الأمريكية « البنتاغون « . ثم شغل « كارلوتشي « لاحقاً منصب وزير الدّفاع في عهد الرَّئيس «رونالد ريغان» . كان المخطّطان الأمريكيَّان العلنيّ والسّري يعملان بصورة متزامنة . إستهدف المخطّط العلنيّ تصفية النفوذ البلجيكيّ . إستهدف المخطّط السّري اغتيال الزّعيم باتريس لوممبا بشخصّيته الثورية، ونقائه الوطني ونفوذه الأسطوريّ السّاحر في قلوب الجماهير الكونغوليّة. كما استهدف المخطّط السّري الأمريكيّ تعيين عميل بدرجة رئيس، أو رئيس كونغولي ّ عميل من طراز « موبوتو « ... رئيس جاء علي موعدٍ مع التاريخ !... «رئيس حدث ذات مرَّة «، كما جاءت تسمية ذلك الرئيس في كتاب مذكرات موبوتو!. ماذا تضمنَّت الوثائق الأمريكيّة السَّرية التي تمّ الكشف عنها في الثمانينات؟. ماذا تضمّنت عن الدّور الأمريكيّ في اغتيال الرئيس باتريس لوممبا ؟. و أيضاً تلك الوثائق التي كشفت عنها لندن، ماذا تضمَّنت عن الدور البريطاني المشارك في اغتيال لوممبا. كيف تمّ تغليف ذلك الدّورالأمريكي ، بخديعة أنَّ لوممبا معتقل في السّجن ، ثمَّ بإشاعة أن لوممبا هرب من السَّجن؟. كيف تمّ اغتيال الرئيس لوممبا الزعيم الوطني الجماهيري الذي قاد استقلال الكونغو ... كيف تمّ اغتيال لوممبا واغتيال مستقبل الكونغو ؟. نجاح أمريكا وبريطانيا في اغتيال الرئيس باتريس لوممبا عام 1961م، بانقلاب عسكري وتفجير الكونغو منذ 9/ يوليو 1960م إلى اليوم، كان سابقة هامة أعقبتها سوابق مماثلة في نيجيريا عام 1966م، حيث تمّ عبر انقلاب عسكري اغتيال الرئيس المنتخب (إسلامي) أبو بكر تفاوه بليوه والزعيم أحمدو بيلو، ثم عبر انقلاب عسكري 1973م بإشراف هنري كيسنجر، تمّ اغتيال الرئيس المنتخب ديمقراطياً سلفادور أليندي في شيلي. هل سيتم إعادة إنتاج تجربة الكونغو ونيجيريا وشيلي في مصر، واغتيال الرئيس (المنتخب) ديمقراطياً محمد مرسي وتفجير مصر؟. هل سيتم اغتيال الرئيس محمد مرسي لتغيير المعادلة السياسية جذريّاً وفرض معطيات جديدة. هل سيتم اغتيال الرئيس محمد مرسي لتفجير مصر بحرب أهلية وإخراج الجيش المصري من المعادلة العسكرية في الشرق الأوسط، كما تمّ إخراج الجيش العراقي، وكما يجري إخراج الجيش السوري من تلك المعادلة. وذلك حتى تصبح إسرائيل في القرن (21) القوة العظمى بلا جدال في الشرق الأوسط!.