قرارات الرابع من رمضان قبل «14» عاماً، والتي أنهت أشهر مسرحية سياسية بطلها عرّاب الإنقاذ السابق الدكتور حسن الترابي، التي أقصت الأخير وأبعدته تماماً من مراكز اتخاذ القرار وأودعته السجن «حبيساً»، تظل هذه القرارات والمفاصلة الشهيرة بين شقي الحركة الإسلامية علامة فارقة في تاريخ الحياة السياسية السودانية في وقتها الراهن، والتي تحولت بكل تفاصيلها التراجيدية إلى قطيعة شاملة أثرت سلباً على مجريات الأحداث في السودان خلال أعوامها ال «14». بعد المفاصلة الشهيرة نشطت لجان عديدة لرأب الصدع بين الطرفين لكن دون جدوى، وبرغم الجهود الجبارة التي بذلت لتقريب وجهات نظر الطرفين إلا أن ذلك كله لم يجد، بجانب محاولات خارجي،ة ولم تعد المياه إلى مجاريها بين الطرفين الفرقاء. الآن وبعد مرورتلك الأعوام وفى التوقيت ذاته «رمضان» نجحت الظروف التي أفرزها رحيل القيادي بالحركة الإسلامية الشيخ يس عمر الإمام في عودة الصفاء بين الفرقاء ولقاء الأحضان الذي جمع الرئيس البشير وزعيم المؤتمر الشعبي الدكتور حسن عبد الله الترابي في عزاء الفقيد بمقابر البكري بأم درمان، السؤال الذي طُرح وقتها، هل سيكون للعناق ما بعده أم تصبح لحظات حزن مشتركة جمعت الإسلاميين في الفقد وتمضي إلى أن يجمع الله الشتيتين بعدما ظنا كل الظن أن لا تلاقيا، وكثر الحديث في الآونة الأخيرة في الأوساط السياسية عن لقاءات البشاشة بين الترابي والبشير وأشواق المريدين التي تتمنى وحدة الإسلاميين خاصة بعد التحديات التي تنتاش الإسلام والإسلاميين في السودان والمحيط الخارجي. وفي هذه الأثناء قال نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي إن موقف الرئيس المشير عمر البشير أثناء عزاء الراحل يسن عمر الإمام وجد الاستحسان. وأضاف أن الرئيس «فج» الصفوف ورفع الفاتحة مع الترابي. وأشار إلى أن اللقاء بين البشير والترابي في مناسبة عزاء لا يليق فيه إجراء التحليل السياسي، ووصف إبراهيم السنوسي طبيعة البشير بأنه ودود وبشوش ومتسامح، وقال إنه يفصل بين المواقف، مشيراً إلى أن خلاف الطرفين كان على المبادىء وليس العواطف، وزاد الحكم والسلطة «ضل ضحى».. وأشار المحلل السياسي والقيادى بالحركة الإسلامية فتح الرحمن السيد ل «الإنتباهة» إلى المبادرات والجهود المبذولة في الآونة الأخيرة عن رأب الصدع بين فرقاء اليوم وأصدقاء الأمس، والتي جميعها باءت بالفشل، وكثر الحديث عن إعادة العلاقات بينهما. وقال إن هذا التوافق هو أمنيات وأشواق كل الشعب السوداني في توحيد صف الإسلاميين مرة أخرى بعد «14» عاماً التي مرت على انفصال الإسلاميين وما صاحبها من صدامات وخلافات سياسية لم تؤثر على علاقتهم الاجتماعية. وقال السيد إن لقاء البشير والترابي في عزاء ياسين عمر الإمام ساعد على ذوبان الجليد ومرارة الاحتقان الماضية والتقارب بينهما بات وشيكاً وأن من نتائج ذلك الأخبار الواردة من د. على الحاج القيادي بالمؤتمر الشعبي بأن المرحلة تقتضي الإسراع في عملية الوفاق بين حزبي المؤتمر الوطني والشعبي، وأشار حسب مصادر عليمة إلى أن د. حسن الترابي أبدى موافقته على مبدأ لم الشمل لضرورات تمثلت في الأجندة التي تطرحها الجبهة الثورية وفك ارتباط دولة جنوب السودان بقطاع الشمال وتفلتات الحركات المسلحة في دارفور. مشيراً إلى مشاورات ولقاءات على مستوى قيادات الحزبين للبحث حول كيفية المشاركة في الحكومة القادمة، وأكد الحاج في تصريحات صحفية أن الحزبين مؤهلان لتجاوز المخاطر التي تمر بها البلاد، مشيراً إلى تجاوزه مرحلة المرارات القديمة، قائلاً إن القضية أصبحت قضية هوية ووطن. المراقب لمجريات الاحداث بين «الشعبي» و«الوطني» يدرك بشكل واضح أن ما حدث هو صراع سلطوي حول المواقع وأنَّ الجولة الأولى من الصراع انتصرت فيها مجموعة القصر بما توافرت لها آنذاك من أسلحة لحسم المعركة، ونتيجة لذلك هيمن القصر على المواقع وتركوا مجموعة المنشية هائمين على وجوههم، منهم من انتظر حتى هذه اللحظة ومنهم من لحق بركب السلطة وما يجري الآن في هذه المرحلة من مراحل الصراع لا يعدو أن يكون محاولة من «الشعبيين» لاستعادة مواقعهم القديمة بطرائق شتى، الأساس فيها هو التفاوض والحوار وفي هذا يمكن أن يستغل المؤتمر الشعبي تحالف المعارضة كما فعل به قرنق تماماً في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كما يرى بعض المحللين.